لا جديد حول ملف الرئاسة غير غزلٍ بين بكركي وعين التينة
السفير :
هل تتبلغ «كتلة المستقبل» النيابية، اليوم قرار الرئيس سعد الحريري النهائي بتبني ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، أم أن الترشيح يحتاج الى المزيد من الإنضاج محليا وخارجيا، قبل أن يصبح رسميا قبل أسبوع على الأقل من موعد جلسة الحادي والثلاثين من تشرين الأول الجاري؟
في المعلومات، أن الحريري الذي عاد الى بيروت آتيا من موسكو، ليل أمس الأول، سيترأس اليوم اجتماع «كتلة المستقبل»، الذي لم ينعقد يوم الثلاثاء الماضي، بسبب معلن هو سفر الرئيس فؤاد السنيورة الى الخارج، فيما بدا واضحا أن الحريري لا يريد في هذه المرحلة أن يصدر عن «الكتلة» أي موقف من شأنه أن يفسر سلبا أو إيجابا من هذا الطرف أو ذاك، لذلك، قرر ضبط إيقاع تياره السياسي، آخذا على عاتقه أن يتحمل تبعات الخيارات التي سيقدم عليها، بما فيها ترشيح العماد عون.
وقد استبعد أحد الأعضاء البارزين في «كتلة المستقبل» أن تصدر عن اجتماع اليوم قرارات أساسية، وقال لـ«السفير» ان الحريري سيطلع أعضاء الكتلة على نتائج الجولة الأولى من مشاورات في الداخل والخارج(موسكو)، والوجهة التي يسلكها بعد دراسة كل الخيارات التي وضعت على طاولة النواب في جلسة سابقة، وأكد أن الحريري ليس مستعجلا وهو سيأخذ وقته، وسيواصل جولته التي ستقوده الى الرياض وباريس وأنقرة، ومن بعدها يبدأ العد العكسي للاحتمالات الداخلية.
واستبعد عضو «كتلة المستقبل» أن يعود الحريري من السعودية بجواب رسمي واضح سواء بتبني عون أو غيره من المرشحين، وقال ان المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، ولذلك، لن يلزم السعوديون أنفسهم باسم محدد، كما حصل في حالة ترشيح سليمان فرنجية، وهم أعطوا اشارة الى الحريري، فهمت بأنها عبارة عن ضوء أخضر مشروط (لا ممانعة)، فاذا بلغت مبادرته خواتيمها النهائية، سيجد موقفا سعوديا داعما، واذا اصطدمت بحائط مسدود.. سيتحمل وحده تبعات ذلك.
وقالت مصادر أخرى في «كتلة المستقبل» لـ«السفير» إن الحريري سيعيد التأكيد أمام أعضاء كتلته بأن أي قرار سيتخذه، بما في ذلك خيار انتخاب عون، سيكون مستندا إلى مجموعة من الأسباب الموجبة التي كان تولى شرحها بالتفصيل سابقا.
وعلم أن الحريري استبق الاجتماع بجولة مشاورات شملت معظم أطياف كتلته النيابية، وخصوصا بعض الأسماء المعترضة على خيار عون، وخلص إلى أن جميع النواب سيتبنّون خياره باستثناء عدد من النواب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبينهم بطبيعة الحال الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان قد ردد أمام زواره بأنه لن يكسر قرار الحريري، ولو يخرج من تحت عباءته، برغم قناعته الراسخة بأن الأمور لم تصل الى ما وصلت اليه الا بسبب ما يسميها «بعض السياسات الخاطئة».
ووفق أوساط «المستقبل»، فإن الحريري سيبادر قبل إعلان تبني «الجنرال» رسميا في غضون الأسبوعين المقبلين، إلى عقد لقاء مع رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية من أجل إبلاغه رسميا قرار العودة عن ترشيحه في ضوء الخيارات التي كان قد طرحها أمامه في لقاء بنشعي الأخير.
وتوقعت مصادر مراقبة ارتسام مشهد سياسي جديد محليا فور إعلان الحريري تبنيه رسميا لميشال عون، ولم تستبعد أن تلي ذلك إطلالة سياسية للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في السياق الإيجابي ذاته، على أن يكون يوم 31 تشرين الأول، علامة فارقة في الاستحقاق الرئاسي.
وفي السياق نفسه، علم أن العماد عون يتصرف منذ لقاء الرابية بينه وبين الحريري، على قاعدة أن تبني ترشيحه من زعيم «المستقبل» قد أصبح وراء ظهره، وهو الأمر الذي أظهرته معطيات الساعات الأخيرة، وبينها اجتماع المكتب السياسي ل»التيار الوطني الحر» في الرابية يوم الاثنين الماضي.
ومن المنتظر أن يحدد «الجنرال» في الساعات المقبلة روزنامة جولة «رئاسية»، يفترض أن يبدأها من عين التينة وتشمل بشكل رئيسي «بيت الوسط» وكليمنصو ومعراب وبكفيا وبنشعي، ويفترض أن يبدد خلالها هواجس بعض القوى وخصوصا المعترضة على ترشيحه!
ووفق المعلومات نفسها، كان الحريري خلال زيارته إلى الرابية حاسما وغير متردد، وهو أبلغ «الجنرال» خياره النهائي بدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وطلب منه إمهاله إلى حين عودته من رحلته الروسية، وتمنى عليه أن يحاول طمأنة جمهور الشارع السنّي بخطاب هادئ، الأمر الذي جعل رئيس «تكتل التغيير» يكسر قرار الصمت ويطلب من إدارة «أو. تي. في.» أن يطل من أجل توجيه سلسلة رسائل إلى بعض الجهات المحلية والخارجية، وهو تلقى إشارات من المقلب الحريري مفادها أن المقابلة التلفزيونية أدت غرضها السياسي.
رحلة موسكو.. مضبطة سياسية
وغداة عودة الحريري من موسكو، أبلغت مصادر ديبلوماسية روسية «السفير» أن وزير الخارجية سيرغي لافروف تناول الملف الرئاسي اللبناني باقتضاب خلال اجتماعه مع الحريري، موضحة أن الأهم في ما طرحه يتمثل في إبلاغه ضيفه أن موسكو مستعدة على أعلى المستويات لتأدية دور فاعل من أجل المساهمة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، «متى يقدّر الحريري أن هناك فائدة أو ضرورة لمثل هذا التدخل».
