لم يؤدِّ الخلاف الموضعي الذي حصل في مجلس الوزراء أمس على طريقة التعيين، إلى تعليق الجلسة، بل مرّت على نار هادئة، وخصوصاً مع مشاركة الوزير الياس بو صعب مؤكّداً نصفَ مشاركة «التيار الوطني الحر» ومنهياً نصفَ مقاطعة في ظلّ استمرار غياب رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل، متزامناً مع أجواء المساعي التي يقودها رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري للتوصّل إلى حلّ للاستحقاق الرئاسي، يتضمّن ترشيحَه لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قبل حلول جلسة 31 تشرين الأوّل. فيما علمت «الجمهورية» أنّ باريس في صدد تحريك عجلاتها الدبلوماسيّة لمواكبة الحركة الرئاسية الجديدة وخصوصاً مع طهران، علماً أنّ اتصالات سابقة على مستويات عالية حصلت بين العاصمتين كانت باريس تطالب فيها بتسهيل الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ الاتصالات بين الصرح البطريركي والإليزيه مستمرّة لمواكبة التطوّرات الراهنة، وخصوصاً بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري الأخيرة. ويتزامن ذلك مع متابعة فاتيكانيّة للحركة الرئاسية، إضافةً إلى التنسيق بين الكرسي الرسولي وباريس لأجل إتمام الاستحقاق.
على رغم الأجواء التفاؤلية التي بُثّ مناخها على الخط الرئاسي، فلا شيء ملموساً جدّياً حتى لدى المعنيين مباشرةً بهذا الاستحقاق.
وفي رأي هؤلاء أنّ المسافة التي قُطعت بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون، هي تسعون في المئة إن لم تكن مئة في المئة. لكنّ الأمور لم تنتهِ بعد. أوّلاً، لأنّ الحريري لم يتّخذ حتى الآن قراره بإعلان ترشيح عون.
ولدى سؤال المصادر هل إنّ مجرّد إعلان الحريري التزامَه ترشيح عون يعني أنّ الانتخابات الرئاسية ستحصل ويُنتخب عون؟ أجابت المصادر:» الكرة في ملعبه لهذه الناحية، خصوصاً لتأكيد الالتزام بترشيح عون الذي ينتظر بدوره التزامَ الحريري بترشيحه، علماً أنّ الأجواء بينهما أكثر من جدّية وودّية بالمعنى السياسي والشخصي.
كذلك فإنّ الكرة الآن هي في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يفترض تليين موقفِه ممّا يَطرحه في موضوع سلّة التفاهمات التي يَعتبرها الآخرون سلة شروط. والكرة أيضاً في ملعب عون للانفتاح الضروري على بري والتفاهم بينهما، لأنّه في رأي هذه المصادر ليس هناك من أمر إلّا ويوجد حلٌّ له.
وتنتظر المصادر في الأيام المقبلة أن يبادر عون إلى الاتصال ببري، إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر.
وردّاً على سؤال حول المدى الذي يمكن أن ينتظر فيه البلد إعلان الحريري قرارَه وبالتالي إجراء الانتخابات الرئاسية، قالت المصادر: أمامنا أسبوعان حاسمان، وقد تكون جلسة 31 تشرين الاوّل الجلسة الحاسمة إلّا إذا طرَأ ما يستدعي تأجيلاً وحيداً بعد 31 الجاري.
كما علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» يعمل بشكل حثيث وخلفَ الاضواء على خط عين التينة ـ الرابية لمدِّ جسر العلاقة وتبديد «سوء التفاهم» بين برّي وعون.
«حزب الله»
ولوحظ في هذه الفترة صمتُ «حزب الله» حول موضوع رئاسة الجمهورية، وكأنّ هناك قراراً اتّخِذ في هذا الإطار. وبحسب معلومات موثوقة أنّ الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله قد يتناول الموضوع الرئاسي في خطبةِ اليوم التاسع من عاشوراء.
قاسم
وحرصَ نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم على عدم الدخول في موضوع الرئاسة، إلّا أنّه قال لـ»الجمهورية»: «لبنان بحاجة إلى انتظام مؤسساته للقيام بمصالح الناس ولوقفِ التدهور الحاصل على أكثر من صعيد».
