جديد الملف الرئاسي، زيارة «صامتة» للرئيس سعد الحريري إلى السعودية أمس بقيت نتائجها طيّ الكتمان، وزيارة قد تكون قريبة للوزير جبران باسيل إلى عين التينة. فيما يطلق العماد ميشال عون، في مقابلة تلفزيونية الليلة، سلسلة من المواقف والرسائل التي تعكس خطه العام كمرشح للرئاسة.
من لا يرغبون في انتخاب عون يراهنون أساساً على فيتو سعودي متجدد، وعلى فشل مساعي التوافق السياسي على إطار الحكم المقبل. إلا أن الأيام العشرة المقبلة كفيلة على ما يبدو بتوضيح الكثير من النقاط العالقة، وهو ما يجعل المتفائلين تتحدث عن ارتفاع النقاط الإيجابية، خصوصاً مع وساطة يقوم بها اللواء عباس إبراهيم بين الرابية وعين التينة.
من جهة الحريري، فإن خلاصة مباحثاته مع عون كانت في منحه فرصة أسبوعين لإنهاء مشاوراته. مصادر رئيس المستقبل نفت أن يكون قد تعهد للجنرال بترشيحه في وقت قريب، لكنه أكد له أن الخيارات باتت كلها مفتوحة، متمنياً عليه عدم التصعيد في الشارع. فيما قال عون للحريري، ولزواره، إن «محاولة كسب الوقت بقصد تعطيل تحركي في الشارع لن تنجح. هناك مهلة أخيرة يعرفها الجميع. وإذا لم تنقضِ مع حل، سيكون الجميع في مواجهة الحقيقة القاسية».
في عين التينة، الأجواء لا تشير إلى تغييرات كبيرة. فيما يجري الحديث عن تواصل بين رئيس المجلس وحزب الله لفتح الطريق أمام حوار إيجابي مع العماد عون. وفيما يحرص الحزب على تأكيد التزامه ترشيح عون اليوم وغداً وكل يوم، يشدد رئيس المجلس على أن «السلة» أساس أي خطوة.
وتقول مصادر إن تقدير رئيس المجلس أن الحريري عندما قصد فرنجية محركاً المياه الرئاسية الراكدة، كان يبعث برسالة إلى السعودية التي تتجاهله، وأنه يقصد من وراء الإيحاء باستعداده للسير بعون استدراج القيادة السعودية لطلبه إلى اجتماع، وهو ما يبدو أنه حصل أمس. ويجزم بري بأن السعودية لن تغيّر موقفها، وأنها ستقول للحريري بكل صراحة إنها تعارض انتخاب عون، ويجب البحث عن حل آخر.
ويبرر بري إصراره على السلة بأنه إذا وافق الحريري على انتخاب عون، وفعل ذلك في جلسة انتخاب، فمن دون «السلة» لا أحد يضمن وصوله إلى رئاسة الحكومة. وعدم وجود تفاهمات مسبقة، قد يتيح للحريري الحصول على فرصة تكليفه تشكيل الحكومة، لكن ليست هناك ضمانات بأن تتشكل الحكومة. ويضيف: «إذا رفضوا السير بالسلة، سنكون أمام خلاف قد يحول دون إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية. وهذا يعني أنه لن تكون هناك انتخابات نيابية»، مشيراً إلى أن السلة تمثل الأرضية التي تصلح لانتخاب رئيس يقدر على العمل من اليوم التالي.
ومن الواضح أن بري أخذ على ما يبدو تفويضاً من النائب وليد جنبلاط الذي قرر السفر لبعض الوقت والابتعاد عن الأضواء بذريعة التهديدات الأمنية، تاركاً لرئيس المجلس أمر اتخاذ الخطوة. لكن جنبلاط يترك الباب مفتوحاً «إذا توافق حزب الله مع بري، وقبل الحريري، فلن أكون عقبة أمام وصول عون».
مصادر بارزة في التيار الوطني الحر أكدت لـ«الأخبار» أن «أكثر من وسيط» يتحرك على خط الرابية ـــ عين التينة، مؤكّدةً «أننا لسنا بحاجة إلى وساطة مع الرئيس بري. وما دام العماد عون هو المرشح للرئاسة، فمن الطبيعي أن يبادر تجاه رئيس المجلس، ولا مشكلة لدينا في ذلك». وأشارت إلى أن «الأمور تحصل وفق تتابع معين. وكان باسيل قد أبلغ بري عندما التقاه سابقاً للبحث في ملف النفط، أن الكلام في الملف الرئاسي سيكون في أوانه بعد أن يتفق المسيحيون ونحصل على جواب نهائي من الرئيس الحريري، وهو ما حصل». ولم تستبعد زيارة قريبة لباسيل إلى عين التينة.