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن الموقف الروسي الإجمالي محكوم بشبكة من الحسابات والاعتبارات الإستراتيجية، الممتدة من سوريا إلى أوكرانيا، وبالتالي فإن لبنان ورئاسته يصبحان تفصيلا في هذا المشهد الكبير والمعقد.
وأشارت المصادر إلى أنه من المستبعد أن يكون الحريري قد نجح في إقناع الروس بأن طهران و «حزب الله» هما حصرا اللذان يعرقلان الانتخابات الرئاسية، مشددة على أن إيران تبقى حليفا لموسكو، وإن سُجلت من حين إلى آخر تباينات موضعية بينهما حيال كيفية مقاربة بعض تطورات الميدان السوري.
وقد سئل الحريري في مجلس خاص، عما إذا كان يعتقد أن هناك فرصة لتحقيق اختراق رئاسي وبالتالي فصل المسار اللبناني عن المسار الإقليمي - الدولي، بالتزامن مع ازدياد التوتر السعودي - الإيراني من جهة والأميركي - الروسي من جهة أخرى، فقال إن البلد مشلول منذ سنتين ونصف سنة وانه حاول خرق الجمود من خلال ترشيح سليمان فرنجية، «لكن «حزب الله» لم يتجاوب معي وتبين لي أنه ليس بصدد الموافقة على فرنجية، وها أنا الآن أسعى إلى فتح آفاق جديدة عبر مشاوراتي التي وإن بيّنت لي أن أكثرية الأطراف لا تريد ميشال عون إلا أن اسم «الجنرال» أصبح من ضمن الخيارات الواردة بالنسبة إليّ».
وأضاف الحريري: في السابق، لم يكن خيار «الجنرال» مطروحا، خصوصا بعد فشل المحادثات التي أجريتها معه في المرحلة الأولى (مطلع العام 2014)، لكن الجديد الآن هو أن دعمي ترشيح عون بات من الاحتمالات الممكنة.
وتابع الحريري: «هناك من كان يتهمنا، أنا والسعودية، لا سيما في الوسط المسيحي، بأننا نعطل انتخاب الرئيس، لكن خطوتي المتقدمة ستثبت للجميع، خصوصا للمسيحيين، أنه لا سعد الحريري ولا الرياض هما من يعرقلان الانتخاب وبالتالي وصول الجنرال إلى قصر بعبدا، بل إيران والحزب، والدليل أنني ذهبت إلى خيار الحد الأقصى في مرونتي وإيجابيتي وأبديت انفتاحا على ترشيح عون.. ماذا بعد»؟.
نداء بكركي.. و»كعك العباس»
في هذا الوقت، استبدل مجلس المطارنة الموارنة بيانه الشهري بـ «نداء»، لا يصدر عادة إلا عند المنعطفات وفي المحطات المفصلية، ما يعكس مدى تحسس بكركي بخطورة المرحلة الحالية، بعد استفحال الشغور الرئاسي وعوارضه.
ولئن كانت عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي الأحد الماضي قد فجّرت أزمة بينه وبين الرئيس نبيه بري، إلا أن نداء أمس ورد فعل بري عليه ساهما على ما يبدو في احتواء الموقف ومنع تمدد الزوبعة خارج.. الفنجان. صحيح أن المطارنة أكدوا التزامهم بما صدر عن الراعي، لكنهم في الوقت ذاته فتحوا نافذة على عين التينة بإشارتهم إلى «التفاهمات» تحت سقف التقيد بالدستور نصا وروحا، علما أن سلة رئيس المجلس هي «الاسم الحركي» للتفاهمات المقترحة أو لجدول أعمال الحوار.
كما تمسك المطارنة بوضع قانون جديد للانتخاب يؤمّن التمثيل الحقيقي، في تقاطع آخر مع بري الرافض لقانون الستين.
وقد سارع بري إلى ملاقاة المطارنة في منتصف الطريق، معرباً عن تأييده لبيانهم بكل مندرجاته «الذي لا يتعارض مطلقا مع بنود الحوار الوطني (ما سُمي بالسلة)».
واحتفاءً بذلك وزع بري على النواب في «لقاء الاربعاء النيابي» سلة مليئة بـ «كعك العباس»
النهار :
لم يعلن المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري أمس عن أي لقاء أو نشاط علني له في "بيت الوسط" على رغم وجود الحريري في بيروت منذ ليل الاثنين والتي عاد اليها من موسكو الامر الذي زاد حال الترقب لخطواته التالية في سياق مبادرته الهادفة الى تحديد الخيار الرئاسي الذي يمكن ان يفضي اليه تحركه الذي بدأه قبل أسابيع. وترصد الاوساط السياسية ما اذا كان البيان الذي ستصدره اليوم كتلة "المستقبل" التي ستعقد اجتماعها المرجأ من الثلثاء بسبب زيارة الحريري لموسكو وسفر الرئيس فؤاد السنيورة الى الكويت، سيحمل جديداً في شأن تحرك الحريري وخصوصا في ظل المواقف التصالحية والتطمينات التي عبّر عنها رئيس "تكتل التغيير والاصلاح " العماد ميشال عون في مقابلته التلفزيونية مساء الثلثاء والتي لم تأخذ اصداؤها بعد المدى الواسع في التقويم العلني على الاقل.
في ظل هذا المناخ المشوب بكثير من الغموض، لم يكن غريباً ان يحدث بيان مجلس المطارنة الموارنة امس دويا واسعا بحيث بدا استكمالاً للصدى الذي أثارته عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الاحد والتي حمل فيها بشدة على مبدأ سلة التفاهمات السابقة لانتخاب رئيس الجمهورية كممر الزامي لانتخابه. ذلك ان بيان مجلس المطارنة اتسم بأهمية بارزة لجهة اتساعه لمواقف حازمة في قضية الازمة الرئاسية كما في قضايا مصيرية وطنياً واجتماعياً واقتصادياً وجاء في صيغة "نداء " ليستعيد مسار النداءات التي درجت عليها بكركي في الحقب المأزومة منذ اطلاق نداء أيلول 2000 الشهير. وفي تبنيه لعظة البطريرك الراعي الاخيرة جدد البيان – النداء وضع حد حاسم في شأن التقيد بالدستور في انتخاب رئيس الجمهورية "من دون ان توضع عليه أي شروط مسبقة ولكي يكون الرئيس الحكم لا الرئيس الطرف ولا الرئيس الصوري". كما قرن هذا الموقف بالتشديد على "التقيد بالميثاق الوطني وتكريس ثوابته". وفي تأييد واضح لمسعى الرئيس الحريري رحب المجلس "بالجهود والمشاورات المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية". كما تطرق الى ملف قانون الانتخاب داعياً الى قانون "يطلق مسارا لتمثيل حقيقي يفسح لقوى جديدة وروح جديدة تصل الى مجلس النواب". وختم بالدعوة الى "مصالحة وطنية شاملة تطوي صفحة الماضي وتعيد الاعتبار الى التسوية التاريخية التي جسدها اتفاق الطائف".