أضاف: «مِن هنا جاءت مشاركتُنا في جلسة مجلس الوزراء أمس كتأكيد على هذه المنهجية التي تساعد على انتظام عمل المؤسسات، وفي الوقت ذاته نحن نؤكّد على ضرورة انتظام عمل مجلس النواب ومعالجة كلّ ما يحتاج إلى إنجاز في هذا البلد».
وشدّد قاسم على أنّ الحلّ في لبنان لا بدّ مِن أن يرتكز على التوافق والتفاهم بين مكوّناته، وهذا ينطبق على كلّ المواقع والمؤسسات الأساسية في البلد، لأنّ التفاهم يزيل الهواجسَ ويقرّب وجهات النظر ويرسم الحدّ الأدنى الممكن للعمل بشكل مشترك.
وردّاً على سؤال قال قاسم: «من الخطأ التفكير بعقلية المستأثر أو الذي يريد أن يستحوذ على كلّ شيء. فلبنان لا يتحمّل مثلَ هذا الاتّجاه».
وأضاف: «كنّا دائماً نقول إنّ الحوار هو الأساس، ونحن نطبّق هذا الأمر من خلال حوارنا مع «المستقبل» ومشاركتنا في الحوار الوطني، ونؤكّد دائماً على النقاش والحوار المباشرَين وعدم اللجوء إلى التراشق الإعلامي السياسي الذي يُبعد المسافات من دون فائدة».
وعن تطوّرات المنطقة وانعكاسها على لبنان، أجاب قاسم: «كلّ شيء مؤجَّل في المنطقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما تقوم به الولايات المتحدة من مناورة باسمِ وقفِ إطلاق النار في سوريا ليس جزءاً من وضع خطوات الحلّ السياسي وإنما هو محاولة لمنعِ تقدّمِ قوات الدولة السورية وحماية المعارضة المسلّحة وتقويتها».
واعتبَر أنّ «ما يجري في لبنان اليوم ليس جزءاً من الأزمة ولا جزءاً من الحلّ، وأنّ استقرارَه الذي استمرّ خلال خمسة أعوام كان بسبب عاملين: العامل الأوّل هو رفضُ «حزب الله» وحلفائه الانجرارَ إلى الفتن الداخلية، والعامل الثاني أنّ الغرب أراد لبنانَ منطقةً آمنة للنزوح السوري كي لا تتحمّل أوروبا مسؤوليات النازحين وأعباءَهم، والآن لم يتغيّر هذا الواقع، وإذا حصَل أيّ تطوّر في لبنان على صعيد الانتخاب والمؤسسات إنّما هو تحت هذا السقف، من دون أن يعني ذلك أيّ تأثير إيجابي أو سلبي لتطوّرات الأزمة السورية المؤجّلة بحلولها الممكنة».
برّي
وحول الجديد في الاستحقاق الرئاسي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس: «ما عندي شي جديد، وأنا حالياً ما عَم إتدخّل بالموضوع الرئاسي، وعندما يعلَن الاتفاق حوله أدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس».
أضاف: التحضير الآن هو للجلسة التشريعية الأولى في العقد التشريعي الثاني الذي يبدأ أوّل ثلثاء بعد 15 الجاري، فهناك عدد كبير من المشاريع يتجاوز الـ 80 مشروعاً وكلّها تندرج ضمن تشريع الضرورة.
خليل في بكركي
إلى ذلك، يزور وزير المال علي حسن خليل بكركي اليوم موفَداً من بري لتأكيد التطابق بين ما يطرحه رئيس المجلس وبين ما ورد في نداء مجلس المطارنة الموارنة.
وقد سبق للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن أرسلَ بعد عظة الأحد موفداً إلى عين التينة، في زيارة فُسّرت بأنّها لتوضيح الموقف البطريركي، علماً أنّ مصادر عين التينة تعتبر أنّ ما ورد في نداء المطارنة هو السلّة نفسُها.
