عاد الرئيس سعد الحريري مساءً إلى بيروت بعد جملة مواقف واضحة وشفافة اتخذها من موسكو وضع فيها الاصبع على حقائق ومسبّبات الجرح الرئاسي اللبناني والنزف الدموي السوري، فحمّل خلال لقائه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف «حزب الله» مسؤولية التعطيل الأساسية للانتخابات الرئاسية ونظام بشار الأسد مسؤولية تهجير الشعب السوري من بلاده. أما على المستوى الداخلي، فسلسلة رسائل حرص رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون على توجيهها في أكثر من اتجاه وعلى غير صعيد وملف في سياق وطني تسووي يهدف إلى طمأنة هواجس المكونات الوطنية حيال تطلعاته الرئاسية، مؤكداً في أبرز المضامين والعناوين التي طرحها خلال إطلالته المتلفزة مساءً على ضرورة تبديد أي «تضليل» يطال علاقته مع الطائفة السنية، ومشدداً على التزامه مسؤولية الدولة عن أمن مواطنيها وأراضيها ودستور الطائف و«الميثاق الذي كان يحترمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الحكم»، فضلاً عن إبداء رفضه لاشتراط «سلة» التفاهمات المسبقة على الرئيس العتيد ليتضامن بذلك مع موقف بكركي باعتباره موقفاً يأتي في إطار «التنبيه» من مغبة حصول تجاوزات دستورية على موقع رئيس الجمهورية وصلاحياته. 

إذاً، استقبل وزير الخارجية الروسية ظهر أمس الرئيس الحريري في مقر الضيافة التابع لوزارة الخارجية، حيث عقد معه اجتماعاً استهله لافروف بالإعراب عن «الأسف الشديد» للأزمة السياسية التي يعيشها لبنان وعن تقدير موسكو «للدور المهم» الذي يلعبه الحريري ودعمها للجهود التي يبذلها «من أجل التغلب على هذه الأزمة»، متطرقاً في ملف الأزمة السورية إلى المسؤولية الأميركية والغربية عن إفشال الجهود لتسوية الأزمة وتنفيذ الاتفاقات والالتزامات المبرمة مع روسيا، مع تحميله مسؤولية تهجير النازحين السوريين إلى الإرهابيين. أما الحريري فأضاء على دور «حزب الله» التعطيلي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي رغم كل «المبادرات» لإنهاء الشغور، بينما لفت انتباه لافروف في مسألة النزوح السوري إلى أنّ السوريين «أتوا إلى لبنان قبل ظهور «داعش» عندما كان النظام في سوريا لا يُعامل شعبه بالشكل الذي يجب أن يعامله فيه»، مشدداً على وجوب إنهاء الأزمة السورية «بأسرع وقت ممكن بحل سياسي يكون عادلاً للشعب السوري لأن هذا الشعب مثل كل شعوب المنطقة يريد الحق في الحياة الكريمة والعادلة»، مع دعوته في هذا المجال روسيا إلى أن تستعيد دورها في الدفاع عن مصلحة الشعوب في المنطقة، مشيراً إلى أنّ «الشعوب العربية تنظر إلى روسيا وبخاصة في هذه المرحلة لكي تلاقي الحل بشكل عادل للشعب السوري وللمواطن السوري وللأطفال السوريين وخصوصاً ما يحصل في حلب«. في حين عاد لافروف ليشكر الحريري على تقديره «لدور روسيا التقليدي في ما يخص التعاون مع البلدان العربية»، مجدداً في المقابل تحميل المسؤولية حيال ما يجري في حلب إلى الولايات المتحدة والغرب. ثم أقام وزير الخارجية الروسية مأدبة غداء على شرف الحريري استكملت خلالها مواضيع البحث.

عون

في الغضون، وبينما تتجه الأنظار إلى بكركي اليوم لرصد المواقف الرئاسية التي سيُضمّنها المطارنة الموارنة بيانهم الشهري غداة زيارات متقاطعة عجّ بها الصرح البطريركي أمس وشملت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي عبّر عن رفض تكبيل الانتخابات الرئاسية بشرط الاتفاق المسبق على «السلة» التي يطرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري، برزت مساءً الإطلالة التلفزيونية لعون عبر شاشة «otv» لما تخللته من عناوين «رئاسية» سعى من خلالها إلى طمأنة عموم اللبنانيين إلى مشروعه السياسي والوطني في حال انتخابه رئيساً للجمهورية. 

