موقفان هما في الأصل متباعدان: الأوّل يطلقه مجلس المطارنة الموارنة اليوم في ما يشبه النداء، على غرار نداءاته في محطات مفصلية في تاريخ لبنان، والثاني يتمثل بإشارات تطلقها عين التينة، على ان تتمثل في لقاء نواب الأربعاء من التقاطها، إما تصريحاً أو تلميحاً بين ثنايا حركات وسكنات أو كلام الرئيس نبيه برّي.
ويتقاطع الموقفان عند مسار رغب رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون ان يسير في أجواء إيجابية هادئة، تساهم في حركة الرئيس سعد الحريري، سواء في الخارج أو في الداخل، ومع جهود غير معلنة يبذلها «حزب الله» مع توأم الثنائية الشيعية الرئيس برّي وحركة «أمل».
ومن المؤكد، وفقاً لمعلومات «اللواء»، ان الرئيس الحريري الذي عاد من موسكو مساء أمس إلى بيروت سيستأنف حركة المشاورات التي بدأها، انطلاقاً من ثمة فرصة متاحة، وهناك حث إقليمي ودولي لأن يلتقط اللبنانيون هذه الفرصة لإنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومن غير المستبعد ان تشمل جولة الرئيس الحريري الجديدة قيادات سياسية وروحية تمهيداً لانضاج الموقف الذي يراه مناسباً في ما خص السير بخيار ترشيح النائب عون للرئاسة الأولى.
ففي توقيت بدا متعمداً، اطل النائب عون من على شاشة القناة التابعة لتياره O.T.V لينقل سلسلة تطمينات، ويبعث برسائل وفاقية في غير اتجاه:
1- فمن جهة وصف نتائج الجولة الأولى من لقائه مع الرئيس الحريري بأنها كانت إيجابية، وكشف ان البحث تطرق إلى الوضع الأمني، بما في ذلك السلاح غير الشرعي وسلاح المقاومة وإلى تطبيق اتفاق الطائف، ولا سيما الشق الدستوري منه.
وفي ما خص الطائف، أكّد عون: «نحن مع تنفيذ الطائف بكامله من دون اقتطاع أي جزء منه، وأن المشكلة كانت في سوء تنفيذ هذا الاتفاق»، نافياً ان تكون هناك مشكلة مع الشارع السني، ومؤكداً ان لا معنى للبنان إذا ما خوف أي مكون من مكوناته، ومشيراً إلى الكيمياء مع الرئيس الحريري موجودة، وأن الأمن مسؤولية الدولة، وأن حق المقاومة في مواجهة إسرائيل موجود.
2- وفي ما خص العمل داخل المؤسسات، أكّد عون التزامه «بالديمقراطية التوافقية»، في مجلس الوزاء على قاعدة التفاهم على الميثاقية، فأنا أضاف احترم الميثاقية بالحكم.
وقال ان الرئيس الحريري خلال اللقاء معه طلب التريث في بعض الأشياء.
3- استنتج عون ان التحفظ السعودي على ان يكون رئيساً للجمهورية لم يعد قائماً، فلا مشكلة سعودية، والمسؤولون في المملكة تركوا هذا الموضوع لتقدير اللبنانيين ليقرروا بأنفسهم من يختارون للرئاسة.
4- اجتهد عون خلال المقابلة في نزع الصورة المذهبية التي حاول الرئيس نبيه برّي تثبيتها في أذهان اللبنانيين، فهو لا يريده رئيساً ويدعم النائب سليمان فرنجية، وهو يعتقد أي برّي ان معظم الذين التقاهم الرئيس الحريري لم يُبدوا حماساً لانتخابه رئيساً.
قال النائب عون: «مبدئياً العلاقة مع الرئيس برّي يجب أن تكون جيدة، ونحن لسنا على خلاف في السياسة، وأن شرعية المجلس مسألة ليست شخصية، فما ينطبق على النواب المسلمين ينطبق على النواب المسيحيين، فالمجلس بعد 4 سنوات افتقد إلى الشرعية الشعبية، لكنه اليوم أمر واقع، وهو يقوم بتشريعات ساهمنا فيها».
وفي ما خص سلّة التفاهمات التي اقترحها الرئيس برّي أكّد عون ان هناك نقاطاً مثل قانون الانتخاب تحتاج إلى تفاهم، مشيراً إلى انه لا ثنائيات ولا اتفاقيات، فبناء لبنان لا يكون الا بالعمل من خلال مكوناته، وما يمكن ان تقوم به الحكومة إذا انتخب رئيساً للجمهورية لا يمكن الآن الاتفاق عليها، وكل شيء يأتي في وقته.
وقال عون: لا يجوز ان تفرض شروط مسبقة على الرئيس.
5- وفي ما خص الأسماء والتي هي بحوزة البطريرك بشارة الراعي والسجال مع الرئيس برّي، وصف رفض الراعي لسلة برّي بأنها تنبيه معين»، ولا ينطوي على إشارات عرقلة، معتبراً ان الأولوية الآن لانتخاب رئيس بعد مرور سنتين وأكثر، معرباً عن أمله بأن يكون قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي يزمع رئيس المجلس الدعوة إليها، مؤكداً على استمرار التواصل وعدم الانقطاع.
6- وبالنسبة لموقف «حزب الله»، ردّ عون على السؤال بتساؤل: كم مرّة بدو يعلن حزب الله تأييد ترشيحي؟، قال: هو قائم بما عليه وما يزال. حزب الله يشتغل بالتأكيد دون إعلان، وهو حاسم لجهة تأييدي للرئاسة ونوابه قاطعوا الجلسات عندما قاطعنا، لكنه استدرك في ما خص برّي مستشهداً بالمثل السائر: «كما تراني يا جميل اراك»، في إشارة إلى انتخابات رئاسة المجلس.
