على رغم حضور "عدة الشغل" الجاهزة دوماً عبر مشادات وسجالات بين الوزراء، استعادت الحكومة أمس مشهداً متماسكاً في حدود معقولة مع عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد في جلسة "مثمرة" وخصوصاً لجهة التعويضات على مزارعي التفاح والقمح وصدور رزمة من التعيينات الادارية. وبدا واضحاً ان الخلفية الاساسية التي أتاحت هذه العودة لم تكن منفصلة عن رياح "الانفتاح" الظرفية التي لا تزال تلفح المشهد السياسي في ظل ترقب ما سيؤول اليه تحرك الرئيس سعد الحريري في شأن الملف الرئاسي والذي عكس اجتماع كتلة "المستقبل" أمس معطيات تثبت أنه لا يزال في طور يستدعي مزيداً من الانتظار خلافاً لموجة أريد لها ان تضع هذا التحرك امام ضغط "المهل" المفترضة.
وعلمت "النهار" في هذا السياق ان الرئيس الحريري اطلع الكتلة في اجتماعها على حصيلة تحركه في الايام العشرة الاخيرة داخلياً وخارجياً ولا سيما من حيث اجواء لقائه في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث شرح له واقع تعطيل "حزب الله" للاستحقاق الرئاسي. كما شرح الحريري حصيلة لقاءاته مع القيادات السياسية التي أدرجها في إطار العمل على إيجاد دينامية داخلية ووطنية لبلورة حل للازمة الرئاسية. وتشير المعلومات الى ان الحريري لم يخف انه يطرح خيار العماد ميشال عون ضمن الخيارات المفتوحة التي يشملها تحركه، لكنه أكد انه لم يتخذ خياره بعد في هذا السياق وان كل الخيارات لا تزال مطروحة. وفهم ان الحريري صارح الكتلة بأنه وجد معارضة لخيار عون لدى النائب سليمان فرنجية وحزب الكتائب وتمسكاً للرئيس نبيه بري بخيار السلة ممراً لانتخاب رئيس الجمهورية، كما لمس حذراً لدى النائب وليد جنبلاط، في حين لمس حماسة لدى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. وفي ظل هذا العرض، فهم ان الحريري سيمضي في عمل بعيد من الاضواء من اجل بلورة مسعاه وانه سيقوم في الايام العشرة المقبلة بزيارات خارجية اخرى ربما شملت تركيا ومصر وفرنسا وثمة من لم يستبعد قيامه بزيارة لبكركي. وقد تضمن البيان الذي أصدرته الكتلة عقب اجتماعها ترحيباً بالنداء الأخير لمجلس المطارنة الموارنة وخصوصاً لجهة ضرورة التزام الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية يكون جامعا للبنانيين وقادراً على انجاز المصالحة الوطنية.
وفي هذا السياق قال الرئيس بري أمس لدى سؤاله عما اذا كان ثمة تطور جديد في الملف الرئاسي: "ليس عندي أي شيء جديد وأنا لا أتدخل وعندما يعلن الاتفاق أدعو خلال يومين الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية". ومن المقرر ان يزور وزير المال علي حسن خليل بكركي اليوم للقاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وسيتخلّل اللقاء بحسب بري، "تأكيد التطابق بين ما أطرحه (السلة وبنود الحوار) وما ورد في نداء المطارنة". وعلم ان الراعي كان أرسل موفداً الى بري بعد عظة الاحد الاخيرة.
مجلس الوزراء
وسط هذه الاجواء، اتخذت جلسة مجلس الوزراء دلالة من حيث الحضور السياسي شبه الكامل فيها، علماً ان مشاركة وزيرين من ثلاثة من "تكتل التغيير والاصلاح" هما الياس ابو صعب وارتور نظاريان أدرجت في اطار الرسائل الانفتاحية للعماد عون في اطار الجهود الجارية في شأن الملف الرئاسي. وأدت الجلسة واقعياً الى اصدار رزمة بارزة من القرارات تنوعت بين قرارات دعم موسم التفاح عن كل صندوق بخمسة آلاف ليرة وكذلك موسم القمح عن كل دونم بـ120 ألف ليرة. كما أصدر المجلس سلسلة تعيينات شملت تثبيت اللواء حاتم ملاك رئيساً لأركان الجيش وتعيين الدكتور فؤاد أيوب رئيسا للجامعة اللبنانية والقاضي عبدالله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية والتمديد سنة للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية.
وأوضحت مصادر وزارية لـ"النهار" ان الجلسة اتسمت باجواء ايجابية عموما وبدأت في مرحلتها الاولى بنقاش عام حول القضايا العامة، ثم بدأت المناقشات في جدول الاعمال، فأقرت منه سبعة بنود فقط وخصوصاً التعيينات. وجرى نقاش حول أشخاص شملتهم التعيينات وكان أبرزها حول رئيس الجامعة الجديد ومدير وزارة الشؤون الاجتماعية الذي أشيد بمؤهلاته ولكن تبين انه جرى تجاوز مباراة لمجلس الشؤون المدنية فازت فيها ثلاث نساء. ولفتت المصادر الى انه في المرحلة الأخيرة من الجلسة "تكهرب" الجو لدى طرح موضوع تعاقد وزارة الاشغال مع خبراء في الطيران المدني، إذ حصل سجال بين وزير الاشغال العامة غازي زعيتر والوزير أبو صعب وبدا زعيتر شديد الغضب، الامر الذي أثار استياء رئيس الوزراء تمّام سلام فرفع الجلسة وخرج من القاعة ولحق به الوزيران سجعان قزي وبطرس حرب الى مكتبه، ثم حضر زعيتر واعتذر منه فعاد الى القاعة واستكملت الجلسة. ولاحظت المصادر ان وزيري "تكتل التغيير والاصلاح" لم يطرحا موضوع القرارات التي اتخذت في غيابهما وان عودتهما جاءت في اطار "سياسة النعامة الرئاسية".