بعد غد الخميس يكون قد مر ما لا يقل عن شهر عن آخر جلسة لمجلس الوزراء عقدت في 8 أيلول الماضي، وتحولت إلى جلسة تشاورية لاحتواء التصعيد العوني المتمثل بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء، بعد التمديد للأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمّد خير، ولم يعرف بعد ما إذا كان الرئيس تمام سلام سيدعو المجلس إلى جلسة حافلة بجدول أعمال متراكم بـ111 بنداً، في مقدمها استحقاقات مالية وإدارية ووظيفية.
وحتى الاتصالات التي تمت لم يكن بإمكانها ان تبني على حركة الرئيس سعد الحريري التي ستكون له محطة محادثات في موسكو اليوم والتي وصلها مساء أمس، بما يقضي انفراجاً على الجبهة الحكومية وفقاً لمصدر وزاري كان ناشطاً خلال الـ48 ساعة الماضية على خط الاتصالات.
ويصف هذا المصدر لـ«اللواء» الوضع بأنه ما يزال صعباً ومعقداً، مستبعداً الوصول إلى حل قريب على صعيد رئاسة الجمهورية.
وتحفظ المصدر عمّا سيؤول إليه الوضع في حال لم تتوصل حركة الرئيس الحريري إلى وضع يسمح بالخروج من المأزق الرئاسي الراهن، كاشفاً ان اللقاء الذي تمّ السبت الماضي بين الرئيسين سلام والحريري في السراي الكبير تطرق إلى الجهود المبذولة والعقد التي تواجهها أو كشفت عنها جولة المشاورات التي كانت محطتها الأخيرة في الرابية.
ما هي العقد التي تواجه انتخابات الرئاسة والتي ربما مع نفاذ الأسبوعين اللذين حددهما العماد ميشال عون، ان تدخل البلاد في مرحلة من التأزم الإضافي، إذا ما ركب «التيار الوطني الحر» رأسه، في حال لاحت امام ناظريه بوادر انسداد أفق الوصول إلى بعبدا؟
وتنظر مصادر سياسية رفيعة إلى إطلالة النائب عون عبر محطة O.T.V مساء اليوم، بعد اجتماع تكتل «الاصلاح والتغيير»، باعتبارها محطة بالغة الأهمية لمعرفة المسار الذي ستسلكه الأزمة السياسية الراهنة، وعما إذا كان بالإمكان تذليل العقد، أم ان هذه العقد ستصبح مستعصية على المعالجة، وسط تأزمات إقليمية ودولية تُبقي لبنان متروكاً لقدره.
عين التينة - بكركي
1- أختلفت تقديرات المراقبين حول ما إذا كانت أزمة السجال التي اندلعت وشغلت الساحة السياسية بين بكركي وعين التينة، على خلفية «العظة الصاعقة» للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي التي رفض فيها بنبرة عالية، وبلا مقدمات فكرة السلة يراها الرئيس نبيه برّي ممراً الزامياً للرئاسة الأولى.
واخطر ما في رفض البطريرك الماروني سؤاله: «كيف يقبل اي مرشح للرئاسة الاولى، ذي كرامة وادراك لمسؤولياته، ان يعرّى من مسؤولياته الدستورية، بفرض سلة شروط عليه غير دستورية، وأن يحكم كأداة صماء؟ هذا اذا ما كان الامر للمماطلة بانتظار الوحي وكلمة السر من الخارج».
وفقاً لمصادر عين التينة، فقد تريث الرئيس برّي في الرد، ولم يكن رده أقل دوياً من موقف البطريرك، إذ خاطبه قائلاً برد من سطرين: «بأن سلته سلّة أشخاص مرشحين للرئاسة اخفاهم وربما ليس من ضمنهم النائب عون، وبين سلّة يعلنها الرئيس برّي وفيها أفكار قدمت لطاولة الحوارس.
