وصل سعد الحريري الى لبنان بعد غياب لاشهر، وبدأ «حركة بلا بركة» في الملف الرئاسي، موحياً اثناء تنقلاته بين الاقطاب انه «صانع الرؤساء»َ ثم غادر  دون الاعلان عن اي شيء، مما زاد «الغموض غير البناء» غموضاً فلم يتخل عن سليمان فرنجية ولم يتبن ترشيح العماد عون، وهذا «اللغز» الحريري مرده الى هواجس تسكنه وافكار تراوده عن مستقبل العلاقة بينه وبين عون اذا وصل الجنرال الى بعبدا. وكيف سيكون رد فعل الشارع السنّي على خيار ترشيح الجنرال المنحاز الى حزب الله؟وكيف سيواجه تمرّد فؤاد السنيورة وثورة اشرف ريفي. واثار ذلك على بيته الداخلي وهو مطوق بازمة مالية لا تسمح له بالخدمات؟ هذا بالاضافة الى «غموض» الموقف السعودي من ترشيح الجنرال، والعلاقة المتوترة مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف وهذا  الامر يعترف به مسؤولو المستقبل؟ حتى ان النائب عمار حوري كشف ان الحريري لم «يبلغنا انه سيزور الرياض بل انقرة وموسكو فقط».
هذا الغموض الحريري رد عليه عون «للصبر حدود» وهناك مهلة اسبوعين للحسـم وبـعدها لكل حادث حديث. 
كما ان النائب وليد جنبلاط خاطب الحريري بوضوح «لندخل مباشرة الى صلب الموضوع، هل لديك خيار لتبني العماد ميشال عون»؟وكان رد الحريري بالايحاء «بين - بين» فرد جنبلاط: «لا امشي بدون صديقي الرئيس نبيه بري»، حتى ان الحريري قال لبري: «لم اقطع مع سليمان فرنجية بعد»، فيما شدد بري على «السلة المتكاملة» قائلاً للحريري: «هذا الامر لا يحتاج الى نقاش».
حرب السلتين، فجرت مواجهة من العيار الثقيل بين رئيس المجلس نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكانت الاعنف بين الرجلين، وحركت الارض، وتشنجت الاجواء، وحاول المقهورون من خيار الحريري اعتماد عون «صب الزيت على النار»، لحرق حركة الحريري قبل ان تولد.
الرئيس بري متمسك بالسلة الادارية، والبطريرك بالسلة الدستورية، وبري لن يتراجع ولن يشارك بانتخاب عون دونها ويعتبرها الممر الالزامي وخارطة طريق لوصول عون الى بعبدا. فيما تعتبرها بكركي انتقاصا من كرامة الرئيس المنتخب والموارنة وكل اللبنانيين، حتى ان الراعي اعتبرها اذلالاً للمسيحيين وللموارنة وللرئيس الذي لا يملك الصلاحيات اصلا ويريدون تطـويقه واهانتـه ايضـا وايضـا بشروط قاسـية.
المواجهة بين بكركي وعين التينة ربما تكون محطتها غداً عبر تأكيد المطران سمير مظلوم «انتظروا بيان المطارنة غداً». ورد عين التينة «لنرى ماذا سيحمل» وعلى ضوء ذلك جاهزون.
لا شك بان كلام البطريرك الراعي حرك الشارع المسيحي برمته وتحديداً الماروني خلف عباءة بكركي، وجعل الوضع الماروني على حافة الانتفاضة، وعدم القبول باي انتقاص لدوره «المغبون» والمدفون منذ الطائف، الذي قلص صلاحيات الرئيس وهناك حنين ماروني لاستعادتها والتمسك بالدستور ويعتبرون السلة «بدعة  غير دستورية»، ولن يوافقوا عليها.
وهذا الشعور المسيحي وتحديداً الماروني بالغبن، ربما دفعهم الاحد للزحف نحو بكركي لدعم البطريرك الراعي في كل مواقفه وربما بات الراعي «اسير» الشارع الماروني والمسيحي ولن يقبل الا بمواقف عالية السقف.
المواجهة الى تصاعد، وبات كلام البطريرك الماروني سقفاً لاي مرشح رئاسي ولا بد من الانتظار، حتى صدور بيان المطارنة الموارنة وما بينهما من محطة كلام العماد ميشال عون على O.T.V اليوم عند الساعة التاسعة والنصف.
سنتان ونصف والفراغ الرئاسي جمد البلد، وعندما تحرك الملف الرئاسي بدأت الشروط، وفرض السلة على المرشح قبل ان ينتخب، وهذا غير موجود في الدستور الذي ينص على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس الحكومة بعد استشارات الكتل النيابية، ثم يقوم الرئيس المكلف باستشاراته لتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب اما طرح الشروط إلا بمثابة الزام الرئيس «بخارطة طريق» من قبل الرئيس نبيه بري، وهذا ما يعتبره الراعي اهانة للرئيس وتقييده بالشروط والاملاءات.
حزب الله المؤيد لوصول العماد عون للرئاسة لكنه ايضا لن يسمح باي هجوم على الرئيس بري... وحزب الله يدعم ويتفهم طرح الرئيس بري بالسلة الكاملة، في ظل النقزة من سعد الحريري وعدم الثقة به، وحزب الله يدعو عون الى المبادرة والانفتاح على الرئيس بري ومحاورته كما حاور عون القوات اللبنانية والاشتراكي والكتائب والجميع فلماذا الحرب على الرئيس بري وعدم الحوار معه كما حصل مع الاخرين فالرئيس بري خط احمر عند حزب الله الذي وقف الى جانب المقاومة في كل الظروف، ومواقفه انهت كل الاحداث الاليمة بين حزب الله وحركة امل من مار مخايل في الشياح الى الحقبة السوداء بين الطرفين في الثمانينات، وبالتالي فان وحدة الصف الشيعي امر «مقدس» ايضا عند الحزب ولا يقبل اللعب فيه. الحزب سيكون الى جانب بري، لكنه ربما عمل على جمع الحليفين، دون ان يعني ذلك التخلي عن «سلة بري» اما بالنسبة لجنبلاط الذي غادر الى باريس فهو لن يسوق مبادرة الحريري لكنه لن يعرقل مع التأكيد بانه سيذهب مع بري «سويا الى الرئاسة وسوياً الى المقاطعة»، ولن يترك «صديق العمر»، حتى ان الرئيس سعد الحريري لا يمشي باي مرشح اذا شعر ان «فيتو» الرئيس بري لا تراجع عنه.
من هنا، الجميع في انتظار عودة الحريري ومغادرة «غموضه غير البناء» حتى تنقشع الصورة، وبالتالي سيعبئ هذا الفراغ المواجهة بين الرئيس بري والبطريرك الراعي علما ان سعاة الخير فشلوا في تقريب وجهات النظر.