إقليموس
وأكّد رئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان اقليموس لـ«الجمهورية»: «أنّنا سنتابع نداءَ بكركي الذي يحمل أفكارَنا أصلاً»، لافتاً إلى «أنّنا سنتصدّى أوّلاً لمن يحاول مواجهة هذا النداء»، وأشار إلى «أنّ هذا النداء أعاد شدَّ العصبِ حول بكركي، وخصوصاً أنّ الصرح البطريركي لم يخرج يوماً عن خطّه التاريخي، وقد عبّر هذا النداء عن هواجس اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً».
«المستقبل»
وأملت كتلة «المستقبل» التي اجتمعت أمس برئاسة الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة «في أن تسهم المشاورات التي يجريها الحريري في تحريك الركود والجمود الذي أحاط بملف انتخابات رئاسة الجمهورية ولا سيّما بعد مرور ما يقارب سنتين ونصف على الشغور في منصب الرئاسة الأولى، وذلك بسبب الموقف التعطيلي الجائر لـ«حزب الله» وحلفائه».
ولفتت إلى أنّ «العودة إلى احترام الدستور هي المدخل الأساس والوحيد لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية عبر البدء بانتخاب رئيس الجمهورية من دون أيّ شروط أو قيود». (صفحة 4)
وأعلنت مصادر الكتلة لـ«الجمهورية» انّ الحريري مستمر في مشاوراته و»انّ الجولة الداخلية والخارجية التي قام بها حرّكت الامور وأعادت القرار الى لبنان، واكّدت انه منفتح على الجميع بمن فيهم العماد عون ولكن لا لزوم للقول إننا مع عون او ضده لأننا لا نزال في طور التفاوض معه».
وقالت المصادر:»انّ التسوية الموعودة لم تَستو بعد لأنّ المفاوضات مستمرة، وانّ الحريري أبلغ الى المعنيين انّ أي قرار نهائي يُتخذ سيعرض على القيادة السعودية حيث انه سيزور الرياض مجدداً فور تبلور هذا القرار».
واكدت المصادر «انه ما تزال هناك فترة للمفاوضات حتى 31 الجاري موعد جلسة انتخاب الرئيس». ولفتت الى انّ نواب الكتلة أبدوا «سرورهم بتفعيل العمل الحكومي وكذلك تفعيل عمل مجلس النواب لعقد جلسات لإقرار القضايا المالية الملحة والتي تجنّب البلاد بعض المخاطر».
«القوات»
وأبدى مصدر في «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» تفاؤله بقرب حصول الانتخابات الرئاسية، ولفت إلى انه «إذا لم تحصل الإنتخابات الرئاسية في وقت قريب وإذا أصرّ الرئيس بري على عقد جلسة تشريعية من دون أن يكون على جدول أعمالها قانون الإنتخابات النيابية كبند أوّل ويتمّ إقراره في الجلسة نفسها ستكون كل الخيارات مفتوحة».
مجلس وزراء
في غضون ذلك، وفي خطوة فاجأت الوزراء في السراي الحكومي، وبدت منسّقة مع وزيري «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن، وانسجاماً مع الاجواء الايجابية المرافقة للمشاورات، وعلى نيّة الرئاسة، عاد وزراء «التيار الوطني الحر» الى مجلس الوزراء امس بعد مقاطعة لأكثر من شهر، فالتأم شمل الحكومة بسحر ساحر وظل حضور الوزير جبران باسيل مرتبطاً بالقرار السياسي الاكبر.
فوحده بقي مقاطعاً حتى لا يتوهّم احد انّ قرار العودة اتخذ بشكل نهائي. وقال الوزير الياس بو صعب معلقاً باللهجة العاميّة: «إنشالله بيحضر باسيل بالحكومِه الجديده». كذلك اكد انّ العودة عن مقاطعة مجلس الوزراء لا تعني المشاركة في الحوار أو في أي أمر آخر، وإذا استمرت الايجابية حيالنا سنقابلها بالايجابية.
«الحزب» ومشاركة «التيار»
وعلمت «الجمهورية» انّ «التيار» كان بصدد الاستمرار في مقاطعة جلسات المجلس حتى يوم أمس، الّا انّ ما بَدّل الامور هو مشاورات كثيفة أجراها «حزب الله» معه.