وإذ امتنع الرئيس برّي عن الذهاب بعيداً في تجنّب مس الكرامات التي هي من الله، حكم التاريخ ما بين سلّة الأسماء وسلة الأفكار، قائلاً: «اترك للتاريخ ان يحكم أيهما الدستوري وأيهما الأجدى؟».
ومع هذه النبرة العالية، تساءلت مصادر سياسية مسيحية قبل ان تتحرك الوساطات لاحتواء الاشتباك وعدم تحوله إلى حاجز طائفي، أو كرة ثلج طائفية: «هل كان البطريرك يقصد برّي أم يقصد عون؟».
ومن أبرز من دخل على خط الوساطة وزير الاتصالات بطرس حرب والنائب السابق فريد هيكل الخازن المقرب من بكركي والصديق المرشح المناوئ للرابية سليمان فرنجية والمعروف بعلاقاته الجيدة منذ كان عضواً في المجلس النيابي مع الرئيس برّي، فضلاً عن شخصيات أخرى روحية وأمنية.
وتضمنت مهمة الموفدين، حسب معلومات «اللواء»، نقل رسائل ايضاحية، ونقل رغبة بعدم تصعيد الموقف، مدرجة ما حصل بين عين التينة وبكركي، بأنه سوء تفاهم نتيجة نقل معلومات على حدّ تعبير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي قال لـ«اللواء» تعليقاً ما حصل بأنه لو كان البطريرك الراعي في أجواء ما بحث في طاولة الحوار لما أصدر مثل هذا الموقف.
وفي السياق عينه نقل عن النائب السابق الخازن قوله أن همّ البطريرك الراعي أن يحصل ملء الشغور في أقرب وقت ممكن، وأن لا يكون رئيس الجمهورية العتيد مكبّل بشروط مسبقة تحدّ من صلاحياته ودوره الإنقاذي، وهو لمس من الرئيس برّي الذي التقاه أمس أن همّه من السلة هو تسهيل مهمة رئيس الجمهورية الذي سينتخب وليس تكبيله، وبالتالي لا يوجد أي تناقض بين الرئيس برّي والبطريرك الراعي.
وأوضح مصدر مقرّب من الخازن لـ«اللواء» أن يقوم الأخير بزيارة بكركي وينقل الجو الإيجابي الذي حمله من لقائه مع برّي وهو لا يعتقد أن هناك تداعيات للتصريحات التي صدرت وتنتهي عند هذه الحدود.
الرابية وحارة حريك
2- ملامح أزمة ثقة بين الرابية وحارة حريك، على خلفية سكوت «حزب الله» على ما بات واضحاً من أن عين التينة تجاهر برفض وصول عون إلى بعبدا.
وفي هذا الإطار يطالب التيار العوني الحزب بالوفاء بالتزاماته، مذكّراً إياه بأن قيادته سبق وأعلنت أنه في حال كان عون مرشحاً للرئاسة ومدعوماً من تيّار «المستقبل»، وأن رئيس هذا التيار سيكون على رأس حكومة العهد الأولى، فإنه لا حاجة بعد ذلك لأي سلّة، أياً يكن صانعها أو مشتغل بحياكتها.
في المقابل يتريّث «حزب الله» في اتخاذ أي موقف، إلا أنه أبلغ التيار العوني أنه في حال أعلن الرئيس الحريري ترشيحه للعماد عون، فإن اللعبة ستأخذ مساراً آخر، وأن الحزب يُدرك ما عليه أن يفعل.
أما لجهة ما سيكون عليه موقف الحزب من الرئيس برّي، فإن حزب الله الذي جاهر أقلّه على مدى السنة الماضية بتبنّيه ترشيح عون للرئاسة الأولى، ودعوته تيّار «المستقبل» لحسم خياره، ليس في وارد التدخل لفرض أي خيار على رئيس المجلس، بصرف النظر «المون على رئيس المجلس أم لا»، فالحزب يؤيّد ترشيح عون ولا يزال لكن لن يدفع مطلقاً إلى إلزام حلفائه وفي مقدمهم الرئيس برّي في أي خيار.
