تقاسَمت موسكو بعد السعودية وطهران، المشهدَ السياسيّ، بعدما تصدّرَ الملف الرئاسي المحادثات التي أجراها الرئيس سعد الحريري في الرياض أمس الأوّل مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل أن ينتقل إلى روسيا للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وتردد أنه عاد مساء أمس إلى لبنان، في وقتٍ أنهت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ زيارةً إلى إيران دامت يومين بَحثت خلالها مع مسؤولين إيرانيين في سُبل وضعِ حدّ للشغور الرئاسي في لبنان. في الموازاة، توزَّع الاهتمام في الداخل بين بكركي التي تحوّلت خليّة نحلٍ مِن خلال التفاف مسيحيّ ماروني منسّق حولها، وتمثّلَ بلقاء ثلاثي بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وبخلوةٍ بين باسيل وجعجع، عقبَ سجالِ «السلّة» وعشية اجتماع مجلس المطارنة الموارنة، والرابية التي أطلقَ منها رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون جملة مواقف اتّسَمت باللهجة الهادئة والاعتدال.
شخصَت الأنظار أمس إلى بكركي التي شهدت لقاءً ثلاثياً بين الراعي وباسيل وجعجع، وحتماً كان الأمر منسّقاً ومتفَقاً عليه بين جعجع وباسيل دعماً لموقف البطريرك الماروني الذي رفضَ في سياق عظتِه يوم الأحد الفائت سلّةً مسبَقة لانتخاب رئيس للجمهورية.

وبدت كلمتا جعجع وباسيل متناغمتين بعدما اجتمعا جانبيّاً في إحدى الغرَف قبل أن يعلن باسيل «أنّ أيّ أمر شرطي لانتخاب الرئيس هو من دفع بكركي إلى أن ترفع صوتها باتجاهه، ونحن نفهم الأمر»، وقال «نحن لا نقبل بأيّ أمر شرطي لانتخاب الرئيس».

أمّا جعجع فرفض مبدأ السلّة «جملةً وتفصيلاً»، معتبراً أنّ عون «لا يتفاوض على سلّة ولن يتفاوض على سلّة بحسب معلوماتي». وقد ذهبَ أبعد من ذلك عندما أكّد أنّه لا يستطيع «إلّا الربط بين موقف بري وحزب الله».

وكان قد سبَقهما إلى بكركي وزير الزراعة النائب أكرم شهيّب مبشّراً الراعي بحلولٍ لأزمة تصريف التفاح، وقد أعربَ شهيّب عن تأييد «الحزب التقدمي الاشتراكي» للتوافق على وصول أيّ مِن المرشّحين الحاليين للرئاسة.

خريطة طريق لبكركي

وعلمت «الجمهورية» أنّ الاتّصالات في بكركي استمرّت حتّى ساعات متأخّرة من ليل أمس تحضيراً لاجتماع مجلس المطارنة الموارنة اليوم. وقد تلقّى الصرح البطريركي المزيدَ من الاتصالات المؤيّدة لموقف الراعي، من شخصيات سياسية وفعاليات من كلّ الطوائف.

وأوضَحت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «الاتّجاه هو لتوجيه نداءٍ بعد اجتماع المجلس، حيث سيكون بالزخم نفسِه الذي وُجّهت فيه النداءات السابقة». وأشارت إلى أنّ الراعي «لن يتراجع عن مضمون عظته، والنداء اليوم لن يكون أقلّ مِن سقفِ العظة، بل سيُعيد تصويب البوصلة، وكلّ الكلام عن أنّ البطريرك سيغيّر مواقفَه لا أساس له من الصحّة».

واعتبَرت المصادر أنّ الراعي «أعاد تصويبَ الأمور ووضَعها في نصابها، وقد خرج بهذا الموقف القوي بعدما باتت رئاسة الجمهورية تجارةً وبيعاً وشراء، ووصَل الاستخفاف بالمواقع المسيحية والوطنية إلى حدّ غيرِ مقبول». وأوضَحت أنّ اجتماع المطارنة اليوم «سيَرسم خريطة طريق المرحلة المقبلة».

