طغت الصراحة على حركة اللقاءات والاتصالات، وبدت الإيجابية ممكنة بكسر حواجز الانفتاح وبناء تفاهمات وطنية، وبت ملفات عالقة، تماماً كما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي خرجت بقرارات إدارية وإجراءات حكومية على مدى خمس ساعات من النقاشات، وإن تخللتها تجاذبات أو أصوات مرتفعة، أو تعليق النقاش لبعض الوقت.
ولم تخف مراجع نيابية عليا، وقيادات سياسية ترحيبها بالقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء، لا سيما لجهة ملء الفراغ المحدق بمؤسسات وطنية ذات أهمية كرئاسة الأركان في الجيش اللبناني، حيث جرى تثبيت اللواء حاتم ملاك رئيساً لاركان الجيش، وتجنيب الجامعة اللبنانية خضة إدارية وتشتت من خلال تعيين عميد كلية طب الأسنان الدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة، وتعيين القاضي عبد الله أحمد مديراً عاماً للشؤون الاجتماعية، والتمديد للدكتور معين حمزة سنة في الأمانة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وتقديم تعويضات مالية لمزارعي التفاح والقمح، على ان يتولى الجيش اللبناني القيام بعمليات المسح، بالإضافة إلى أعطاء سلفة خزينة قدرها 40 مليار ليرة لبنانية لتوضع في تصرف الهيئة العليا للاغاثة.
وإذا كانت جلسة مجلس الوزراء قد سجلت إنهاء المقاطعة العونية للجلسات بصرف النظر عن «نظرية نص نص»، فإنها في الوقت نفسه فتحت الباب امام تساؤلات مشروعة عمّا إذا كانت الأحزاب والكتل المسيحية ستشارك في الجلسة التشريعية التي يزمع الرئيس نبيه برّي تحديد موعدها الاثنين المقبل، بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس، وتحديد جدول أعمالها من بين 82 مشروعاً واقتراح قانون معجلاً مكرراً، يتعين علي أعضاء المكتب اختيار ما يناسب منها للجلسة المتوقعة بعد 18 تشرين الااول الجاري، وعلى الأخص منها المشاريع ذات الطابع المالي الملح، علماً ان هذه الكتل والأحزاب تشترط لأي جلسة تشريعية بأن تبحث أولاً في قانون الانتخاب في ظل كلام تصاعد عبر عنه مجلس المطارنة الموارنة في ندائه امس الأوّل، ولفتت إليه كتلة « المستقبل» في بيانها أمس، عن وضع اقتصادي ومالي صعب محدق بالبلاد، ويتخوف معه من انقلابات مالية ليست في الحسبان إذا ما استمر الشغور الرئاسي الذي عاد إلى الواجهة، مع الحركة الدؤوبة التي يتولاها الرئيس سعد الحريري في الداخل والخارج.
كتلة المستقبل
وعلى هذا الصعيد، وللمرة الثانية على التوالي، ترأس الرئيس الحريري الاجتماع الدوري الأسبوعي لكتلة «المستقبل» والذي تأخر 48 ساعة عن موعده الثابت (الثلاثاء).
وتضمنت مناقشات الكتلة الإشارة إلى مشاورات الرئيس الحريري، معربة عن املها بأن «تسهم في تحريك الركود الذي أصاب انتخابات الرئاسة الأولى، بسبب الموقف التعطيلي الجائر لحزب الله وحلفائه»، مشددة على البدء بانتخاب الرئيس من دون شروط أو قيود على ان يكون قادراً على جمع اللبنانيين وإنجاز المصالحة»، وهو الأمر الذي تضمنه نداء مجلس المطارنة الذي رحّبت به الكتلة.
وحذرت الكتلة من تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي مشيرة إلى ان التطاول على الدولة والمس بهيبتها وعدم التناغم مع الشرعية العربية ونظام المصلحة العربية تجعل الحاجة ماسة إلى معالجات فورية تمنع تفاقم الضرر، معربة عن استهجانها عودة بعض الأجهزة الأمنية إلى اعتماد «وثائق الاتصال» محذرة من نتائج استمرار هذا النهج.
ونقلت مصادر نيابية عن الرئيس الحريري ان لا قرار نهائياً متخذ في ما خص ترشيح النائب ميشال عون، وانه لمس خلال مشاوراته ان الرئيس برّي والنائب وليد جنبلاط وحزب الكتائب غير متحمسين لانتخابه رئيساً، في حين ان سمير جعجع كان له رأي داعم لترشيح عون.
ونقلت هذه المصادر عن الرئيس الحريري انه سيقوم بجولة اتصالات وزيارات تشمل فرنسا والمملكة العربية السعودية وربما تركيا ومصر. لافتاً إلى ان الأمور المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي ما تزال في مرحلة الجوجلة وانه لم تصل به إلى مرحلة الخيارات، مؤكداً بأن الخيارات الرئاسية لم تنضج بعد وقد تحتاج إلى أكثر من أسبوعين، متجاوزاً المهلة التي كان النائب عون قد حددها أي 15 تشرين الحالي، ملوحاً باستمرار تحركه في الشارع.
وأوضحت المصادر ان الرئيس الحريري لا يقيد نفسه بمهلة أو بوقت، وانه عندما تكون هناك معطيات أو يطرأ شيء محدد وملموس، سيعود إلى الكتلة لاتخاذ القرار المناسب، علماً ان الاستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بصورة أو بأخرى بالجلسة التشريعية، والموقف الذي ستتخذه الأحزاب والكتل المسيحية، سواء من هذه الجلسة أو من احتمال العودة إلى طاولة الحوار الوطني، مشيرة إلى ان جولة الرئيس الحريري الخارجية قد تستغرق عشرة أيام، بما يتجاوز مهلة تحرك عون.