وفي هذا السياق، علم انّ الحزب أبلغ الى «التيار»، وتحديداً إلى رئيسه باسيل، أنّ وزيريه فنيش والحاج حسن سيشاركان في الجلسة، فاستغرب باسيل هذا الموقف واجاب انّ «التيار» ما زال على موقفه المقاطع كون أسباب هذه المقاطعة لم تنتف بعد. الّا انّ جواب «الحزب» جاء بأنّ الأسباب قد انتفَت ولم يعد هناك اي مبرّر للمقاطعة، وبالتالي التئام مجلس الوزراء بكامل اعضائه وإطلاق عجلة الحكومة في اتجاه ما يجب.
وانتهى هذا التواصل بين الطرفين الى اتفاق على التواصل مجدداً قبل الجلسة وهذا ما حصل بالفعل أمس الأول، فعاد «حزب الله» الذي قرّر ان يشارك وزيراه في الجلسة حتى ولو لم يشارك «التيار»، وأبلغ موقفه هذا الى باسيل مكرراً دعوته الى تعليق المقاطعة.
فقاد باسيل مشاورات على مستوى «التيار» أفضت الى «نصف مشاركة»، واتصل بالحزب قبَيل الجلسة لإبلاغه انّ التيار سيشارك عبر بو صعب.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية انّ خطوة «التيار» كانت منسّقة مع «حزب الله» ووزير الداخلية نهاد المشنوق أولاً لإرسال بادرة حسن نية منسجمة مع الاتصالات القائمة حول الرئاسة، وثانياً لتمرير سلة تعيينات يُراد منها القول انّ الطريقة الدستورية التي تتعاطى فيها الحكومة بما خصّ التعيين تنسجم مع مبادىء وزراء «التيار»، عَدا عن انّ تعيين رئيس للجامعة اللبنانية يرتبط مباشرة بوزير التربية وهناك حاجة لإقراره».
وسألت «الجمهورية» أحد الوزراء عن الايجابية التي قصدها بو صعب وماذا فعلتم لكي يعودوا؟ فأجاب: «لم نعلم لماذا قاطعوا ولم نعلم لماذا عادوا، وفَتِّشوا عن الرئاسة».
خليل
وقال خليل لـ«الجمهورية»: تأكّد انّ الصواب هو انتظام عمل الحكومة، والمهم استمرار الجميع على هذا الموقف وعدم ربط المشاركة بحسابات سياسية أخرى لأنّ مصالح الناس لا يجب ان تخضع للتجاذبات. وعن لَمّ شمل الحكومة قال الوزير وائل ابو فاعور: هو إغراء للوصول الى الرئاسة.
وقد بدأت الجلسة بكلمة سياسية لرئيس الحكومة تمام سلام بعد ترحيب الوزراء بالمقاطعين، ثم بدأوا بجدول الأعمال وكانت التعيينات تتصدّره. فعيّن المجلس اللواء حاتم ملاك رئيساً للأركان في الجيش والدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة اللبنانية، وقرّر التمديد سنة إضافية للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وعيّن القاضي عبدالله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، كما دعم مزارعي التفاح والقمح.
زعيتر وبو صعب
وعندما وصل النقاش الى البند رقم 9 والذي يطلب فيه وزير الاشغال العامة والنقل غازي زعيتر تعيين موظفين في مطار رفيق الحريري عن طريق مجلس الخدمة المدنية وفقاً لآلية التعيينات، وكذلك طلبه استئجار خدمات من 10 موظفين سابقين لتدريب مراقبين في الملاحة، اعترض بو صعب على البند وطلب معرفة هوية الموظفين والمستأجرين.
فرفض زعيتر طريقة كلامه الذي اعتبره طائفياً، وقال: «أنا اكثر من يعزّز المسيحيين وهذا الكلام غير مقبول ومع انها صلاحياتي فأنا مستعد لعرض كل الاسماء». واحتدم النقاش، فاستاء سلام ورفع الجلسة وغادر القاعة، ثم ما لبث ان لحق به الوزراء مع زعيتر الذي اعتذر له وطلبوا منه استئناف الجلسة.
قضية الطراس
وفي الشأن القضائي عادت قضية مفتي شبعا الشيخ بسام الطراس الى الواجهة أمس بعدما استدعاه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الى التحقيق بناء لإشارة مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار الذي انتقل الى مبنى شعبة المعلومات وأشرف على مسار التحقيق وأعطى الاشارة بتوقيف الطراس رهن التحقيق في ضوء معطيات جديدة اظهرتها التحقيقات التي أجراها الحجار معه الاسبوع الفائت في مكتبه في المحكمة العسكرية، والاستنابات التي سَطّرها في أعقابها.