ـ المواقف ـ

وكان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي انتقد في عظة الاحد سلة الرئيس بري، دون ان يسميه وقال: «مع تقديرنا الكامل وتشجيعنا للجهود الساعية الى انتخاب رئيس للجمهورية، والتي نرجو لها النجاح في اسرع وقـت ممكن، يتكلمون عن سلة تفاهم كشرط وممر لانتخاب رئيس الجمهورية. هل هذه السلة تحل محل الدستور والميثاق الوطني؟ ان التقيد بالدستور، حرفا وروحا، وبالميثاق يغـنيان عن هذه السـلة. فان كان لا بـد منها فينبغي ان يوضع فيها امر واحد هو: التزام جميع الكتل السياسية والنيابية بتأمين المصلحة الوطنـية المشتركة العليا. اما المواضيع الاخرى التي يريدون وضـعها في «السـلة»، ومن دون جـدوى، لا يمـكن ان تطرح وتحل وتنتظم الا بوجود رئيس الجمهورية. 
ثم كيف يقبل اي مرشح للرئاسة الاولى، ذي كرامة وادراك لمسؤولياته، ان يعرى من مسؤولياته الدستورية، بفرض سلة شروط عليه غير دستورية، وان يحكم كاداة صماء؟ هذا اذا ما كان الامر للمماطلة بانتظار الوحي وكلمة السر من الخارج».

ـ بري: التاريخ يحكم بين السلتين ـ

وبعدها رد الرئيس بري على كلام الراعي وقال: جواباً على ما صدر عن البطريرك الماروني بشارة الراعي ادلى الرئيس نبيه بري بما يلي:
اما انك اخفيت مما اعلنت فاني اعلن ما اخفي: بين سلة للاشخاص التي اقترحتم وسلة الافكار التي قدمتها في الحوار، اترك للتاريخ ان يحكم ايهما الدستوري وايهما  الاجدى دون الحاجة للمس بالكرامات، وكرامتنا جميعا من الله.

ـ القوات ورفض سلة بري ايضاً ـ

الى ذلك، قالت اوساط قريبة من حزب القوات اللبنانية «للديار» حول «الحرم الكنسي» الذي انزله البطريرك الراعي على سلة بري، ان الراعي يشدد على اولوية انتخاب رئيس للجمهورية لان ذلك اضحى حاجة وطنية لا يجب ربطها بامور اخرى ولا يجب عرقلة مساعي الانتخاب .
وتابعت   هذه الاوساط ان البطريرك يصف مبادرة سعد الحريري بالامل الاخير المتبقي لملء الشغور الرئاسي ولذلك رفض سلة بري معتبرا انها مجموعة شروط مسبقة وضعت لرئيس الجمهورية وهذا يمثل اهانة لموقع الرئيس. هذا وقالت الاوساط القريبة من القوات اللبنانية ان المرسوم الوحيد الذي يتولاه رئيس الجمهورية هو تشكيل الحكومة فاذ بالبعض يشترط منذ الان اسم رئيس الحكومة وحصة الوزراء والى ما هنالك.
واضافت هذه الاوساط الى ان الاعتراض على سلة بري بدأت منذ اربعة ايام وقد التزم البطريرك الراعي الصمت في بادئ الامر الا انه عندما رأى ان الرئيس سعد الحريري وافق على  انتخاب المرشح العماد عون بدات حملة لنسف ذلك , عندها خرج الراعي عن صمته وانتقد المعرقلين لانه حريص على مصلحة لبنان وعلى المسيحيين.
 ولفتت هذه الاوساط الى ان تصعيد الوزير سليمان فرنجية حول ترشيح الحريري لعون بان تجربة 1988 ستتكرر، اتى  بعد تحريض من الرئيس نبيه بري فيما الموقف الذي اعلنه هنري حلو والمؤيد لانتخاب رئيـس  لـه دلالة مهمة وهي ان الوزير وليد جنبلاط يتمـايز هــذه المرة عن توجهات بري ولا يريد عرقلة مهمة الحريري. 
اما العماد عون فكانت مواقفه ضبابية و«غامضة» فهو لا يريد ان يفجر الامور مع بري. وهذا ما اكد عليه الوزير الياس بوصعب بان سلة بري ليست شروطاً على العماد عون في المقابل لا يريد الوقوف ضد كلام البطريرك الراعي الذي بات سقفاً لاي مرشح رئاسي ولا يمكن النزول تحت هذا السقف.