واذ بدا لافتاً ان يسارع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أي مرجع سياسي أو رسمي أو أي شخصية أخرى الى الترحيب ببيان المطارنة الموارنة "بكل مندرجاته الذي لا يتعارض مطلقاً مع بنود الحوار الوطني" كما قال، أعربت أوساط سياسية مطلعة عن اعتقادها ان البيان سحب من خلال تشبثه بالاصول الدستورية وباصراره على المناداة بمصالحة شاملة فتائل التوظيف السياسي لتلبد العلاقة بين بكركي وأي فئة أخرى من جهة، كما أعاد الى بكركي وهج الموقف المبدئي الحازم الذي يتجاوز الحسابات المصلحية لاي فريق أو حتى للمرشحين الرئاسيين. واشارت الى ان هذا البيان أدخل عاملاً جديداً على معادلة التحرك الداخلي في اتجاه حل الازمة الرئاسية لا يمكن تجاهلها بصرف النظر عما يمكن ان يؤول اليه هذا التحرك الذي يواجه عدا عكسياً حرجاً يصعب معه الركون الى اي توقعات متسرعة وسط العقبات الماثلة امامه.
أما في الاصداء السياسية للبيان، فابرز الامين العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد اهمية النقاط الثلاث التي تضمنها لجهة المصالحة الوطنية الشاملة والتشديد على الطائف ورفض فرض شروط فئة واحدة. وصرّح سعيد لـ"النهار" بان هذا البيان "أعاد ربط الخط البياني التاريخي لبكركي في رعايتها اتفاق الطائف ومنع أي انزلاق نحو كل انتهاك له كما يؤشر لتطور بالغ الاهمية من خلال تمسكه بالتسوية التاريخية التي يجسدها الطائف، فضلاً عن انه يؤكد ان المشكلة لا تحل بانتخاب رئيس الجمهورية فقط بل تتطلب مصالحة وطنية شاملة ".
الحكومة
وسط هذه الاجواء تكتسب عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد اليوم دلالات بارزة وخصوصاً بعدما حسم "حزب الله " موقفه ايجابا من مشاركة وزيريه في الجلسة. وأفادت مصادر وزارية "النهار" مساء أمس ان الحزب أبلغ رئيس الوزراء تمام سلام ان وزيريه سيحضران الجلسة، كما ان وزير الثقافة روني عريجي سيشارك فيها فيما، أكد وزير العمل سجعان قزي بدوره انه سيحضر الجلسة. ولكن لم تفلح المساعي في اقناع وزراء "تكتل التغيير والاصلاح " بالمشاركة في الجلسة. وعلم ان جدول الاعمال المؤجل سيطرح على النقاش متضمناً تعيين رئيس جديد للجامعة اللبنانية كما وزع على الوزراء أكثر من 150 مشروع مرسوم لتوقيعها. وعشية الجلسة قال الرئيس سلام خلال رعايته اطلاق مشروع "نهوض لبنان نحو دولة الانماء" بمبادرة من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس في السرايا ان "لبنان يمر بواحدة من أصعب المراحل في تاريخه"، مشدداً على ان "المدخل الى التحصين الوطني هو ان نذهب اليوم قبل الغد الى انتخاب رئيس الدولة"
المستقبل :
بين «كعك العباس» و«معمول الرئيس».. رسا حوار «السلة» أمس على خط عين التينة وبكركي، بعدما احتفل رئيس مجلس النواب نبيه بري بتوزيع الكعك شخصياً على نواب لقاء الأربعاء تأييداً لبيان المطارنة الموارنة باعتباره يتطابق في مضمونه مع «سلة» بنود الحوار الوطني التي يطرحها، قبل أن تعود مصادر بكركي لتصوّب بوصلة الاحتفال بالتطابق الذي رأت أنه يعني إقراراً من بري بسقوط «مفهوم سلة الشروط» الرئاسية آملةً بأن تبادر إلى توزيع «المعمول» قريباً احتفاءً بانتخاب رئيس الجمهورية. وكانت الكنيسة المارونية قد أعربت في نداء المطارنة الموارنة خلال اجتماعهم الشهري أمس عن تبنيهم موقف البطريرك بشارة بطرس الراعي الرافض لتقييد الرئيس العتيد بسلة شروط مسبقة، مطالبين في هذا السياق برئيس «حرّ من كل قيد» ليكون عندئذٍ «الرئيس الحكم لا الرئيس الطرف ولا الصوري»، مع دعوتهم في ختام البيان إلى «مصالحة وطنية شاملة تعيد الاعتبار إلى التسوية التاريخية التي جسدها اتفاق الطائف، ولنموذج العيش المشترك والشراكة المسيحية الإسلامية بعيداً عن سياسة المحاور».وإذ ثمّن نداء المطارنة «النوايا الحسنة التي تعمل جاهدة للخروج بالبلاد من حال الفراغ» الرئاسي ودعا في الوقت عينه إلى قانون انتخابي جديد «يطلق مساراً لتمثيل حقيقي»، برز تقاطع روحي وطني بين بكركي والسرايا الحكومية أمس يدق ناقوس الانهيار الاقتصادي في حال استمرار نهج التعطيل مهيمناً على الدولة ومؤسساتها الرسمية والحيوية. بحيث سأل بيان المطارنة الموارنة «كيف تسمح القوى السياسية لنفسها أن تمعن في التعطيل الذي أنهك البلاد وأوصل إلى تراجع كل المؤشرات الاقتصادية بالرغم من تحذيرات المؤسسات المالية الدولية؟»، مضيئاً في هذا المجال على تداعيات استمرار الفراغ الرئاسي وتعطيل عمل المجلس النيابي وشل قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات الإجرائية وصولاً إلى «التراجع الاقتصادي المخيف في مختلف قطاعاته»، ليخلص البيان إلى مناشدة الدولة تحمل مسؤولياتها وإنقاذ «عمودها الفقري» من خلال وضع «خطة ناجعة للنهوض الاقتصادي».