وقد أبلغ مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود «الجمهورية» انّ توقيف الطراس لا علاقة له بملف تفجير كسارة الذي قيل انه كان يستهدف مواكب لحركة أمل كانت في طريقها الى الإحتفال بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في نهاية آب الماضي».
وأكّد حمود أنّ ما يتركّز عليه التحقيق اليوم ليس ثابتاً بعد، وقد يكون متورّطاً أو العكس صحيح مفضّلاً انتظار التحقيقات الجارية في هذا الملف.
وفي رأي هؤلاء أنّ المسافة التي قُطعت بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون، هي تسعون في المئة إن لم تكن مئة في المئة. لكنّ الأمور لم تنتهِ بعد. أوّلاً، لأنّ الحريري لم يتّخذ حتى الآن قراره بإعلان ترشيح عون.
ولدى سؤال المصادر هل إنّ مجرّد إعلان الحريري التزامَه ترشيح عون يعني أنّ الانتخابات الرئاسية ستحصل ويُنتخب عون؟ أجابت المصادر:» الكرة في ملعبه لهذه الناحية، خصوصاً لتأكيد الالتزام بترشيح عون الذي ينتظر بدوره التزامَ الحريري بترشيحه، علماً أنّ الأجواء بينهما أكثر من جدّية وودّية بالمعنى السياسي والشخصي.
كذلك فإنّ الكرة الآن هي في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يفترض تليين موقفِه ممّا يَطرحه في موضوع سلّة التفاهمات التي يَعتبرها الآخرون سلة شروط. والكرة أيضاً في ملعب عون للانفتاح الضروري على بري والتفاهم بينهما، لأنّه في رأي هذه المصادر ليس هناك من أمر إلّا ويوجد حلٌّ له.
وتنتظر المصادر في الأيام المقبلة أن يبادر عون إلى الاتصال ببري، إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر.
وردّاً على سؤال حول المدى الذي يمكن أن ينتظر فيه البلد إعلان الحريري قرارَه وبالتالي إجراء الانتخابات الرئاسية، قالت المصادر: أمامنا أسبوعان حاسمان، وقد تكون جلسة 31 تشرين الاوّل الجلسة الحاسمة إلّا إذا طرَأ ما يستدعي تأجيلاً وحيداً بعد 31 الجاري.
كما علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» يعمل بشكل حثيث وخلفَ الاضواء على خط عين التينة ـ الرابية لمدِّ جسر العلاقة وتبديد «سوء التفاهم» بين برّي وعون.
«حزب الله»
ولوحظ في هذه الفترة صمتُ «حزب الله» حول موضوع رئاسة الجمهورية، وكأنّ هناك قراراً اتّخِذ في هذا الإطار. وبحسب معلومات موثوقة أنّ الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله قد يتناول الموضوع الرئاسي في خطبةِ اليوم التاسع من عاشوراء.
قاسم
وحرصَ نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم على عدم الدخول في موضوع الرئاسة، إلّا أنّه قال لـ»الجمهورية»: «لبنان بحاجة إلى انتظام مؤسساته للقيام بمصالح الناس ولوقفِ التدهور الحاصل على أكثر من صعيد».
أضاف: «مِن هنا جاءت مشاركتُنا في جلسة مجلس الوزراء أمس كتأكيد على هذه المنهجية التي تساعد على انتظام عمل المؤسسات، وفي الوقت ذاته نحن نؤكّد على ضرورة انتظام عمل مجلس النواب ومعالجة كلّ ما يحتاج إلى إنجاز في هذا البلد».
وشدّد قاسم على أنّ الحلّ في لبنان لا بدّ مِن أن يرتكز على التوافق والتفاهم بين مكوّناته، وهذا ينطبق على كلّ المواقع والمؤسسات الأساسية في البلد، لأنّ التفاهم يزيل الهواجسَ ويقرّب وجهات النظر ويرسم الحدّ الأدنى الممكن للعمل بشكل مشترك.
