أشخاصٌ لصيقو الصِّلة برئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، يشتركون بانطباع واحد لجهة أنه ومنذ شيوع خبر اقتراب الرئيس سعد الحريري من فكرة ترشيحه، وهو يتصرّف وكأنّ رئاسة الجمهورية أصبحت في جيبه.السنوات الثمانون لعمر حلمه ترتاح على قسمات وجهه، لتوحي بأنّ الحلم صار وراء ظهره وما يهمّه الآن هو كيف سيُجسّده كحقيقة قائمة ومعاشة. لقد رتب الجنرال رزنامة أول اسبوعين بعد انتخابه: فترة تهنئة لنهارين فقط، يليها إنجاز مستلزمات تكليفه رئيس الحكومة، وإذا لم تبرز عقبات حول الاسماء، فسيتم تشكيل الحكومة بسرعة قياسية.
وفي مقابل أنّ رئيس مجلس النواب يطرح لفخامة الرئيس العتيد الذي يبحث عنه مواصفات أن يكون رئيس تنفيذ «سلة مندرجات طاولة الحوار»، فإنّ عون يؤشر الى صدره بكلتَي يديه ويُحدّد مواصفاته - بحسب قريبين منه - معتبراً أنه «الرئيس الضمانة الحارس لكلّ المسلمات».
يحاول عون في لحظة ربع الساعة الأخير المقتنع بأنها ستنتهي بانتخابه، تبسيط فكرته عن مواصفاته الرئاسية، وذلك تحاشياً للدخول في جدل إضافي يعقّد ترشحه.
ومن وجهة نظره هناك ثلاثة اساسيات ستشكل رؤية عهده: أوّلها الرئيس الضمانة وحارس المسلمات المعروفة. والثانية تحييد مسيرة اعادة عجلة الاقتصاد وعمل الدولة عن تداعيات الازمة السورية.
حيث يمكن لكلّ طرف أن يحتفظ بوجهة نظره لما يحدث في سوريا، وفي النهاية سينتصر مَن ينتصر، وسيكون لبنان الناجي الاكبر وسيجد مَن تنتصر وجهة نظره أنه الأقدر في بلد معمر وليس مدمراً. والثالثة تطبيق «الطائف» وتنقيته من استثنائية التطبيق، وما علق به من شوائب في مشوار تنفيذها.
واضح أنّ كلام عون كما ينقله عنه قريبون منه، يتّسم بأنه عام، وهو يتقصد ذلك في لحظة يفضل فيها الصمت والعمل الهادئ والكلام المحسوب بميزان الذهب، لجعل اللحظات الاخيرة لما قبل انتخابه - كما يعتقد بثقة- تمرّ على خير.
ولكن حول عون، خصوصاً الذين يعاونونه على متابعة جهوده السياسية للوصول الى قصر بعبدا، هناك رأيان: الاول يفضل التمهل في اعلان الحريري ترشيح عون حتى لا يتكرّر مع مبادرته ما حصل مع مبادرته لترشيح النائب سليمان فرنجية.
ويبرّر اصحاب هذا الرأي انه من الافضل إنضاج الظروف المحيطة بالترشيح. فيما يصرّ الرأي الثاني على جعل السقف الزمني لإعلان الحريري ترشيح عون قصيراً ومحدَّداً بتوقيت واضح (بين ١٠ الى ١٥ يوماً منذ زيارة الحريري إلى الرابية)، وذلك لعدم السماح للاستهلاك السياسي الداخلي أن يميّع هذا الترشيح.
حتى الفترة الممتدة من عودة الحريري من زيارته الرياض بعد ظهر الأربعاء الماضي ولغاية منتصف ليل اليوم ذاته، كانت اسهم توقّع اعلان الحريري ترشيح عون خلال اجتماع كتلة «المستقبل» امس، عالية جداً، لدرجة أنّ حصيلة المعلومات التي جمعتها مراجع سياسية أكدت أنّ رحلة عون الفعلية للرئاسة ستبدأ من بعد ظهر الأربعاء (امس الأول)؛ ولكن فجأة تراجع التوقع باستعجال اعلان «المستقبل» للترشيح، لمصلحة التمهل لإنضاج معطيات اضافية.
وعمّا أدّى الى التأجيل، يتحدث متابعون لهذا الملف عن مجموعة أمور، على رأسها الخوف من نتائج عكسية ومفاجئة تنتجها سياسة الاستعجال وحرق المراحل. اضف أنّ الحريري في زيارته الاخيرة إلى الرياض لم يلمس ما يُوحي بوجود فيتو على مبادرته الاخيرة، لكنه لم يحمل معه موافقة صريحة عليها.