وبالتزامن، كانت السرايا الحكومية تحتضن تظاهرة اقتصادية وطنية جامعة لإطلاق احتفال «نهوض لبنان نحو دولة الإنماء» بدعوة من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس ورعاية رئيس مجلس الوزراء الذي ألقى كلمة للمناسبة حذر فيها من أنّ «لبنان يمرّ بواحدة من أصعب المراحل في تاريخه إن لم يكن أصعبها على الإطلاق»، مشدداً على أنّ «الأزمة باتت تتطلب معالجات فورية تفادياً للأسوأ». ولفت سلام إلى أهمية «الصمود» في هذه المرحلة للتمكن من بلوغ مرحلة «النهوض» المأمولة، مجدداً التأكيد على كون المسألة أصبحت تتصل بمصير الوطن الذي يحتاج تحصينه إلى انتخاب الرئيس كمدخل لإعادة التوازن إلى المؤسسات الدستورية وإحداث «الصدمة الإيجابية التي توقف مسار التدهور الاقتصادي».
الحكومة
واليوم، تعود الحكومة للانعقاد بنصاب دستوري مؤمن وسط ترقب ما سيكون عليه موقف «التيار الوطني الحر» حيال الجلسة وما إذا كان سيساهم في تسيير شؤون الدولة ومصالح المواطنين عبر مشاركة وزيريه فيها أم سيبقي على قراره بالمقاطعة. في حين تأكدت أمس المعلومات التي كانت «المستقبل» قد أشارت إليها والتي تفيد بأنّ وزيري «حزب الله» سيشاركان في جلسة اليوم بمعزل عن قرار المقاطعة العونية بالإضافة إلى مشاركة وزير «تيار المردة» روني عريجي.
الجلسة التي ستستكمل البحث في جدول أعمال مؤجل من 8 أيلول الماضي، ستشهد وفق مصادر وزارية إقرار سلسة تعيينات أبرزها رئيس الجامعة اللبنانية ومدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية، فضلاً عن استعراض ملف تصريف محصول التفاح الوطني وسبل مساعدة المزارعين على تصدير انتاجهم ورفع الضرر اللاحق بهم.
الديار :
سجال «الكرامات» بين بكركي وعين التينة الأحد الماضي، حلّ مكانه سجال «كعك العباس والكعك والمعمول» وطغى على البلاد منخفض سياسي ودي على عكس الايام والاسابيع الماضية، اوحى بخرق جدي في مسألة رئاسة الجمهورية ووصول العماد ميشال عون الى بعبدا.
الموارنة الذين كادوا ينفجرون رداً على تقييد رئيس الجمهورية بسلة شروط تعجيزية، تنزع منه ما تبقى من صلاحيات اخذ معظمها الطائف بالاساس، كانوا يحضرون لتحركات احتجاجية تبدأ في الزحف نحو بكركي الاحد المقبل لاعلان الوقوف خلف ثوابت الراعي الرافضة للسلة، بالاضافة الى قرع اجراس الكنائس في القرى والقيام باعتصامات، رفضا للتعامل معهم كمواطنين درجة ثانية، حتى ان البطريرك الراعي الذي ظهر غاضباً جداً خلال الأيام الماضية اعلن بأنه لن يقبل بأي شرط مسبق على الرئيس، وهذا ما أدى الى وقوف كل القاعدة المارونية خلف الراعي من الشمال الى الجنوب والبقاع والجبل وبيروت، حتى ان الموارنة اعلنوا انهم لن يقبلوا بالدكتور سمير جعجع وسليمان فرنجية وغيرهما لرئاسة الجمهورية بل يريدون العماد ميشال عون رداً على ما يتعرض له من مواقف ومحاولة تطويقه بشروط تعجيزية.
الموارنة الذين كانوا على حافة الانتفاضة نجحوا في تصويب البوصلة، واستعادوا «نوعاً» من عافيتهم السياسية، الذين افتقدوها طوال السنوات الماضية، ستؤسس لمرحلة جديدة في البلاد بعيداً عن الشعور بالغبن والاجحاف.
فتيل التوتر ساهم في اطفائه وسحبه الرئيس نبيه بري، الذي اشاد بموقف بيان بكركي بكل مندرجاته، واعتبره «مكملا» لسلته عبر الحديث عن الرئاسة وقانون الانتخابات والمصالحات والدستور، وهذه القضايا يطرحها الرئيس بري ويتبناها، وهي بالاساس لا علاقة لها بصلاحيات رئيس الجمهورية المتمسك بها رئيس المجلس ودافع عنها على طاولة الحوار.
الاجواء الايجابية التي سادت البلاد بعد غزل بكركي - عين التينة، كيف يمكن ترجمتها؟ واين تصرف؟ وهذا ما يؤكد ان الكرة ما زالت في ملعب الرئيس سعد الحريري والاعلان بوضوح عن ترشيحه للعماد عون لرئاسة الجمهورية. وعندها يبدأ الحديث الجدي عن الرئاسة، وبالتالي هناك انتظار «ثقيل» لما سيصدر عن الرئيس سعد الحريري بعد اجتماع كتلته النيابية اليوم، وهل سيكون بيانها واضحاً او «مبهما» وزيادة الغموض غير البنّاء.
الاجواء بدت بعد «الغزل» بين عين التينة وبكركي ان السلة سقطت وانتهت، وهذا ما خلف «ابتهاجا» لدى الموارنة وحيوية غابت عنهم لسنوات، ووزعوا «ورقة» نعي السلة والشروط، لكن الرئيس بري لم يعلن سحب سلته والتراجع عنها بل هو متمسك فيها ويعتبرها ممراً الزامياً لانتخاب الرئيس، لكن «السلة» باقية والسجال حولها سيستمر وستبقى «خارطة طريق» للرئيس المقبل من قبل الرئيس بري.
ـ اللواء ابراهيم واتصالاته بين عين التينة والرابية ـ
في ظل هذه الاجواء، يتولى مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم تفكيك «شبكات الالغام» بين عين التينة والرابية بكل دقة ومهارة، وبجهد لرفع منسوب التواصل بين الرجلين عبر زيارة يقوم بها العماد ميشال عون الى عين التينة تنهي جفاء الماضي وتمهّد لافضل علاقة بين الرئاستين الاولى والثانية.
