بدا العماد ميشال عون أمس، مطمئناً الى نيات الرئيس سعد الحريري وقراره المرتقب، موحيا بان مسألة الاعلان الرسمي من قبل رئيس «المستقبل» عن ترشيحه، تمهيدا لانتخابه رئيسا، هي مسألة وقت قصير لا يتجاوز حدود أواخر الشهر الحالي.
حاول عون في إطلالته التلفزيونية ان يريح القلقين من احتمال انتخابه، وان يمد الجسور في مختلف الاتجاهات، متوجها الى أصحاب الهواجس بيد ممدودة، وبلغة هادئة واحتوائية صاغ بها مسودات «رسائل التطبيع».
تكلم الجنرال كرئيس للجمهورية «مع وقف التنفيذ»، في انتظار صوت الحريري المرجّح. طرح معالم برنامجه الرئاسي، طمأن الطائفة السنية، شدد على التزامه بـ «الطائف»، أكد أحقية الحريري برئاسة الحكومة، استوعب الرئيس نبيه بري مخففا من وطأة نقاط التباين ومعززا القواسم المشتركة، جدد ثقته في «حزب الله» وسمير جعجع.. و «لاطف» زغرتا.
وقال عون في مقابلة مع محطة «أو تي في»: تفاهمنا مع الحريري على المواضيع كافة وتفهمّنا هواجس «تيار المستقبل»، وهناك مرحلة محددة الوقت للتواصل مع الحريري والتصور الزمني أن يكون الاتفاق قبل الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، لافتا الانتباه الى ان الحريري لديه التمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنية ومن الطبيعي أن يكون موجوداً في رئاسة الحكومة.
وأوضح انه جرت محاولات عدة للتفاهم مع الحريري وهذه المحاولة هي الأقرب من التفاهم، وعندما تكتمل المواقف يمكن عقد جلسة انتخاب الرئيس قبل موعدها المحدد.
ولفت الانتباه الى انه لا يمكن لأحد أن يتخيل لبنان من دون السنّة، وأنا اميّز بين الأصوليين وبين الاسلام المعتدل الذي عشنا معه طوال حياتنا، مشيرا الى ان هناك الكثير من التضليل الاعلامي الذي طال علاقتي مع الطائفة السنية.
وشدد على انه لم يكن ضد الاصلاحات في اتفاق «الطائف»، داعيا الى تنفيذه من دون اجتزاء.
وأشار الى ان المملكة السعودية تركت للبنانيين تقدير الموضوع والاختيار في الملف الرئاسي.
وحول العلاقة مع الرئيس نبيه بري، أعتبر ان هذه العلاقة يجب أن تكون في المبدأ، جيدة، إذ لا خلاف بيننا في السياسة، لافتا الانتباه الى ان القانون الانتخابي يجب أن يكون بالتوافق مع الأفرقاء كافة ولا خلاف حوله مع برّي.
وردا على سؤال، اجاب: علمياً كل مجلس نوّاب غير منتخب هو غير شرعي والمقصود بهذا الكلام المجلس ككل وليس الأشخاص، ونحن لم نوقف عمل المجلس ومستمرون به.

وأشار الى ان «حزب الله» كرّر مراراً تأييد ترشيحي للرئاسة وأنا أثق في موقفه، كما أبدى ثقته في تأييد سمير جعجع، وأكد ان زغرتا عزيزة علينا وتبقى.
فرنجية «مرتاب»
في المقابل، قال رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية لـ «السفير»: لماذا لا يتم الاعلان عما تم الاتفاق عليه بين نادر الحريري وجبران باسيل، كما اعلنا نحن عما اتفقنا عليه مع الرئيس الحريري؟، لافتا الانتباه الى أن «ذلك يعطي أجوبة على كثير من الاسئلة».
بري.. والصلاحيات
أما الرئيس نبيه بري، فقد استغرب امام زواره أمس، اتهام البعض له بالسعي من خلال سلة التفاهمات التي يقترحها الى مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، معتبرا ان من يطلق هذا الاتهام لا يعرف المحتوى الحقيقي لما سمي مجازا «سلة»، في حين ان جوهر الامر يتعلق ببنود جدول أعمال الحوار التي تتناول انتخاب الرئيس ووضع قانون الانتخاب وتفعيل عمل الحكومة في انتظار انجاز الاستحقاق الرئاسي، وهذه بنود ليست من اختصاصات رئيس الجمهورية، إضافة الى انه لا يتضرر من إيجاد تفاهم عريض مسبقا في شأن كيفية تشكل الحكومة، بل لعله المستفيد الاكبر من ذلك. وتابع: المريب ليس في مضمون السلة وإنما في المفاوضات الثنائية التي تتم في الكواليس حول تقاسم السلطة والحصص.
واضاف: لا أحتاج الى من يعلمني صلاحيات الرئيس وأنا الذي كنت الأحرص عليها حين فرّط البعض بها، لافتا الانتباه الى انه دافع عن هذه الصلاحيات عندما انبرت الحكومة المبتورة الى اقرار اتفاقية المحكمة الدولية، في ظل غياب رئيس الجمهورية الذي يعود له حق التفاوض حول الاتفاقيات والمعاهدات الخارجية، وقد وصلت في موقفي الى حد اقفال ابواب مجلس النواب امام قرابة 69 مشروع قانون لم تخضع للآلية الدستورية.
