كتبت صحيفة "السفير": "قانون "جاستا" أو قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، هو قانون صدر في الولايات المتحدة، ويطبق على أراضيها، ويعطي الحق لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول بمقاضاة دول أجنبية في قضايا الارهاب. إنه قانون ليس له سابقة، يُضعف الحصانة السيادية، يخالف كل أسس وقواعد القانون الدولي، ويُعيد رسم العلاقات الدولية بطريقة جديدة.
جاء القانون في ظروف اقتصادية وسياسية سعودية صعبة:
اقتصادياً: ـ انخفاض أسعار النفط عالمياً، وخسارتها أكثر من 50 % من مداخيلها سنوياً أي أكثر من 185 مليار دولار.
ـ استنزاف حوالي 140 مليار دولار من احتياطاتها بالعملات الأجنبية منذ نهاية 2014 ليبلغ إجمالي احتياطاتها 587 مليار دولار.
ـ تزايد ملحوظ للعجز في موازنتها العامة ليصل الى 20 % من الناتج المحلي أي أكثر من 100 مليار دولار واضطرارها مؤخراً الى اعتماد سياسة تقشف، وخفض الرواتب، وتأجيل المشاريع الاستثمارية، وتجميد الدعم للمشتقات النفطية والكهرباء...
ـ تراجع النمو الاقتصادي من 5 % إلى أقل من 1.5 %.
سياسياً: ـ خلافات مع الولايات المتحدة حول ملف الاتفاقية النووية مع ايران.
ـ انتقادها للموقف الاميركي حيال الازمة السورية ومصير الرئيس السوري.
ـ صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري (الولايات المتحدة) والنفط التقليدي.
يتسبّب قانون "جاستا" بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين السعودية والولايات المتحدة، وخلق مناخات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين، وتعمـّق المشكلات الاقتصادية للمملكة، وتظهر التبعات على الشكل التالي:
ـ خفض التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة البالغ 74 مليار دولار منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات. تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي.
ـ تهديد الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها في المصارف المقدّرة حسب مسؤولين سعوديين بـ 750 مليار دولار منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الاميركية مقابل استثمارات اميركية في السعودية لا تتجاوز 15 مليار دولار.
ـ تجميد صفقات الاسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. تحتل السعودية المرتبة الثانية عالميا في الانفاق العسكري بعد الولايات المتحدة حيث بلغ 85 مليار دولار سنويا.
ـ تأثير على وجود اكثر من 100 الف طالب سعودي في الولايات المتحدة.
ـ تأثير على تنفيذ "رؤية 2030" أو "رؤية محمد بن سلمان" المستندة الى الانفتاح على الاستثمارات الاجنبية والاسواق المالية العالمية مع خصخصة 5 % من شركة "آرامكو"، وتحوّل اقتصاد المملكة من اقتصاد يعتمد على مداخيل النفط الى اقتصاد يعتمد على مداخيل الاستثمارات.
قانون "جاستا" سيضع السعودية بين حدّي المواجهة أو التفاهم مع الولايات المتحدة:
ـ المواجهة: تتحقق من خلال سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، رغم الخسائر الكبيرة التي يمكن ان تتكبّدها (كاستثمارات في شركات، ومصافٍ، واستثمارات بقيمة 117 مليار دولار في سندات خزينة اميركية مقابل 260 مليار دولار لـ "جزر كايمان"، 1100 مليار دولار لليابان، 1300 مليار دولار للصين)، وإعاقة الاستثمارات الاميركية في السعودية، وتجميد صفقات الاسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار الى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون على اتخاذ مواقف مماثلة لها.
التفاهم: يتحقق من خلال الروية والمطالبة بتعديل القانون الذي توجد فيه ثغرات قانونية كثيرة وفق الخبراء القانونيين ليصبح منسجماً مع ملاحظات الادارة الاميركية، لا سيما ان اقتصاد السعودية وعملتها مرتبطان بالدولار الاميركي، وان الولايات المتحدة لم تعد بحاجة الى النفط السعودي نتيجة اكتفائها الذاتي وقدرتها على التصدير فضلاً عن ان علاقاتها مع الولايات المتحدة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي بل تتخطاها الى الجوانب السياسية والامنية والعسكرية.
قانون "جاستا" ظاهره قانون تعويضات لذوي ضحايا 11 أيلول، ولكن بعده واستثماره سياسيان بامتياز، هو سيف مصلت على رقاب الدول في المرحلة المقبلة. إنه إعصار جديد"!
(غازي وزني - خبير اقتصادي ومالي - السفير)