لم يأتِ البيان الذي صدر بعد اجتماع كتلة المستقبل النيابية برئاسة الرئيس سعد الحريري، أمس، على قدر الأجواء التي أشيعت خلال الـ48 ساعة الماضية، حول نيّة الحريري إعلان دعمه ترشيح رئيس تكتّل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون خلال الاجتماع.

وأكّدت مصادر نيابية أن الجلسة شهدت نقاشاً حامياً بين نواب معترضين على ترشيح عون والحريري الذي لم يقدّم للمعترضين أجوبة شافية عن توجهاته وحقيقة الموقف السعودي من مبادرته. لكنه لمّح إلى أنه ماضٍ في مسار ترشيح عون ولن يتراجع عنه، من دون أن يقول ذلك صراحة. غير أن البيان استكمل ما دأب الحريري وكتلته ونوّابه، ومعهم حزب القوات اللبنانية ورموزه، على القيام به، لناحية تحميل حزب الله مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس، وهو ما كان الحريري قد كرّره بعد لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام في موسكو، في وقت يتّجه فيه رئيس تيار المستقبل بجديّة إلى ترشيح عون، مرشّح حزب الله الأوّل، وحليفه اللصيق.


وبدت «ضبابية» البيان انعكاساً لزيارة الحريري السعودية، وعدم حصوله على جوابٍ شافٍ ممّن التقاهم في المملكة حول مباركة أو رفض انفتاحه على خيار ترشيح عون، واستحواذ ملفّ «سعودي أوجيه» على الجزء الأكبر من الزيارة. وإذا كان الحريري قد لزم الصمت حيال نتائج الزيارة الأخيرة، فإن ما تسرّب من لقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الفرنسي جان مارك إيرولت، على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحّدة في نيويورك أواخر الشهر الماضي، يؤكّد المؤكّد أن الملفّ اللبناني يقع في آخر سلّم أولويات المملكة المشغولة في اليمن، ومواجهة تردّي العلاقات مع الولايات المتحدة بعد قانون «جاستا»، وأزمات داخلية أخرى. ونُقل عن لسان الجبير كلامٌ، في معرض ردّه على سؤال إيرولت حول الحركة الرئاسية التي يقوم بها الحريري، يفيد بأن «المملكة غير معنيّة بخطوات الحريري، ولبنان بلد الحريري وهو حرٌّ في خياراته، لكننا لن نكون معنيين أيضاً، حين ستقع المشاكل مع عون». وفيما يحتاج الحريري إلى استكمال مشاوراته الداخلية، من المقرّر أن يكمل جولاته الخارجية أيضاً بزيارة تركيا وفرنسا ودول أخرى، مع ترجيح قيامه بزيارة جديدة للسعودية.
غير أن غياب الوضوح في الموقف السعودي يضع على كاهل الحريري وعون أعباءً كبيرة. فغياب التفاهم الدولي والإقليمي و«الراعي» المباشر (كما في حالة دور سوريا سابقاً)، يحتّم على رئيس الحكومة الأسبق تسويق مبادرته على نحو أفضل، على الأقل لدى الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط، وتحتّم على عون التصرف كمرشّح للرئاسة ــ لا كرئيس جمهورية مرشّح ــ بدايةً من بوّابة عين التينة.
ولا يبدو الرّهان على تحرّك حزب الله تجاه عين التينة، قبل إعلان الحريري ترشيح عون رسمياً وقبل قيام عون بخطوة تجاه رئيس المجلس النيابي، رهاناً رابحاً؛ فحزب الله أوصل عون إلى المرحلة التي صار فيها مرشّحاً من قبل خصمه الحريري، لكنّه لن يكون مسؤولاً وحيداً عن تسويق عون لدى حلفائه الذين تقع مهمّة طمأنتهم على عاتق عون أولاً.
وحتى الآن، يبدو كلّ شيء متوقّفاً على موقف الحريري وإمكانية إقدامه على إعلان ترشيح عون، مع اقتناع حزب الله وحركة أمل بأن حسم الموقف السعودي لن يظهر إلّا في حال أعلن ذلك صراحة. وفي حين يؤكّد العونيون ثقتهم بنية الحريري ترشيح الجنرال، يشيرون إلى أن إعلان الترشيح سيكون الساعة الصفر لانطلاق تحرّك عون تجاه القوى السياسية اللبنانية، وتحديداً تجاه عين التينة. وتضاربت المعلومات بشأن طلب الوزير جبران باسيل موعداً لزيارة برّي منذ أيام؛ ففيما تحدّثت مصادر عن أن باسيل طلب الموعد، وأن بري رفض استقباله، نفت مصادر عونية وأخرى من 8 آذار ذلك قطعاً.