اجتماع اللواء ابراهيم مع الوزير جبران باسيل كان جيداً، ويعلم اللواء ابراهيم ان زيارة باسيل الى عين التينة ليست كافية والمطلوب لقاء بين بري وعون ويعمل اللواء ابراهيم على هذا الخيار، خصوصاً ان الرئيس بري يعتبر العماد عون منفتحاً وايجابياً، لكن المرشح لرئاسة الجمهورية لا يقوم بالاستفزاز، وجاءت مقابلة العماد عون الهادئة والديبلوماسية على O.T.V لتؤسس لنقاش جديد بين الرجلين لما حملت من رسائل عونية ودية تجاه الرئيس بري.
فالعماد ميشال عون لا يجوز ولا يمكن ان يخوض معركة رئاسة الجمهورية وهو على خلاف مع الرئيس بري واللقاء بات مطلوباً خلال الايام المقبلة، والذي قد يفتح نافذة قد تؤدي الى ترشيح بري للعماد عون، والا فان بري سيخوض معركة ضد عون وستكون قاسية لما للرئيس بري من مونة على قيادات في البلد، رغم ان رئيس المجلس يدرك انه اذا كان الجو الدولي والاقليمي واللبناني مؤىداً لوصول عون، وهذا هو الظاهر فلا يمكن عندها ابعاد عون، وبالتالي يسعى اللواء ابراهيم لعقد لقاء بين الرجلين يؤسس لعلاقة متينة تكون لصالح بري وعون.
ـ بكركي: سلة بري سقطت! ـ
وقال المسؤول الاعلامي للبطريركية المارونية وليد غياض لـ«الديار»: «نداؤنا موجه ضد كل شخص وطرف يحاول عرقلة وصول رئيس للجمهورية او يوصل رئيس الى سدة الحكم يكون مجرداً من اي نفوذ». ولفت الى ان نداء المطارنة اعطى مواصفات رئيس الجمهورية المقبل وحسم الخيار بالمجيء برئيس قوي يتمتع بقاعدة شعبية في بيئته اولا.
وتابع فياض بأن بكركي عندما تطالب برئيس حيادي تعني بذلك رئيساً لا يؤدي حساباً لاي احد وعندما تدعو بكركي الى انتخاب رئيس حكم تعني بذلك رئيساً يحمي الدستور ويكون قادرا على لعب دوره بشكل كامل دون تعدي اي طرف على موقع رئيس الجمهورية.
وعن الرئيس القوي، اكد المسؤول الاعلامي للبطريركية المارونية ان هذه الميزة ما عادت محصورة بالمرشحين الاربعة وهم العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية والرئيس السابق امين الجميل والدكتور سمير جعجع بل بات تعريف الرئيس القوي لبكركي بالرئيس الذي يحظى باجماع بين اللبنانين الممثلين بنوابهم في البرلمان اللبناني. وهنا رأى فياض ان ترحيب الرئيس نبيه بري بنداء مجلس المطارنة هو خير دليل الى ان «سلة الشروط» سقطت وان بري سلم انه ممنوع وضع شروط على رئيس الجمهورية مسبقا قبل انتخابه.
وشدد غياض لـ«الديار» على ان بكركي لم ولن تتراجع عن مبادئها قيد انملة كما ان بكركي لا تتكلم بلغة طائفية بل بلغة وطنية وهي تسعى دوما الى التوافق الوطني اما اذا ارادت ترتيب البيت المسيحي فذلك لا يعد توجها طائفيا بل مسعى اخلاقي.
ـ لافروف - الحريري ـ
الاجواء الدولية والاقليمية والمحلية تؤكد وصول العماد ميشال عون الى بعبدا، وهذه الاشارات التقطها الحريري خلال اجتماعه بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي اشاد بالعماد عون ودوره ومواقفه السياسية وقدرته على لعب دور ايجابي في الحرب السورية المقبلة، قد تساهم في انهائها، لما تربطه من علاقة متينة مع النظام السوري وحزب الله من جهة، ولديه ايضا علاقة متينة مع الدولة التركية من جهة اخرى.
كما اشاد لافروف بالعماد عون القائد العسكري الميداني الذي قاد جيشاً كاملاً، وقد شجع لافروف الحريري على الاستمرار بجهوده التي بدأها بدعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ـ الاجواء الهادئة وكلمة السر ـ
الاجواء الهادئة والايجابية سادت الوسط السياسي، لكن ذلك لا يعني ان الامور حسمت بالكامل، واجواء الهدوء عممها سفراء الدول الكبرى في لبنان عبر جولات على المقرات والقيادات السياسية في البلاد بضرورة الهدوء والحفاظ على الاستقرار وسحب التشنجات من الشارع، والتحذير من اللجوء اليه لممارسة الضغوط السياسية، وكان سفراء واشنطن وباريس ولندن الذين اجتمعوا في السفارة الأميركية في عوكر واستتبع الاجتماع بلقاء بين السفيرين الفرنسي والروسي، اتفقوا على ضرورة حض القيادات على الهدوء والحفاظ على الاستقرار والتعامل مع المرحلة بحكمة وجال السفراء على «الزعامات السياسية» وطلبوا الهدوء، علما ان السفراء يتابعون حركة الحريري وليسوا بعيدين عنها، وهم في اجوائها وأكبر دليل على ذلك، ان العماد عون أوحى بأن السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل هو من شجع على هذه المبادرات وتوجت باللقاءات الاخيرة لسفراء الدول الكبرى في لبنان.
ـ جلسة مجلس الوزراء ـ
اليوم ستعقد جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي وفي حضور وزيري حزب الله والطاشناق والمردة، ولم يعد عقدها او عدمه محور كباش سياسي في ظل ما يشهده الملف الرئاسي، حتى ان وزيري عون وقعا مرسوم تعيين رئيس الاركان اللواء حاتم ملاّك ومن الممكن ان تشهد الجلسة تعيين مدير عام لوزارة الشؤون الاجتماعية ورئيس مركز الابحاث العلمية وهذا ما يطالب به الرئيس بري ولن يعترض عليه وزيرا عون.