وردّاً على سؤال قال قاسم: «من الخطأ التفكير بعقلية المستأثر أو الذي يريد أن يستحوذ على كلّ شيء. فلبنان لا يتحمّل مثلَ هذا الاتّجاه».
وأضاف: «كنّا دائماً نقول إنّ الحوار هو الأساس، ونحن نطبّق هذا الأمر من خلال حوارنا مع «المستقبل» ومشاركتنا في الحوار الوطني، ونؤكّد دائماً على النقاش والحوار المباشرَين وعدم اللجوء إلى التراشق الإعلامي السياسي الذي يُبعد المسافات من دون فائدة».
وعن تطوّرات المنطقة وانعكاسها على لبنان، أجاب قاسم: «كلّ شيء مؤجَّل في المنطقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما تقوم به الولايات المتحدة من مناورة باسمِ وقفِ إطلاق النار في سوريا ليس جزءاً من وضع خطوات الحلّ السياسي وإنما هو محاولة لمنعِ تقدّمِ قوات الدولة السورية وحماية المعارضة المسلّحة وتقويتها».
واعتبَر أنّ «ما يجري في لبنان اليوم ليس جزءاً من الأزمة ولا جزءاً من الحلّ، وأنّ استقرارَه الذي استمرّ خلال خمسة أعوام كان بسبب عاملين: العامل الأوّل هو رفضُ «حزب الله» وحلفائه الانجرارَ إلى الفتن الداخلية، والعامل الثاني أنّ الغرب أراد لبنانَ منطقةً آمنة للنزوح السوري كي لا تتحمّل أوروبا مسؤوليات النازحين وأعباءَهم، والآن لم يتغيّر هذا الواقع، وإذا حصَل أيّ تطوّر في لبنان على صعيد الانتخاب والمؤسسات إنّما هو تحت هذا السقف، من دون أن يعني ذلك أيّ تأثير إيجابي أو سلبي لتطوّرات الأزمة السورية المؤجّلة بحلولها الممكنة».
برّي
وحول الجديد في الاستحقاق الرئاسي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس: «ما عندي شي جديد، وأنا حالياً ما عَم إتدخّل بالموضوع الرئاسي، وعندما يعلَن الاتفاق حوله أدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس».
أضاف: التحضير الآن هو للجلسة التشريعية الأولى في العقد التشريعي الثاني الذي يبدأ أوّل ثلثاء بعد 15 الجاري، فهناك عدد كبير من المشاريع يتجاوز الـ 80 مشروعاً وكلّها تندرج ضمن تشريع الضرورة.
خليل في بكركي
إلى ذلك، يزور وزير المال علي حسن خليل بكركي اليوم موفَداً من بري لتأكيد التطابق بين ما يطرحه رئيس المجلس وبين ما ورد في نداء مجلس المطارنة الموارنة.
وقد سبق للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن أرسلَ بعد عظة الأحد موفداً إلى عين التينة، في زيارة فُسّرت بأنّها لتوضيح الموقف البطريركي، علماً أنّ مصادر عين التينة تعتبر أنّ ما ورد في نداء المطارنة هو السلّة نفسُها.
إقليموس
وأكّد رئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان اقليموس لـ«الجمهورية»: «أنّنا سنتابع نداءَ بكركي الذي يحمل أفكارَنا أصلاً»، لافتاً إلى «أنّنا سنتصدّى أوّلاً لمن يحاول مواجهة هذا النداء»، وأشار إلى «أنّ هذا النداء أعاد شدَّ العصبِ حول بكركي، وخصوصاً أنّ الصرح البطريركي لم يخرج يوماً عن خطّه التاريخي، وقد عبّر هذا النداء عن هواجس اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً».
«المستقبل»
وأملت كتلة «المستقبل» التي اجتمعت أمس برئاسة الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة «في أن تسهم المشاورات التي يجريها الحريري في تحريك الركود والجمود الذي أحاط بملف انتخابات رئاسة الجمهورية ولا سيّما بعد مرور ما يقارب سنتين ونصف على الشغور في منصب الرئاسة الأولى، وذلك بسبب الموقف التعطيلي الجائر لـ«حزب الله» وحلفائه».