7- وفي ما خص موقف القوات اللبنانية اعرب عون عن ثقته بموقف جعجع، رافضاً «لعبة الغش في السياسة، هذه السياسة التي يمارسها النائب وليد جنبلاط بشيء من السخرية، مشيراً إلى ان مواقفه (أي جنبلاط) كانت جدية بترشيحه للرئاسة».
ولاحظت مصادر سياسية ان «البانوراما» السياسية التي قدمها عون خلال المقابلة جاءت على النقيض من الصورة التي قدمها برّي في الحوارات الصحفية التي أجراها قبل إطلالة عون. على أن الأهم، وفقاً لهذه المصادر نقطتان:
الأولى: أن المهلة المعطاة لمشاورات الرئيس الحريري ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية، فالانتظار يعرّض لبنان للخطر، والوحدة الوطنية هي السلاح الأمضى في هذه المرحلة.
ولم يرَ عون مانعاً من أن تكون صورة ترشيحه للرئاسة قد اكتملت بصورة نهائية قبل 13 تشرين الأوّل الجاري، أي في غضون أسبوع، حتى يتمكن من بلورة الصيغة التي سيتخذها خطابه.
والثانية: أن احتفال 13 تشرين على طريق قصر بعبدا بين 15 و16 من هذا الشهر، ما يزال قائماً، وإن كانت الاستعدادات للتصعيد في الشارع تراجعت، لأن الرئيس الحريري في لقائه معه قبل أيام «تمنى علينا تخفيف التوتر فاستجبنا».
مجلس الوزراء
في هذه الأجواء، ينعقد مجلس الوزراء الخميس بعد الدعوة المفاجئة لمعظم هؤلاء الوزراء، والتي وجهها الرئيس تمام سلام، أمس، ولاقت ارتياحاً سياسياً، لا سيما من الرئيس برّي والنائب جنبلاط وأطراف أخرى تحرص على عودة الحياة إلى المؤسسات، وفي مقدمها السلطة التنفيذية.
وفيما أكدت المعلومات لـ«اللواء» أن وزيري حزب الله حسين الحاج حسن ومحمّد فنيش ووزير «المردة» روني عريجي سيشاركون في الجلسة، تحاشى النائب عون الإجابة عن سؤال يتعلق بالقرار الذي سيتخذه وزيرا التيار ووزير الطاشناق، تاركاً لهم اتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً، لكنه غمز من قناة رئيس الحكومة عندما أشار إلى أسفه أن يأخذ الرئيس سلام «موقفاً غير ميثاقي».
وتوقع مصدر وزاري أن تطرح مسألة التعيينات الإدارية ولا سيما في رئاسة الجامعة اللبنانية إذا ما شارك وزير التربية الياس بو صعب، وأكد هذا المصدر لـ«اللواء» أن الجلسة تشكّل محكاً لمدى تجاوب التيار العوني مع أجواء الإنفراج والمسار الإيجابي للحركة الجارية لتشكيل مروحة واسعة توصل رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» إلى قصر بعبدا، علماً أن دعوة الرئيس سلام تضمّنت إشارة إلى أن المجلس سيستكمل مناقشة جدول أعماله الموزع سابقاً.
الحريري في موسكو
وكان الرئيس الحريري أجرى مشاورات في قصر الضيافة التابع للخارجية الروسية مع وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي رحّب به قائلاً: «نعبّر عن تأييدنا لجهودكم التي تقومون بها من أجل التغلّب على الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان»، كاشفاً عن سعي بلاده لتقديم ما يلزم من دعم مالي وإنساني ليتغلّب على أزمة النازحين السوريين، منوّها بمواجهة الجيش اللبناني «لداعش» و«النصرة» على الحدود مع سوريا.
وانتقد لافروف مواقف الإدارة الأميركية من تجميد العمل بالاتفاق الأميركي - الروسي حول الهدنة في سوريا، مشيراً إلى أن بلاده ستواصل التنسيق مع جميع الأصدقاء، ومنهم اللبنانيين «لوضع حل للأزمة في سوريا يصبّ في صالح الاستقرار في لبنان».
واتهم الرئيس الحريري حزب الله بتعطيل المبادرات المتلاحقة التي قدمها لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان.
وقال، مخاطباً لافروف: «أنا لبناني معتدل مسلم سنّي ضد أي نوع من الإرهاب»، مطالباً روسيا بالضغط لإيجاد حل للأزمة التي يُعاني منها الشعب السوري (راجع ص2).
بكركي
واستأثرت بكركي، أمس، بالحركة السياسية المسيحية، سواء لجهة رأب الصدع مع عين التينة بوساطة النائب السابق فريد هيكل الخازن، أو «تصليب» موقف البطريرك الراعي والذي يتعيّن أن يظهر في بيان مجلس المطارنة الذي يصدر عادة بعد الاجتماع، من خلال زيارتين تمّتا بالتفاهم بين رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
هاتان الزيارتان تزامنتا مع زيارة سياسية اقتصادية لوزير الزراعة أكرم شهيّب.
وأكدت مصادر بكركي أن الصرح ليس في وارد تسخين السجال مع عين التينة، وأن نداء مجلس المطارنة سيرحّب بالجهود المبذولة لانتخاب الرئيس، وسيقدّم قراءة هادئة ومتزنة للوضع كما هو.