 ويهمّ رئيس المجلس النيابي أن يوضّح العونيون، على الأقل، حقيقة ما تمّ الاتفاق عليه مع الحريري على الهامش، خصوصاً حول ما يتردّد عن الاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية، وموافقة التيار الوطني الحرّ على تأجيل الانتخابات النيابية سنة واحدة إكراماً للحريري، الذي يؤكّد أن المدّة الفاصلة بين انتخاب الرئيس وموعد الانتخابات النيابية لا تكفيه للملمة وضع تياره الداخلي والإعداد للانتخابات. كذلك فإن بقاءه على رأس الحكومة لمدة سنة قبل الانتخابات، يمنحه فرصة التعويض خدماتياً ومالياً. لكنّ الأبرز بالنسبة إلى برّي، هو ما وصل إلى مسامعه عن موافقة التيار على السير بقانون «الستين»، الذي يستفيد منه عون والحريري على حدٍّ سواء، بعد أن كان عون يرفض «الستين» ويصرّ على النسبية، خصوصاً أن الحريري يحاول جاهداً الهروب من أيّ قانون نسبي يسمح لأخصامه بالحصول على مقاعد نيابية على حساب كتلة المستقبل، وأبرزهم وزير العدل أشرف ريفي.
ويزور وزير المال علي حسن خليل، اليوم، البطريرك الماروني بشارة الرّاعي، بعد أكثر من عام على انقطاع اللقاءات المباشرة بين موفدي عين التينة والراعي، والاكتفاء بالوساطات غير المباشرة. وتأتي زيارة خليل في إطار ترطيب الأجواء مع بكركي، وشرح وجهة نظر رئيس المجلس للبطريرك بشأن ارتباط «السلة» بطاولة الحوار وما دار حولها من نقاشات، بعد أن قرأت عين التينة بيان المطارنة الموارنة بإيجابية مشجّعة على تفعيل التواصل مع بكركي.

 

نصف المشاركة العونية

وفي انتظار ردّ فعل التيار الوطني الحرّ حيال اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي والاجتماع التمهيدي لمجلس النواب مع بداية العقد العادي، برز أمس «نصف مشاركة» التيار في جلسة الحكومة، التي اتُخذت فيها قرارات بتعيينات تهمّ برّي، ووافق عليها وزير التربية الياس بو صعب. غير أن أكثر من وزير في فريق رئيس الحكومة تمام سلام وبرّي وآخرين، وصفوا أداء بو صعب خلال الجلسة بـ«المشاكس». وبحسب مصادر وزارية قريبة من سلام، فإن بو صعب بدأ كلامه محذّراً من إمكان العودة إلى مقاطعة جلسات الحكومة، «في حال استمر التعاطي معنا بنفس الطريقة»، مؤكّداً أن حضور الجلسة هو «اختبار للنوايا، ونحن لا نريد أن نُعرقل». وردّاً على كلام بو صعب، أكّد الوزير رشيد درباس أن «لا أحد في الحكومة يريد كسر إرادة التيار، وحين غاب التيار عن الجلسة لم نتخذ أيّ قرارات إشكالية، وفي الجلسة التالية (التي غاب عنها حزب الله أيضاً) حَوَّلنا الجلسة إلى نقاش سياسي ولم نتخذ أيّ قرارات». فما كان من بو صعب إلّا أن قاطعه، مقارناً بين طريقة التعامل مع طلبات التيار الوطني الحر من جهة، وطلبات حزب الله من جهة ثانية. وسأل بو صعب «لماذا هذا التمايز؟ إذا حزب الله قاطع الجلسة الكل يلتزم معه، وإذا اعترض حزب الله على آلية معينة يؤخذ ذلك بعين الاعتبار». الردّ أتى من سلام الذي رأى أنّ «التجاذبات الكبيرة محلّها مش هون بل بجلسات الحوار الوطني». وكذلك ردّ وزير تيار المردة روني عريجي على بو صعب، منتقداً رفع العونيين لقضية الميثاقية والتمثيل في كل مرة، مشدداً على أن «الأزمة سياسية وليست ميثاقية، والمسيحيون ممثلون في الحكومة». وقالت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ»الأخبار» إن «نصف المشاركة» لا يعني «شيكاً على بياض» للحكومة، و»كل جلسة سيُدرس قرار المشاركة فيها وسيُقيّم مضمونها على حدة». كذلك فإنه «لا يعني عودة الى جلسات الحوار ولا الى مجلس النواب من دون قانون انتخاب». ولفتت المصادر إلى أن احتفال العونيين بذكرى 13 تشرين يوم 16 الجاري، سيكون مفترقاً؛ فإما أن يكون احتفالاً، وإما بداية تحرّك بصورة مختلفة».