وفيما تريثت مصادر الرابية في التعليق على بيان كتلة «المستقبل»، أكّد نائب في تكتل «الاصلاح والتغيير» لـ«اللواء» ان النائب عون يكرر في مجالسه الخاصة ارتياحه لتطور العلاقة مع الرئيس الحريري.
في المقابل تنقل شخصية سياسية معروفة عن مسؤولين في «حزب الله» انه في ضوء التطورات الجارية لم يبق خيار امامهم الا السير بعون رئيساً للجمهورية.
وفي شأن متصل، يُؤكّد مقربون من الحزب ان الأولوية الآن هي لحسم الوضع الميداني في سوريا قبل انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية وعدم اغفال احتمالات انتخاب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة، والتي ينقل عنها انها ليست في وارد التساهل في ما خص المعركة الجارية في حلب خاصة وسوريا عامة.
وفي عين التينة، وفيما نقل عن الرئيس برّي انه بعد استئناف جلسات الحكومة والقرارات التي اتخذتها في جلستها أمس، فإنه قرّر إيفاد وزير المال علي حسن خليل إلى بكركي اليوم والتي يزورها أيضاً الرئيس السابق ميشال سليمان، وذلك لإعادة وصل ما انقطع بين عين التينة والبطريرك الماروني بشارة الراعي، حاملاً رسالة تتعلق بما يزمع الرئيس برّي الاقدام عليه لجهة عقد الجلسة التشريعية واستئناف طاولة الحوار الوطني التي يتعين عليها ان تكرس تثبيت التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، سواء كان النائب عون أو غيره.
أما مصادر «القوات اللبنانية» فتعتبر انه في ضوء اتجاه الرئيس الحريري تبني ترشيح عون، فإن الطابة الآن في مرمى الرابية التي يتعيّن عليها التحرّك من أجل التوافق مع «حزب الله» ومكونات 8 آذار في ما خص عملية توفير النصاب وانتخاب الرئيس.
وكشف موقع ليبانون ديبايت الالكتروني أن الإتفاق الذي جرى في بيت الوسط بين مدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري ورئيس «التّيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بعد سلسلة لقاءات جرت وأدت إلى تذليل العقبات وبالتالي التفاهم على صيغة تُمهّد إلى تعبيد الطريق أمام العماد عون من أجل الوصول إلى بعبدا.
ومن أهم ما جاء في ورقة الاتفاق:
- تأجيل الإنتخابات النيابيّة لمدة سنة بناءً على طلب الحريري.
- دعم التيّار العوني لولايتين حكوميتين للحريري وضمان عدم إسقاطه وفق سيناريو 2010.
- الإتفاق على أن تكون وزارة الطاقة من حصة «التيّار الحرّ» ووزارة المال من حصة «المستقبل».
- توزيع الحصص السيادية بالتساوي بين جميع الأقطاب في الحكومة وعدم حصرها بطرف.
- تقديم حصة وازنة للقوات اللبنانية يكون من ضمنها حقيبة سيادية (داخلية أو دفاع).
وفيما خصّ الولايتين، تم التوافق على أن تكون الأولى بعيد الإنتخابات الرئاسية، على ان تكون الولاية الثانية بعد إجراء تلك النيابيّة وفق التفاهمات نفسها التي جاءت في الورقة، وهنا يصبح العماد عون بمثابة ضمانة لعدم إسقاط الحريري بـ«فيتو الثلث الضامن».
مجلس الوزراء
على أن اللافت في جلسة مجلس الوزراء السجال العالي النبرة الذي خرق الهدوء الذي كان مسيطراً عليها، والذي كان من الممكن أن يطيح مرّة جديدة بالحكومة، حيث اضطر الرئيس سلام إلى رفع الجلسة والخروج من القاعة، بعد أن ضرب بيده على الطاولة، عندما علا صوت الوزيرين غازي زعيتر وبو صعب، على خلفية عقد شراء خدمات لبرج المراقبة في مطار بيروت ولم ينصاعا لمطالب رئيس الحكومة والوزراء للتهدئة.
ولحق بالرئيس سلام الوزراء: قزي وحرب والمشنوق ثم مقبل وخليل للوقوف على خاطره وعودة الأمور إلى نصابها، قبل أن يلحق بهم الوزير زعيتر ويعتذر من الرئيس سلام، موضحاً أن نبرته العالية فسّرت وكأنها صراخ.
أما الوزير بو صعب فأبلغ «اللواء» أن ما حصل كان مجرّد سوء تفاهم وغيمة صيف عبرت.
وكان سبق هذه المشادة سجال آخر عند بحث موضوع تعيين القاضي عبد الله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، والذي طرحه الوزير درباس، فاعترض وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج لأن الاقتراح لم يأت بموجب الآلية المتبعة في تعيينات وظائف الفئة الأولى، وخرج من الجلسة غاضباً ولحقت به الوزيرة شبطيني وإعادته إلى الجلسة، بعدما أوضح درباس أن آلية التعيينات لا تشمل القضاة.
أما الجدال الثالث فكان بين بو صعب ودرباس على خلفية مقاطعة وزراء التيار العوني لجلسات الحكومة، وغياب وزراء حزب الله عن آخر جلسة، لكن درباس نفى لـ«اللواء» حصول سجال، في حين اعتبر بو صعب بأن ما قاله وزير الشؤون يُؤكّد هواجسنا بأنه عندما غاب الحزب لم يتم اتخاذ قرارات ولكن إذا غابت كل الأحزاب المسيحية تستمر الجلسة وتتخذ قرارات.