الجمهورية :
تبدّدت الغيوم من أجواء بكركي وعين التينة على خلفية سلّة التفاهمات، ومع أنّ الطرفين بقيا ثابتَين كلُّ على موقفه، حلَّ «الودّ» و«الغزل» وضيافة «كعك العباس» و«المعمول»، بدل التعابير اللاذعة من هنا وهناك. وأمّا الغيوم الرئاسية، فلم يشُب رماديّتَها شيءٌ من بياض، برغم المناخ الذي يجري ضخُّه في البلد بأنّ عمرَ الفراغ الرئاسي قد أصبح قصيراً جداً، خصوصاً وأنّ هذا المناخ مبني على فرضيات وتمنّيات وليس على معطيات أكيدة، علماً أنّ هذه المعطيات ليست في متناول أيّ مِن اللاعبين الأساسيين على خط الاستحقاق الرئاسي. وفي هذه الأجواء عاد الرئيس سعد الحريري من روسيا والسعودية، وعاد البلد معه إلى مربّع البحث عن نتائج محادثاته الخارجية وخصوصاً في الرياض. وكذلك انتظار خطواته اللاحقة ورصدُ الجولة الثانية من مشاوراته الداخلية قبل أن يميط اللثام عن خياره الرئاسي النهائي ويسمّيه علناً، علماً أنّه يميل نحو دعم ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. ولهذا الميل أثرُه الواضح في الرابية التي تبدو منذ اللقاء الأخير بين الحريري وعون وكأنّها تسلّمت مفتاح القصر الجمهوري، وأنّ الحريري صار قابَ قوسين أو أدنى من النطق بالجملة السحرية: «أنا أدعم ترشيح عون». وإذا كان للغيوم الحكومية أن تنقشع بانعقاد مجلس الوزراء في جلسة عادية اليوم، فإنّ الغيوم المطلبية عادت إلى التراكم مجدّداً، والبلد على موعد اليوم مع إضراب جديد للسائقين واعتصامات وتظاهرات مترافقة مع قطعِ طرقات احتجاجاً على زيادة تعرفة المعاينة الميكانيكية.
وغداة عودة الحريري من موسكو، بَرز توضيح روسيّ للموقف من الاستحقاق الرئاسي في لبنان، عبّر عنه السفير الروسي ألكسندر زاسبكين الذي قال لـ«الجمهورية» إنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تطرّقَ في لقائه مع الحريري إلى تداعيات الأزمة السورية على لبنان، سواءٌ لجهة الخطر الإرهابي أو نتائج النزوح السوري، رافضاً اعتبارَ اللقاء بين الرَجلين بارداً.
وأكّد أنّ الجوّ كان ودّياً ، وأنّ موقف روسيا المبدئي والواضح تأييدُ إيجاد حلول عبر الوفاق، ونحن جاهزون لمساعدة اللبنانيين في ملفّ الرئاسة، ولكن من دون التدخّل في الشؤون الداخلية».
واعتبَر زاسبكين أنّ الحراكَ الذي يقوم به الحريري هو «لكسرِ الجمود ومحاولة إيجاد مخرج من المأزق». وقال: «لا ينفع أن نتحدّث عن تفاؤل أو تشاؤم بجهود الحريري، علينا بذلُ الجهود ضمن صلاحياتنا، والمطلوب توافق بين اللبنانيين أنفسِهم، وأيّ شيء مقبول للّبنانيين نقبله».
إلى ذلك، قالت مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ الحريري يعيش في جوّ مِن التشاؤم في ضوء المشاورات التي يجريها خارجياً وداخلياً، وأكّدت أنه ليس في وارد الإقدام على أيّ خطوة بمعزل عن الموقف السعودي، وأنّه في حال أعلن اليوم خلال اجتماع كتلة «المستقبل» ترشيحَه لعون، فإنّ ذلك سيكون مؤشّراً على «قبّة باط» سعودية. إلّا أنّ المصادر نفسَها استبعَدت إعلانَ الترشيح اليوم.
وأكّدت المصادر أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سيزور رئيس مجلس النواب نبيه بري في أيّ وقت، ليكون هذا اللقاء مقدّمةً لزيارة عون لبرّي.
وتقول المعلومات إنّ المواقف التي عبّر عنها عون في مقابلته المتلفزة مساء أمس الأوّل كشَحت بعض الغيوم، إلّا أنّ ذلك لا يكفي ما لم يحصل اتّفاق حقيقي بينه وبين برّي الذي لن يقف حجر عثرةٍ أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً إذا تبَلورت في الأفق إرادات إقليمية ودولية لتحييد لبنان عن أزمة المنطقة، باعتبار أنّ أيّ لهيب لبناني يفتح أبوابَ النار على المنطقة كلّها.
وتكشف المصادر نفسُها أنّه خلافاً لكلّ ما يشاع، فإنّ الإدارة الأميركية موجودة على خطّ الاستحقاق، ولا تتوقّف عند ماهيّة هذا المرشّح أو ذاك،
وأنّ تبَلور أيّ موقف سعودي يدعم حراك الحريري، والخيارات التي قد يذهب إليها ستكون على الأرجح نتيجة تدخُّلِ إنْ لم يكن نتيجة ضغط أميركي على الجانب السعودي.
وتؤكّد هذه المصادر أنّ ما قيل عن اتّفاقات حصلت بين معاونَي عون والحريري حول الوزارات وما شابَه ليس صحيحاً، أوّلاً لأنّ لا صلاحية للجانبين بالبحث في شؤونٍ هي من صلاحية مختلف الأفرقاء الذين سيشاركون في الحكومة المقبلة. وثانياً لأنّ عون حدّد للحريري مجموعة ثوابت يعتقدانها أساسية ولا يمكن العهد المقبل أن ينطلق من دونها.
وفي هذا المجال، تكشف المصادر أنّ عون أقنعَ الحريري بأنّ مسألة سلاح المقاومة وتدخّلَ «حزب الله» في سوريا مسألة إقليمية أكبر من لبنان ولا داعي للخلاف حولها.
أمّا في موضوع قيادة الجيش، فهو أمرٌ سيكون خاضعاً للتوافق، وإنّ تعيين أيّ قائد جديد للجيش لن يتمّ بمعزل عن رأي «حزب الله»، لأنّ موضوع الأمن والجيش والمقاومة متلازم، خصوصاً أنّ عنوان الاستقرار الأمني هو المؤسسة العسكرية، ومِن الضروري أن يكون هناك اتّفاق بينه وبين المقاومة.