ولفتت إلى أنّ «العودة إلى احترام الدستور هي المدخل الأساس والوحيد لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية عبر البدء بانتخاب رئيس الجمهورية من دون أيّ شروط أو قيود». (صفحة 4)
وأعلنت مصادر الكتلة لـ«الجمهورية» انّ الحريري مستمر في مشاوراته و»انّ الجولة الداخلية والخارجية التي قام بها حرّكت الامور وأعادت القرار الى لبنان، واكّدت انه منفتح على الجميع بمن فيهم العماد عون ولكن لا لزوم للقول إننا مع عون او ضده لأننا لا نزال في طور التفاوض معه».
وقالت المصادر:»انّ التسوية الموعودة لم تَستو بعد لأنّ المفاوضات مستمرة، وانّ الحريري أبلغ الى المعنيين انّ أي قرار نهائي يُتخذ سيعرض على القيادة السعودية حيث انه سيزور الرياض مجدداً فور تبلور هذا القرار».
واكدت المصادر «انه ما تزال هناك فترة للمفاوضات حتى 31 الجاري موعد جلسة انتخاب الرئيس». ولفتت الى انّ نواب الكتلة أبدوا «سرورهم بتفعيل العمل الحكومي وكذلك تفعيل عمل مجلس النواب لعقد جلسات لإقرار القضايا المالية الملحة والتي تجنّب البلاد بعض المخاطر».
«القوات»
وأبدى مصدر في «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» تفاؤله بقرب حصول الانتخابات الرئاسية، ولفت إلى انه «إذا لم تحصل الإنتخابات الرئاسية في وقت قريب وإذا أصرّ الرئيس بري على عقد جلسة تشريعية من دون أن يكون على جدول أعمالها قانون الإنتخابات النيابية كبند أوّل ويتمّ إقراره في الجلسة نفسها ستكون كل الخيارات مفتوحة».
مجلس وزراء
في غضون ذلك، وفي خطوة فاجأت الوزراء في السراي الحكومي، وبدت منسّقة مع وزيري «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن، وانسجاماً مع الاجواء الايجابية المرافقة للمشاورات، وعلى نيّة الرئاسة، عاد وزراء «التيار الوطني الحر» الى مجلس الوزراء امس بعد مقاطعة لأكثر من شهر، فالتأم شمل الحكومة بسحر ساحر وظل حضور الوزير جبران باسيل مرتبطاً بالقرار السياسي الاكبر.
فوحده بقي مقاطعاً حتى لا يتوهّم احد انّ قرار العودة اتخذ بشكل نهائي. وقال الوزير الياس بو صعب معلقاً باللهجة العاميّة: «إنشالله بيحضر باسيل بالحكومِه الجديده». كذلك اكد انّ العودة عن مقاطعة مجلس الوزراء لا تعني المشاركة في الحوار أو في أي أمر آخر، وإذا استمرت الايجابية حيالنا سنقابلها بالايجابية.
«الحزب» ومشاركة «التيار»
وعلمت «الجمهورية» انّ «التيار» كان بصدد الاستمرار في مقاطعة جلسات المجلس حتى يوم أمس، الّا انّ ما بَدّل الامور هو مشاورات كثيفة أجراها «حزب الله» معه.
وفي هذا السياق، علم انّ الحزب أبلغ الى «التيار»، وتحديداً إلى رئيسه باسيل، أنّ وزيريه فنيش والحاج حسن سيشاركان في الجلسة، فاستغرب باسيل هذا الموقف واجاب انّ «التيار» ما زال على موقفه المقاطع كون أسباب هذه المقاطعة لم تنتف بعد. الّا انّ جواب «الحزب» جاء بأنّ الأسباب قد انتفَت ولم يعد هناك اي مبرّر للمقاطعة، وبالتالي التئام مجلس الوزراء بكامل اعضائه وإطلاق عجلة الحكومة في اتجاه ما يجب.
وانتهى هذا التواصل بين الطرفين الى اتفاق على التواصل مجدداً قبل الجلسة وهذا ما حصل بالفعل أمس الأول، فعاد «حزب الله» الذي قرّر ان يشارك وزيراه في الجلسة حتى ولو لم يشارك «التيار»، وأبلغ موقفه هذا الى باسيل مكرراً دعوته الى تعليق المقاطعة.