ورأت المصادر أن من «حق أي طرف طرح الاتفاق على تفاهمات وطنية قبل انتخاب رئيس للجمهورية لمعرفة كيف يفكر هذا الرئيس في أمر معين أو موقفه من قضية معينة. قلنا منذ البداية إننا نقبل بتفاهمات إذا كانت لتسهيل انتخاب رئيس، ولكن لا يمكن أن تكون شرطاً لانتخابه». وأوضحت: «لا مشكلة لدينا إذا كنا قادرين على حل أيّ المسائل العالقة كقانون الانتخاب أو غيره. ولكن لا يمكن أن نربط الأمور بعضها ببعض وأن نرهن انتخاب رئيس بقضايا نتحاور حولها منذ سنتين من دون نتيجة». وختمت المصادر بالقول إنه «إذا كان انتخاب رئيس يحتاج إلى ثلثي عدد أصوات النواب، فهذا يعني أن أي رئيس للجمهورية، الآن ومستقبلاً، سيكون مثقلاً بشروط وشروط مضادة، ما سيجعلنا كل مرة ندخل الدوامة نفسها، فضلاً عن أن ذلك ليس من العرف ولا من الأصول الدستورية».
أما بالنسبة إلى موقف بكركي، فقد كان لافتاً رفع السقف من جانب الكنيسة المارونية برفض اشتراط السلة قبل الرئاسة. والبعض رأى في الخطوة تعقيداً للأمور لأن بري سيعاند أكثر، وسيحتمي الحريري به، ما يعني عرقلة الاتفاق على الرئاسة سريعاً.
وبعيداً عن التحليلات والتأويلات التي تناولت موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد وردّ بري أمس، علمت «الأخبار» أنه جرى مساء أمس توضيح المواقف بين الراعي وبرّي عبر أحد الكهنة الوسطاء. وبحسب المعلومات، فإن الراعي أصدر موقفه الأحد بناءً على «سوء فهم لما يقصده رئيس المجلس بمصطلح السّلة»، إذ ظنّ البطريرك أن المقصود بـ«السّلة»، هو الاتفاق الأوّلي الذي جرى بين باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري في باريس قبل نحو شهر، حول توزيع الحصص الوزارية والاتفاق على أمور أخرى. وأوضح برّي للوسيط أن المقصود بـ«السّلة» هو تقريباً جدول أعمال طاولة الحوار، وهي «سلّة وطنية» وليست «سلّة أشخاص» كما نقل زوّار عين التينة عن رئيس المجلس. بدورها، أكّدت مصادر كنسية رفيعة المستوى في بكركي معلومات «الأخبار»، مشيرةً إلى أنه «جرى توضيح المواقف بين سيّدنا والرئيس برّي، والبطريرك عبّر عن حرصه على عدم تكبيل الرئيس المقبل بأي ملفّات قبل انتخابه، عطفاً على ما سمعناه من توزيع للحصص والمغانم بين الأطراف، لكن بات واضحاً أن ما يقصده برّي هو جدول أعمال الحوار، والحوار أمر يهمنا ويهمّ الجميع»، مؤكّدةً أن «موقف سيّدنا لم يستهدف الأشخاص». وتوضيحاً لما يُشاع عن نيّة مجلس المطارنة الموارنة تصعيد الموقف في بيانه بعد اجتماعه الشهري غداً الأربعاء، أكّدت المصادر أن «موقف المطارنة الموارنة سيكون شاملاً ولا يستهدف أي تصعيد، إنّما تأكيد الحرص على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والحفاظ على البلاد».
ومن غير المؤكّد ما سيكون ردّ فعل التيار الوطني الحرّ إن دعا رئيس الحكومة تمام سلام إلى جلسة للحكومة هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل، وكذلك ردّ الفعل حيال دعوة برّي لعقد جلسة تشريعية مع بداية العقد العادي لمجلس النّواب. ففيما يتذرّع سلام بغياب عدد من الوزراء خارج البلاد ومرض الوزير رمزي جريج لعدم الدعوة إلى جلسة للحكومة، علمت «الأخبار» أن الحريري طلب من سلام عدم الدعوة إلى الجلسة لعدم إحراج عون، الذي يقاطع وزيراه الحكومة، خصوصاً أن برّي أبلغ سلام أنه إذا دعا إلى جلسة للحكومة هذا الأسبوع، فإن وزراء حزب الله والمردة سيحضرون لإقرار عددٍ من القرارات والتعيينات الضرورية.