مجلس الوزراء
والى حين اتضاح الصورة الرئاسية المشوشة في الايام المقبلة، وجه رئيس الحكومة تمام سلام دعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء عند العاشرة قبل ظهر غد الخميس، لاستكمال مناقشة جدول الأعمال الموزع سابقا.
وفيما أبلغت مصادر مطلعة «السفير» انها ترجح مشاركة وزيري «حزب الله» في الجلسة، أكد وزير «المردة» روني عريجي لـ «السفير» انه سيحضر بمعزل عن مواقف الآخرين، مشيرا الى ضرورة فصل مسار عمل الحكومة عن التجاذبات السياسية التي يجب ان تُعالج في الحوار الوطني او الحوارات الثنائية او في اي اطار مناسب. وشدد على ان «المردة «يرفض تعطيل مصالح الدولة والمواطنين، منبها الى ان أولوية مجلس الوزراء يجب ان تكون الاهتمام بشؤون الناس التي لم تعد تحتمل المزيد من التسويف والتأجيل.
الحريري ـ لافروف
على خط آخر، لم تنفع الكلمة المطوّلة للرئيس سعد الحريري في مقر الضيافة التابع لوزارة الخارجية الروسيّة في إدخال وزير الخارجية سيرغي لافروف الى صلب الموضوع الذي جاء لأجله من بيروت إلى موسكو.
بقي الوزير الروسي على القضيّة التي تهمّ بلاده: سوريا، التي أفرد لها معظم كلمته، وحتى تعقيبه على كلمة الحريري. وأكثر من ذلك، دخل لافروف إلى الأزمة اللبنانيّة من «الباب الشامي»، ليشير إلى حجم الصعوبات التي يتعرّض لها لبنان من جراء وجود أكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيه، بسبب الإرهابيين الموجودين في سوريا حاليا، مضيفا: نحن نعطي للبنان الدعم المالي والإنساني لكي يتغلب على أزمة اللاجئين، ونعرف أن الجيش اللبناني يواجه «داعش» و «جبهة النصرة» على الحدود مع سوريا، ونحن نؤيد لبنان في هذا المجال.
أتى لافروف بالحلّ من خواتيمه، رابطاً الوضع اللبنانيّ بالسوريّ، إذ شدّد على «مواصلة التنسيق مع الجميع وخصوصا مع أصدقائنا في لبنان، لوضع حل للأزمة في سوريا، يصب في صالح الاستقرار في لبنان».
أما في شأن الموضوع الأساسي، أي انتخاب رئيس للجمهوريّة، فلم يتناوله لافروف إلّا بجملة واحدة حينما عبّر عن «تأييد جهودكم (الحريري) من أجل التغلّب على الأزمة السياسيّة».
هكذا من دون الإشارة بالاسم إلى الأزمة، أوحى وزير الخارجيّة الروسي ببرودة لم تخالف التوقّعات بشأن عدم وجود الاستحقاق الرئاسيّ ومرشحيه على سلمّ أولويّات موسكو. وبالتالي، بدا لافروف جازماً بأنّ العيون الروسيّة مصوّبة إلى سوريا، ولا شيء غيرها، رامياً سهامه على أميركا.
أمّا الحريري فحاول العودة إلى مبادرته الرئاسيّة بتذكيره لافروف أنه قام بمبادرات عدة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، ولكن حتى الآن هناك معطل أساسي هو «حزب الله» ومن دون شك، فإن الأزمة السورية تشكل بالنسبة الينا حملا ثقيلا، وهناك تحديات كبيرة لدينا، وخصوصا مع وجود أكثر من مليون و200 ألف لاجئ سوري في لبنان. هؤلاء أتوا إلى لبنان قبل ظهور «داعش» عندما كان النظام في سوريا لا يعامل شعبه بالشكل الذي يجب أن يعامله فيه».
على باب مقرّ الضيافة التابع للخارجيّة الروسيّة، وقف «دولة الرئيس المنتظر» ليلخّص «بروفيله» علّه يشجّع الروس، بقوله: «أنا لبناني معتدل، مسلم سني، ضد أي نوع من الإرهاب، فالذين يدّعون أن هذا هو الإسلام من داعش أو النصرة أو القاعدة أو غيرها من المنظمات الإرهابية لا يمثلون أي نوع من الإسلام».
ولم يفت رئيس «تيّار المستقبل» أن يذكّر بالمساعدات الروسيّة للجيش التي لم ترَ النّور، شاكرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المساعدات للجيش اللبناني وأيضا المساعدات المادية التي تأتي للاجئين السوريين».
وأقام لافروف مأدبة غداء على شرف الحريري والوفد المرافق الذي ضم النائبين السابقين غطاس خوري وباسم السبع ونادر الحريري ومستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان.
وكان الحريري قد استقبل في مقر إقامته السفير اللبناني في موسكو شوقي بونصار، بحضور مستشاري خوري وشعبان.