ولفتَت المصادر إلى أنّ زيارة جعجع وباسيل «لا تدخل من ضمن المشاورات التي أطلقها البطريرك الراعي مع الأقطاب الموارنة، بل أتَت في سياق دعمِهما وتأييدهما لمواقف البطريرك في عظة الأحد، والتشاور في الأمور المطروحة، وقد أبدى كلّ مِن جعجع وباسيل تقديرَهما لمواقف البطريرك التي من شأنها الحفاظ على موقع الرئاسة وتمرير الاستحقاق وفق المبادئ التي قام على أساسها لبنان، والتي كانت البطريركية المارونية خلفَ فكرة إنشائه».

وأكّدت المصادر التزامَ بكركي بالثوابت والدستور. وقالت: «أمّا الذين انتقدوا فشَعروا بـ»مسلّة» تنعَرهم، وربّما يشعر بها كلّ مَن يحاول أن يُفرغ الرئاسة من مضمونها ويحمّل الرئيسَ المقبل أوزاراً ويضَع عليه شروطاً تجرّده من صلاحياته».

ورأت المصادر أنّ الكلام عن «سلّة» وشروط كان يستوجب موقفاً حاسماً من البطريرك الذي أعاد تصويبَ الأمور وشكّلَ بوصلةً للمرحلة المقبلة.

وأثنَت المصادر على المصالحة التي جرت بين الحزبين واعتبرتها «مباركة وستبقى مباركة من بكركي، وستبقى الدعوة مفتوحة لتوسيعها باتّجاه كلّ الأطراف المسيحيّة الأخرى التي لم تشملها المصالحة، وصولاً إلى المصالحة الوطنية الكبرى.

تأييد روسي

في غضون ذلك، حطّ الرئيس الحريري في موسكو حيث نال تأييداً للجهود التي يقوم بها من أجل التغلّب على الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان. وشدّد لافروف على الدور المهم الذي يؤديه الحريري شخصياً بالنسبة للوضع الداخلي في لبنان. وأكّد له تضامنَ بلاده مع اللبنانيين والشعب اللبناني مع وجود أكثر من مليون لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، ودعمَها المالي والإنساني لكي يتغلّب لبنان على أزمة اللاجئين.

من جهته، أوضَح الحريري أنّه قام بمباردات عدة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، لكن حتى الآن هناك معطّل أساسيّ هو «حزب الله». وشدّد على وجوب انتهاء الأزمة السورية بأسرع وقتٍ ممكن بحلّ سياسي يكون عادلاً للشعب السوري.

فرنجية

وفيما كان الحريري في موسكو، كان السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين يقوم بزيارة لافتة في توقيتها ودلالاتها لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في دارته في بنشعي، حيث جرى البحث في مجمل القضايا الراهنة محلياً وإقليمياً. كذلك التقى فرنجية السفير المصري.

فتفت

وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية» إنّ الشخص الوحيد الذي يتحرّك إيجاباً هو الرئيس الحريري، لكن من الواضح أن لا نيّة في الداخل للحلّ، إذ لا أحد يتفاعل، فالكلام الذي أطلقه الرئيس بري أمس وكأنّه قد أقفل أبواب الحل».

عون

وفي إطار مقابلة عبر «أو.تي.في»، ظهرَ عون في إطلالة معتدلة تكلّمَ فيها عن محاولات تفاهمٍ جرت بينه والحريري منذ الـ 2005، وآخِر محاولة كانت الأقرب إلى التفاهم.

وكشفَ «أنّنا تَفاهمنا مع الرئيس سعد الحريري على كلّ المواضيع، وتفهَّمنا هواجسَ تيار «المستقبل» و«كِلّ شي بوَقتو»، موضحاً أنّ «الحريري لديه التمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنّية، ومِن الطبيعي أن يكون موجوداً في رئاسة الحكومة».

وقال إنّ السعودية تترك موضوع الرئاسة ليقرّر المسؤولون مصلحة بلدهم ولا تضع خياراً لرئيس جمهورية معيّن».

