مقتل العشرات من أطفال حلب في أقل من أسبوع من القصف الروسي، إثبات ميداني، بالنسبة لوزير الدفاع «البوتيني» على «فعالية الأسلحة الروسية». لم يسبق أن تبجح جنرال بمثل هذا النجاح. لا شك أنه نافس وتفوق على قادة «داعش» في إعداماتهم المتلفزة، لأن أطفال حلب قُتلوا ورصدوا من كاميرات العالم.
أمام هذه الهمجية «البوتينية»، لم تعد تنفع الاحتجاجات. لا شك، أن الرئيس باراك أوباما الذي له فضائل عديدة، «شريك إيجابي« في الهمجية الروسية. لولا تراجعه المتكرر منذ تجربة السلاح الكيماوي أمام التصميم الروسي، لما تقدم «القيصر» وحوّل سوريا إلى حقل رماية حر، خصوصاً وأن كل المعارضة والمسلحين لا يملكون في مواجهة «السوخوي» أكثر من سلاح مضاد كان في الحرب اللبنانية أفضل أسلحة حروب الشوارع.
ربما والأرجح أن أوباما وفي محاولة منه لإثبات أن خطابه في جامعة القاهرة في بداية ولايته الأولى، كان هفوة، على إسرائيل أن تسامحه عليها لأنه ليس متعلقاً بمنطقة الشرق الأوسط إلا من العلاقة الخاصة جداً بينها وبين بلاده.
حالياً، عندما تضرب «السوخوي البوتينية» تحت إشراف غرفة العمليات الإسرائيلية مهما تعددت التسميات، فالنتيجة واحدة.
الرئيس فلاديمير بوتين، كان محرجاً في أوكرانيا. لا يمكن التراجع لأن في ذلك خسارة كل «مشروعه القومي«، ولا التقدم لأنه سيدخل في مواجهة مباشرة مع أوروبا الغربية ومن ثم الحلف الأطلسي. اختار الهاء العالم، من سوريا، فتدخل بخطوات محسوبة. حرب جوية، وكلفة مالية معقولة لا تزيد عن ثلاثة ملايين دولار يومياً، وتدريب لقواته المترهلة، خصوصاً قيادة أركانه، بعد انكفاء الجيش الروسي لعقدين أو أكثر من الزمن.
«الأزمة البوتينية» نمت وتصاعدت في سوريا، إذ بعد مرور سنة كاملة على التدخّل العسكري، تحوّلت من تظاهرة ميدانية إلى أكبر العمليات العسكرية الروسية. هذا التحوّل حصل تدريجياً وليس صاعقاً. ما يعني أن بوتين كان واعياً لكل خطوة خطاها ويخطوها، وما ذلك إلا لأنه أراد منذ البداية إلى جانب حجب الأزمة الأوكرانية، دعم الرئيس بشار الأسد ونظامه، وإفشال أي محاولة لتكرار قصة القذافي في ليبيا، التي اعتبرها «خديعة لا تغتفر» له من أوروبا وواشنطن.
تأكيداً لهذا الوعي والتصميم فإن بوتين ومعه وزيره لافروف البارع جداً في تحويل كل كذبة إلى حدث يثير النقاشات انطلاقاً منها وليس من رفضها، أنهما يؤكدان يومياً على عدم إمكانية الفصل بين المعارضة المعتدلة والمعارضة المتطرّفة سواء كانت «داعش» أو «النصرة». ببساطة جعل عدم الفصل بينهما حكماً بالإعدام الميداني على كل المعارضة السورية، تماماً كما يقول الأسد بأن «المعارضة المعتدلة خرافة».
فلاديمير بوتين وهو يصعّد في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية إلى درجة الإعلان رسمياً بأن أي قصف أميركي ضد النظام السوري يعني التعرّض للقوات الروسية، لن يدخل في مواجهة مسلحة مع الجيش الأميركي المتشدد في موقفه رغم انصياعه للإدارة الأوبامية السياسية. تعرف موسكو أين تقف ومن تواجه، ولذلك لن تخرق السقف الذي تتحرك تحته ولا الخطوط الحمر التي تقف خلفها. كل هذا الضجيج، هو محاولة لمنع التقدم الأميركي وتصعيده. الأسد تراجع بالتنسيق وحتى بأمر من موسكو.
حلب لن تسقط، لأنها ليست مدينة سورية محاصرة فقط. أصبحت نقطة قطع ووصل لكل الحروب في سوريا. حتى أوباما أصبح الآن مضطراً للعمل لمنع سقوط حلب، ولذلك أضاء الإشارة الحمراء أمام الروسي وقال له مباشرة أو بالواسطة «كفى» مجلس الأمن حتى ولو اعتدل سيتمم القرار «الأوبامي».
لا شك أن الموقف الأوروبي، خصوصاً الفرنسي منه، المتصدي لـ»شيشنة» بوتين وجيشه لحلب، قد أيقظ أوباما من تراجعه غير المبرر الذي استنزف الكثير من هيبة واشنطن وجيشها إلى درجة تهديد طهران لها بإغراق أسطولها في الخليج والرد بآلاف الصواريخ وتدميرها، رغم كل الفارق العسكري بينهما.
أراد «القيصر» في تصعيده وضع الإدارة الأميركية القادمة أمام واقع جديد لمصلحته يشكل منطلقاً لأي مفاوضات لاحقة، ليضمن الربح فيها لأنه إذا اضطر للتراجع يكون تراجعه مما كسبه من دون أن يستحقه وليس من رصيده. الآن، بعد حلب ليس كما قبلها. المفاوضات الأميركية – الروسية في عهد الإدارة الجديدة، ستبدأ من حيث اضطرت موسكو للتوقف، وليس من حيث وصلت.