فقاد باسيل مشاورات على مستوى «التيار» أفضت الى «نصف مشاركة»، واتصل بالحزب قبَيل الجلسة لإبلاغه انّ التيار سيشارك عبر بو صعب.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية انّ خطوة «التيار» كانت منسّقة مع «حزب الله» ووزير الداخلية نهاد المشنوق أولاً لإرسال بادرة حسن نية منسجمة مع الاتصالات القائمة حول الرئاسة، وثانياً لتمرير سلة تعيينات يُراد منها القول انّ الطريقة الدستورية التي تتعاطى فيها الحكومة بما خصّ التعيين تنسجم مع مبادىء وزراء «التيار»، عَدا عن انّ تعيين رئيس للجامعة اللبنانية يرتبط مباشرة بوزير التربية وهناك حاجة لإقراره».
وسألت «الجمهورية» أحد الوزراء عن الايجابية التي قصدها بو صعب وماذا فعلتم لكي يعودوا؟ فأجاب: «لم نعلم لماذا قاطعوا ولم نعلم لماذا عادوا، وفَتِّشوا عن الرئاسة».
خليل
وقال خليل لـ«الجمهورية»: تأكّد انّ الصواب هو انتظام عمل الحكومة، والمهم استمرار الجميع على هذا الموقف وعدم ربط المشاركة بحسابات سياسية أخرى لأنّ مصالح الناس لا يجب ان تخضع للتجاذبات. وعن لَمّ شمل الحكومة قال الوزير وائل ابو فاعور: هو إغراء للوصول الى الرئاسة.
وقد بدأت الجلسة بكلمة سياسية لرئيس الحكومة تمام سلام بعد ترحيب الوزراء بالمقاطعين، ثم بدأوا بجدول الأعمال وكانت التعيينات تتصدّره. فعيّن المجلس اللواء حاتم ملاك رئيساً للأركان في الجيش والدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة اللبنانية، وقرّر التمديد سنة إضافية للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية، وعيّن القاضي عبدالله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، كما دعم مزارعي التفاح والقمح.
زعيتر وبو صعب
وعندما وصل النقاش الى البند رقم 9 والذي يطلب فيه وزير الاشغال العامة والنقل غازي زعيتر تعيين موظفين في مطار رفيق الحريري عن طريق مجلس الخدمة المدنية وفقاً لآلية التعيينات، وكذلك طلبه استئجار خدمات من 10 موظفين سابقين لتدريب مراقبين في الملاحة، اعترض بو صعب على البند وطلب معرفة هوية الموظفين والمستأجرين.
فرفض زعيتر طريقة كلامه الذي اعتبره طائفياً، وقال: «أنا اكثر من يعزّز المسيحيين وهذا الكلام غير مقبول ومع انها صلاحياتي فأنا مستعد لعرض كل الاسماء». واحتدم النقاش، فاستاء سلام ورفع الجلسة وغادر القاعة، ثم ما لبث ان لحق به الوزراء مع زعيتر الذي اعتذر له وطلبوا منه استئناف الجلسة.
قضية الطراس
وفي الشأن القضائي عادت قضية مفتي شبعا الشيخ بسام الطراس الى الواجهة أمس بعدما استدعاه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الى التحقيق بناء لإشارة مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار الذي انتقل الى مبنى شعبة المعلومات وأشرف على مسار التحقيق وأعطى الاشارة بتوقيف الطراس رهن التحقيق في ضوء معطيات جديدة اظهرتها التحقيقات التي أجراها الحجار معه الاسبوع الفائت في مكتبه في المحكمة العسكرية، والاستنابات التي سَطّرها في أعقابها.
وقد أبلغ مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود «الجمهورية» انّ توقيف الطراس لا علاقة له بملف تفجير كسارة الذي قيل انه كان يستهدف مواكب لحركة أمل كانت في طريقها الى الإحتفال بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في نهاية آب الماضي».
وأكّد حمود أنّ ما يتركّز عليه التحقيق اليوم ليس ثابتاً بعد، وقد يكون متورّطاً أو العكس صحيح مفضّلاً انتظار التحقيقات الجارية في هذا الملف.