وعن العلاقة مع الرئيس برّي قال: «نحن لا نختلف معه سياسياً. والعلاقة معه مبدئياً جيّدة، ودستورياً المجلس النيابي غير شرعي كونه غيرَ منتخب من الشعب. وأشار: «لا أعتقد أنّ الرئيس بري يشعر بأنّني والحريري قمنا بإنجاز اتفاق مفصّل بمعزل عنه. تحدّثنا معه عن قانون الانتخاب لكن لم نتحدّث عن صيغة معيّنة.

وأكّد أنّ التفاهمات جزء من العمل السياسي، و»لكن يجب أن نحترم الدستور والقوانين، فمِن غير الوارد فرضُ شروط مسبَقة على الرئيس العتيد». أمّا عن حزب الله فقال عون: «إنّه لا يزال يعمل لإكمال مهمته بالنسبة للرئاسة، وأنا مرتاح لموقفه تجاهي».

وأعربَ عن ثقته بموقف جعجع بترشيحه للرئاسة و»لعبة الغش تخرب الوطن». ورأى أنّ «النائب وليد جنبلاط عبّر عن تأييده لي وشكرناه على رسائله الإيجابية بهذا الشأن».

برّي

من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره: «يقولون إنّ السلة قد انتهت، بالنسبة إليّ هذه السلة ما زالت موجودة، فليقولوا ما يريدون، هذا رأيهم وليس رأيي». وأضاف: «أنا أسألهم ماذا يوجد في السلّة؟ السلّة معروفة ولا يوجد فيها أيّ بند له علاقة بصلاحيات رئيس الجمهورية».

ورأى بري أنّ «هناك من يرى أنّ انتخاب الرئيس سيتمّ «بهاليومين» وأنا «مِش شايف هيك». وأعلن: «لم استشفّ من سعد الحريري أنّه تخلّى عن ترشيح النائب سليمان فرنجية، لا بل سمعتُ منه أنّه ما زال على ترشيحه، لكنّه في الوقت نفسه يفكّر ويفتش عن خيارات أخرى».

وعن إمكان استقباله عون في عين التينة أجاب: أهلاً وسهلاً به، هذا بيته، وبيت جميع اللبنانيين، فهو لم يَقتل أبي وأنا لم أقتل أباه، وليس هناك ما يمنع من أن نلتقي، ولكن إن اجتمعنا فقد لا أزيد عمّا أقوله علناً ودائماً بأنّ التفاهم المسبَق على كلّ شيء هو طريق الوصول إلى الحلّ».

وكشفَ برّي أنّنا توافَقنا مع «التيار الوطني الحر» على قانون الانتخاب، هم يوافقون على أن يسيروا بلبنان دائرةً انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي ويوافقون أيضاً على المحافظات الخمس أو الثمانية على أساس النظام النسبي أيضاً». (التفاصيل ص 4)

كاغ في طهران

وفي إطار مشاوراتها مع الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة حول استقرار لبنان وأمنِه، أجرت كاغ في إيران محادثات مع نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية جابر الأنصاري ونائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية عبَاس عراقجي وأعضاء من المجتمع الدولي.

وأعلنَ مكتب كاغ أنّ المحادثات «ركّزت على الوضع في لبنان والتطوّرات الإقليمية. كما تمحورَ الحوار حول المتابعة لبيان رئيس مجلس الأمن الصادر في 22 تمّوز وخصوصاً دعوته جميعَ الأطراف إلى المشاركة في التفاوض على اتّفاق توفيقي من أجل إنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية في لبنان، وعلى الأهمّية الحاسمة لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب برلمان بحلول أيار2017».

مجلس وزراء

على صعيد آخر، لبّى رئيس الحكومة تمّام سلام الدعوات التي تلقّاها من عدد من الأطراف من الوزراء المستقلين وقياديّين سياسيين، وأبرزُها من برّي، لعودة الحكومة إلى العمل، فدعا مجلس الوزراء عند العاشرة من قبل ظهر غدٍ الخميس لاستكمال مناقشة جدول الأعمال الموزّع سابقاً وتحديداً في جلسة 8 أيلول الماضي.

وفي الوقت الذي حسَم فيه مشاركة وزير «المردة» روني عريجي فإنّ الموقف النهائي لـ«حزب الله» سيحدَّد في الساعات المقبلة الفاصلة بين الدعوة وموعد انعقاد الجلسة.