وتؤكّد المصادر أنّه في حال رُسوّ الخيارات على عون رئيساً والحريري رئيساً للحكومة، سيكون ذلك بمثابة تسوية متوازنة لا يمكن لأيّ فريق أن يقول إنّه انتصر، فإذا كان فريق قد تنازلَ وقبِل بعون فإنّ حلفاء عون تنازَلوا وقبلوا بالحريري، ولو أنّ شخصاً آخر يُختار لرئاسة الحكومة غير الحريري، فعندئذ يمكن الحديث عن انتصار هنا وخسارة هناك، وطبعاً هذه التنازلات المتبادلة هي بالنهاية تسوية يُراد منها تحييد لبنان عن أزمات المنطقة. وفي هذا المجال ربّما تحصل «قبّة الباط» السعودية.
وتتوقّف المصادر باهتمام عند ما أعلنَه مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، خصوصاً لجهة قوله إنّ السعودية على عِلم بما يحصل في موضوع تحرّكِ الحريري نحو خيار عون، بغَضّ النظر عمّا قاله أيضاً عبد اللهيان وتضمّنَ نوعاً من التنويه بعون.
في عين التينة
في المقابل، تبقى الصورة في عين التينة رمادية، إذ إنّ الأمور لم تتبدّل عمّا كانت عليه لدى بري الذي ما زال يرى أنّ الانتخابات الرئاسية لن تحصل في يومين، خصوصاً أنّ سلّة التفاهمات التي طرَحها ما زالت شرطاً أساسياً لبلوغ برّ الأمان الرئاسي بمعزل عن شخص الرئيس.
وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق عن كثب لـ«الجمهورية» إنّ هذا الاستحقاق في ظاهره يبدو وكأنّ الحراك الذي يدور حوله من الحريري أو غيره، يؤشّر إلى إيجابيات حتمية، لكنّ في هذه الفرضية نوعاً من المبالغة، إذ إنّ الاستحقاق بناءٌ متكامل، مكوّناتُه عبارة عن عوامل محلّية وخارجية، ويمكن القول بناءً على الشكل إنّ الأمور قطعت الـ 75 في المئة من الطريق إلى الانتخابات، لكن تبقى الـ 25 في المئة، وهي مختلطة ما بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية.
في الداخل، ينبغي رصدُ حركة عين التينة في الآتي من الأيام إلى جانب قوى سياسية «صديقة برّي» . وأمّا في الخارج فيجب ألّا يخرج من الحسبان الموقف السعودي الحقيقي والموقف الأميركي تحديداً.
وإذ تسأل المصادر: هل يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان بمعزل عن الإدارة الأميركية الجديدة؟ تجيب: قد يكون من المستبعد القول إنّ الاميركيين يباركون تسويةً رئاسية في لبنان مهما كان شكلها، بمعنى هل تورث إدارةٌ أميركية راحلة ما قد لا يُعجب الإدارة الاميركية الجديدة الآتية التي لها كلمتُها في هذا المجال؟ أعتقد أنّ الـ 25 في المئة قد تكون أصعبَ بكثير من الـ 75 في المئة.
في الرابية
على أنّ الصورة في الرابية، تؤشّر إلى أنّ من فيها يقارب المستجدّات الرئاسية وكأنّ عون أصبح على باب قصر بعبدا وليس على مقربةٍ منه، حتى إنّ قوله إنّه في الإمكان إجراء الانتخابات الرئاسية من الآن وحتى 31 تشرين الأوّل الحالي ترَك علامات استفهام عدة وسؤالاً أساسياً: كيف؟.
في بنشعي
أمّا في بنشعي، فالمشهد حذِرٌ جدّاً تبعاً للرصد الدقيق لـ«نيّات الحريري الحقيقية» في ما خصّ توجُّهه لترشيح عون، مع رسمِ صورة قاتمة جداً لمرحلة ما بعد انتخاب عون إنْ تمّ ذلك، إذ إنّ هذا الأمر سيُدخل البلد في توتّرات لا حصر لها، علماً أنّ بعض معاوني رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية يتحدّثون عن توجّهه لخوض معركة الرئاسة حتى ولو كان وحيداً، مِن دون أن تستبعد المصادر المطّلعة على موقفه أن يطلّ قريباً بموقف شديد الوضوح في الآتي من الأيام، وربّما يكشف فيه تفاصيل كلّ ما جرى معه منذ أن قرّر الحريري دعم ترشيحه.
الرياض
وفي هذه الأجواء، يبقى الموقف السعودي هو الفصل في كلّ ما يجري على خط الرئاسة. وتقول المصادر إنّ السعودية طالما لم تعلن صراحةً مباركتَها ترشيحَ عون فهي «لم تعلن ذلك ولم تقل شيئاً»، وطالما إنّ الحريري لم يعلن ترشيحَ عون فهو «لم يعلن ذلك ولم يقل شيئاً»، وبالتالي تبقى الأمور في المربّع الأوّل.
نداء المطارنة
إلى ذلك، ومثلما كان متوقّعاً، وجَّه مجلس المطارنة الموارنة نداءً أكّد فيه على الكلام الذي ورد في عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لجهة رفضِ السلة قبل انتخاب رئيس للجمهورية والتقيّد بالدستور الذي تُصاغ حول مبادئه، نصاً وروحاً»، معتبراً أنّه «لكي يقوم بمهمّته الوطنية العليا هذه، ينبغي أن يكون حرّاً من كلّ قيد، وعندئذ يكون «الرئيس الحَكم»، لا «الرئيس الطرَف»، ولا «الرئيس الصوري».
وشدّد المطارنة على «أنّ التقيّد بالدستور يستلزم في الوقت عينه التقيّدَ بالميثاق الوطني، الذي هو روح الدستور، وبصيغته التطبيقية الميثاقية». ورحّبَ المطارنة بـ«الجهود والمشاورات المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية»، مثمِّنين «النوايا الحسنة التي تعمل جاهدةً لإخراج البلاد من الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى منذ سنتين وخمسة أشهر»، لافتين إلى أنّ «هذا التوجّه ينسحب أيضاً على قانون الانتخاب العتيد، الذي يريد منه اللبنانيون بكلّ أطيافهم أن يكون قانوناً يُطلق مساراً لتمثيل حقيقي مشبَع من الميثاق والدستور، ويفسح في المجال لقوى جديدة وروح جديدة تصل إلى المجلس النيابي، فلا يكون قانوناً مفصّلاً بإحكام ليعيد إنتاج ما هو قائم».