ووفقاً لمصدر قيادي في «حزب الله» فإن قيادة الحزب أبلغت عبر الوسطاء بين الموفدين بين حارة حريك والرابية أنها تشجّع النائب عون على عدم الاكتفاء بإرسال موفدين أو إشارات لرئيس المجلس، وأنه يتعيّن عليه (أي على عون) التواصل مباشرة مع عين التينة لحلحلة ما يمكن حلحلته في هذا الملف.
الرابية: تجهّم وانتظار
3- ومن العُقد أو العقبات أيضاً تحوّل معالم الفرحة في الرابية إلى معالم تجهّم وانتظار إلى درجة أن الأوساط العونية لا تُخفي قلقها من أن الوقت لا يعمل لصالح العونيين، وأنه يتعيّن بالتالي إعطاء الجواب الكافي والشافي قبل الموعد المضروب في 15 تشرين الأوّل، أي السبت الذي يلي السبت المقبل، حيث سيلقي النائب عون لمناسبة ذكرى 13 تشرين أول 1989 كلمة فاصلة على صعد عدّة أبرزها موقف من الشراكة والميثاق، وإظهار أن هناك «هيمنة إسلامية» على مقدرات القرار المسيحي آن الأوان لرفعها في خطاب تهييجي شعبوي لاستعادة ما خسره من الشعبية على الصعيد المسيحي.
4- بالإضافة إلى العقبات الكأداء، لا يبدو المناخ الإقليمي، لا سيما بالنسبة للاعبين الإقليميين مؤاتياً لرعاية مشروع اتفاق لبناني حول الرئاسة الأولى، نظراً للتدخلات والمشابكات المحيطة بملفات المنطقة ومشاكلها المستعصية على الحلول أيضاً.
الحريري في موسكو
وسط هذه الوقائع والأجواء، وصل الرئيس الحريري مساء أمس إلى موسكو، حيث سيلتقي اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ويبحث معه التطورات والعلاقات الثنائية، بحسب ما أفاد مكتبه الإعلامي والذي أوضح انه يرافق الحريري النائبان السابقان غطاس خوري وباسم السبع والسيّد نادر الحريري.
وأوضح عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري ان الرئيس الحريري قد يتوجه بعد زيارة موسكو إلى تركيا، لافتاً إلى انه عندما ينتهي من جولاته الخارجية والداخلية التي سيستكملها بزيارات لقيادات روحية كالبطريرك الماروني ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، سيطلع الكتلة على نتائج المشاورات الرئاسية التي أجراها ليتخذ في ضوئها القرار الرسمي والنهائي للكتلة من الاستحقاق الرئاسي، مشيراً إلى ان هذا ما تفاهمنا عليه في الاجتماع الأخير للكتلة الثلاثاء الماضي.
وترددت معلومات مساء أمس، عن إمكان تأجيل الاجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» المقرّر اليوم إلى بعد غد الخميس نظراً لوجود رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة في الكويت، وحيث يكون الرئيس الحريري قد عاد بدوره من موسكو، حيث ينتظر ان يترأس اجتماع الكتلة إذا كان قد توصل إلى قرارات نهائية في شأن المخرج من مأزق استمرار الشغور الرئاسي.
وعلى خط آخر، وجه الرئيس برّي أمس دعوة إلى أعضاء هيئة مكتب المجلس لاجتماع يعقد الاثنين المقبل في 10 الجاري للبحث في جلسة انتخاب أعضاء اللجان ومكتب المجلس، والتشاور في موضوع عقد جلسة تشريعية، مع بدء العقد العادي للمجلس في أوّل ثلاثاء بعد 15 تشرين الحالي. وهي الجلسة التي يدور حولها جدل سياسي بين الكتل النيابية بخلاف جلسة انتخاب أعضاء اللجان التي لن يكون حولها خلاف، حيث سيبقى القديم على قدمه، نظراً لأن عمر المجلس الممدد له لم يعد بعيداً.