فرأي الرياض بفكرة الحريري ترشيح عون، يرتقي لمنزلة أنه شبه رسمي وليس رسمياً، ومنسوب لجهات وازنة في السعودية، وليس لكلّ جهاتها الوازنة والمقرّرة.
وتؤكد المصادر أنّ السعودية كدولة أو كبيئة للقرار فيها لم تناقش ترشيح عون رسمياً، ولكن على هامش أوقات اهتماماتها الاساسية في المنطقة، دارت نقاشات حول هذه الفكرة، وذلك من باب صلة لبنان بأحداث المنطقة الساخنة.
وما يمكن تأكيده على هذا الصعيد وسط كمّ هائل من التكهنات والتسريبات، هو التالي:
أولاً، بعكس ما حصل مع مبادرة الحريري ترشيح فرنجية، فإنّ الرياض لم تتلقّ حتى الآن أيّ اتصال من أيّ دولة خارجية لحضّها على مساندة مبادرة ترشيح عون.
ثانياً، في الرياض كما في باريس يسود الرأي نفسه الذي سمعه الحريري من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لجهة أنّ الوضع في لبنان مجمّد في انتظار ما سيؤول اليه الوضع السوري.
ثالثاً، لا قرار داخل السعودية في شأن دعم ترشيح عون على غرار الذي كان موجوداً في شأن فرنجية، بل هناك وجهتا نظر لمرجعَين بارزَين في بيئة القرار السعودي، وكلتاهما تنطلقان من «أنّ لبنان ليس أولوية الآن»، ولكنهما تفترقان عند أنّ الرأي الاول يقول «... ليس أولية لذلك لا يهمنا مَن سيأتي رئيساً فيه سواء عون او غيره»، اما الثاني فيقول «... ليس اولوية ولكن أيّ رئيس عدا عون».
الرأي الثاني يحذّر من أنه فيما لو سار الحريري بعون، فإنه سيحصد النتيجة نفسها التي ادت اليها مبادرة المصالحة التي قام بها الملك عبد الله مع الرئيس السوري بشار الاسد وأفضت - لما يصفونه- الى قيام «حزب الله» ودمشق بعد تغيّر طرأ على المشهد الاقليمي بالانقلاب على هذه المبادرة وإخراج الحريري من رئاسة الحكومة.
بهذا المعنى فإنّ كلّ ما يملكه الحريري لجهة ترشيح عون هو غطاء سلبي من السعودية إن صح التعبير، بمعنى أنه يمكنه تأويل لامبالاة السعودية بلبنان، بأنها غطاء سياسي له او ضوء اخضر له ليقوم بتعبئة الفراغ نيابة عن السعودية عبر اتخاذ الخيار الذي يراه مناسباً.
ولكنّ هذا التفسير قد ينطوي على مغامرة أن تلومه السعودية لاحقاً عليه، خصوصاً أنّ هناك داخل بيئة القرار السعودي وجهة نظر مغايرة، تحذّر من الإتيان بعون رئيساً. الحريري، طبعاً، يعرف هذه المعطيات السعودية، لذلك يعتبر أنّ مبادرة ترشيحه عون هي مغامرته الشخصية سواء لناحية تصميمها او ما سترتّب عليها من كلفة سياسية.
وضمن حسابات فريق عمل عون الضيق، هناك جملة عقد يتخوّفون منها ويعتبرونها قنابل موقوتة يجب تفكيكها قبل بلوغ مرحلة الترشيح والنزول الى جلسة انتخابه، يظلّ ابرزها استمرار فرنجية في ترشيح نفسه حتى بعد ترشيح «المستقبل» لعون.
وهناك قرار ضمني في الرابية مفاده أنّ عون لن ينزل وكتلته الى أيّ جلسة انتخاب يكون فيها مرشحان للرئاسة هو وفرنجية. بل إنّ عون يريد تفكيك عبوة ترشيح فرنجية قبيل تحديد موعد جلسة انتخابه، وهذا الامر يطلبه من طرفين الحريري والرئيس نبيه برّي.
وبحسب معلومات فإنّ كلمة سر برّي وصلت الى فرنجية بأنه سيبقى يدعم ترشيحه ما دام هو مثابراً على هذا الترشيح؛ في المقابل فإنّ الحريري قد يستعيض عن اعلان ترشيحه عون في هذا الوقت بإعلانه رسمياً إنهاء ترشيحه فرنجية، وذلك كتعويض يقدمه الى عون كثمن لطلب وقت إضافي منه لإتمام اتصالاته اللازمة حتى يحسم أمر ترشيحه له رسمياً.