ولفَتت في هذا السياق، مسارَعة بري إلى الردّ إيجاباً على البيان، حيث أيّده بكلّ مندرجاته التي لا تتعارض مطلقاً مع بنود الحوار الوطني (ما سمّي بالسلة). واحتفاءً بذلك وزّع على النواب في لقاء الأربعاء أمس، سلّةً مليئة بكعك العباس.
اللواء :
تنتظر الرابية ما سيبلغه الرئيس سعد الحريري كتلة «المستقبل» النيابية اليوم، في حين لم يُؤكّد نائب في الكتلة ما إذا كان الرئيس الحريري سيحضر اجتماع الكتلة ويترأسه، وهي المرة الثانية، مع انعطاف الترشيح الرئاسي غير الرسمي للنائب ميشال عون، أم ان الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي سيترأس الجلسة، حيث من المفترض ان يكون قد عاد مساءً من الكويت.
وينتظر الوسط السياسي ما إذا كانت جلسة الحكومة التي ستنعقد بنصاب كامل اليوم بمشاركة وزيري حزب الله محمّد فنيش وحسين الحاج حسن ووزير «المردة» روني عريجي، ستصدر عنها قرارات في ما تعيين رئيس لاركان الجيش بتثبيت اللواء حاتم ملاك رئيساً للاركان وتعيين رئيس للجامعة اللبنانية هو عميد كلية طب الأسنان في الجامعة الدكتور فؤاد أيوب، وربما تعيين مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية والتمديد للدكتور معين حمزة في مركز البحوث العلمية، وهي بنود مدرجة على جلسة مجلس الوزراء قبل جلسة 8 أيلول الماضي.
وفيما أكّد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«اللواء» انه يمكن بت موضوع تعيين رئيس الجامعة، في غياب وزير التربية الياس بو صعب طالما ان الموضوع مدرج على الجلسة، وأن ثمة تفاهماً حول المرشح الذي سماه الرئيس نبيه برّي، وذلك قبل أسبوع من نهاية ولاية الرئيس الحالي، الدكتور عدنان السيّد حسين وسط خلافات في من يتولى تسيير أعمال الجامعة إذا انتهت المهلة ولم يعين رئيس أصيل، بين رأي يقول ان الرئيس الحالي بإمكانه ان يستمر في منصبه وإن تجاوز السنوات الخمس لمدة تعيينه، ورأي آخر يرفض هذا التوجه، ويعتبر ان العميد الأكبر سناً هو الذي يتولى تسيير الأعمال في الجامعة ريثما ينتخب أو يعين رئيس أصيل.
تجدر الإشارة على هذا الصعيد ان الوزير بو صعب سبق وأعلن انه لن يقبل ان يعين رئيس للجامعة في غيابه.
ومع ذلك يواجه وزيرا التيار العوني بو صعب ورئيس التيار جبران باسيل ومعهما وزير الطاشناق ارتورنظريان مأزقاً جدياً في حال لم يشاركوا في الجلسة.
وقال مصدر وزارية بارز لـ«اللواء» ان الأسباب التي دفعت فريق التيار العوني الوزاري في الامتناع عن حضور الجلسات باتت في حكم المنتفية، وأن عدم المشاركة في الجلسة من شأنه ان يؤثر سلباً على الأجواء الإيجابية التي يراهن عليها «التيار الوطني الحر» ويصفها بأنها مشجعة لوصول رئيس تكتل الإصلاح والتغيير النائب عون إلى الرئاسة الأولى.
الا ان مصادر عونية نأت بنفسها عن الجزم عمّا إذا كان الوزراء الثلاثة سيشاركون في الجلسة أم لا، مؤكدة ان الموقف من عمل الحكومة لم يتبدل، وهي لم تنجز أي أمر بعد.
اما مصادر السراي فقد رأت ان مقاطعة بعض الوزراء غير منطقية، واصفة هذه المقاطعة بأنها غياب لا أكثر ولا أقل، معربة عن ارتياحها لاستئناف جلسات مجلس الوزراء بعد توقف استمر ثلاثة أسابيع، لأنه لا يجوز تعطيل مصالح النّاس.
وعلمت «اللــواء» من مصدر مطلع ان الرئيس تمام سلام أصرّ على عقد الجلسة في مواجهة ضغوط وتمنيات بارجائها إلى درجة خيار الاستقالة عاد إلى الواجهة في مواجهة خيار التعطيل، مؤكداً ان الميثاقية متوفرة بالوزراء الذين سيحضرون الجلسة من مختلف الطوائف والمناطق.
وبالاضافة إلى ترقب ما يمكن ان تخرج به كتلة «المستقبل» في بيانها اليوم، وسط معلومات استبعدت ان يتضمن البيان اعلاناً رسمياً بترشيح النائب عون، وتأكيد النائب إبراهيم كنعان في مقابلة على شاشة تلفزيون «المستقبل» ان تياره يعتبر ان مبادرة الرئيس الحريري جدية وليست وليدة اللحظة، رهنت مصادر سياسية ودبلوماسية لبنانية وعربية بحقيقة الموقف الروسي من ترشيح عون، وحقيقة الأولويات الروسية الصريحة والخفية في ما يتعلق بلبنان والاستحقاق الرئاسي فيه، وشخصية الرئيس العتيد وهويته السياسية والفكرية.
تبريد «أزمة السلّة»
في ظل هذه الانتظارات، وفي ما لا تُخفي أوساط «التيار الوطني الحر» أن المفاوضات الجارية لم تصل إلى نتيجة حاسمة بعد، وأن المشاورات ستأخذ وقتها نظراً لأن القضية كبيرة ومعقّدة، تمكّنت المساعي التي شارك فيها «حزب الله» بقوة من سحب «أزمة السلّة» التي نشأت على خلفية تصريحات البطريرك الماروني بشارة الراعي، من التداول الإعلامي، على الرغم من القناعة العونية غير المخفيّة من أن ممانعة جديدة تقف بوجه عون متمثّلة بموقف الرئيس برّي مدعوماً من النائب وليد جنبلاط، وهو الأمر الذي لم يُخفه النائب كنعان الذي أشار في المقابلة التلفزيونية إلى أن: «بري يقف في وجه ترشيح عون»، منوّهاً بمواقف «حزب الله» وأدائه ومساعيه مع برّي.