وإذ نوّه بالإيجابية التي طغت على محادثاته مع الرئيس الحريري معتبراً أنّ محاولة التقارب الأخيرة بينهما «هي الأقرب للتفاهم»، أكد عون التزامه بتنفيذ اتفاق الطائف ووقوفه إلى جانب «الإسلام المعتدل» وتأييده حسن العلاقات مع الدول العربية، رافضاً أي «تضليل إعلامي» حول علاقته مع الطائفة السنية وجازماً بأنّ التفاهم مع «حزب الله» ليس موجهاً ضد السنّة. وشدد عون على أنه من الطبيعي أن يحصل تفاهم بينه وبين الحريري بوصفه «زعيم الأكثرية السنية ولا بد من الاتفاق معه» لا سيما وانه عبر عن تأييده تبوؤ الحريري سدة رئاسة الحكومة، نافياً في الوقت عينه أن يكون الجانبان قد خاضا في أي مسائل تحاصصية على الحكم تتصل بالتعيينات أو بأسماء الأشخاص إنما «مواضيع عامة متعلقة بالطائف والأمن». ليوضح في كونه ملتزماً مسؤولية الدولة الحصرية عن الأمن على كامل أراضيها، مؤكداً عزمه في حال تبوئه رئاسة الجمهورية على الدفع باتجاه إقرار «استراتيجية دفاعية لتعزيز الوحدة الوطنية»، مع التشديد على أنّ «الوحدة هي السلاح الأمضى للدفاع عن لبنان بخلاف البندقية التي تأتي في المرتبة 20».

وعن «السلة» التي يطرحها بري، رفض عون وضع هذا الشرط المسبق على انتخاب الرئيس مؤكداً في الوقت عينه على أهمية إقرار قانون انتخابي جديد باعتباره «الأولوية الآن» بالتوازي مع أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية بينما القضايا الأخرى تحتمل التأجيل وتبقى رهن توافق اللبنانيين عليها. 

وفي معرض توجيهه رسائل ود وتوافق باتجاه مختلف الأفرقاء، قال عون إنه لم يقصد بعدم شرعية المجلس النيابي «أي جانب شخصي» تجاه بري إنما عنى أنّ المجلس أصبح «أمراً واقعاً والجميع يتمثل فيه» بما في ذلك نواب «التغيير والإصلاح» مذكراً بأنه سبق وقال لرئيس المجلس «مثلي مثلك بهالموضوع». في حين أشاد بمواقف رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط «الجدية» من الاستحقاق الرئاسي، كما شدد على حبه المستمر لزغرتا معقل رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، معتبراً في ما خصّ موقف «حزب الله» أنّ «الحزب سعى ولا يزال يسعى» لدعم ترشيحه.

وعن تراجعه عن دعوته السابقة للنزول إلى الشارع، أوضح عون أنّ الحريري تمنى عليه «تخفيف التوتر»، إلا أنه أكد أنّ «الاحتفال الشعبي في 13 تشرين لا يزال قائماً على طريق القصر الجمهوري».

أما في ما خصّ دعوة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام المجلس للانعقاد الخميس، فترك عون حرية القرار بالمشاركة من عدمها لوزيريه تبعاً للاتصالات التي يجريانها، مع تجديده الأسف لهذه الخطوة «غير الميثاقية».

الحكومة

وكان رئيس الحكومة قد وجّه أمس الدعوة إلى انعقادها بعد الغد لاستكمال مناقشة جدول الأعمال الموزع سابقاً، ونقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ سلام تبلغ من بري صباح أمس بأنّ وزيري «حزب الله» يعتزمان المشاركة في هذه الجلسة، موضحةً أنّه سيتخللها إقرار تعيينات إدارية مثل تعيين مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية ورئيس الجامعة اللبنانية.