الى ان يعود الرئيس سعد الحريري من جولة خارجية تبدأ اليوم بروسيا ليعاود تحركه الداخلي في شأن الاستحقاق الرئاسي، تبقى الترددات الحادة لـ"حرب السلة" بين مطرقة بكركي وسندان عين التينة عنوان التطور الجديد المفاجئ الذي دخل بقوة على خط هذا التحرك كما على مجمل المناخ السياسي المحتدم. وبدا واضحا ان السؤال الكبير الذي شغل مختلف القوى السياسية غداة الموقف الحاسم الذي اطلقه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من موضوع "سلة التفاهمات" التي يطرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري "ممراً الزامياً" لانتخاب رئيس للجمهورية هو: أي تأثير لهذا التطور على مجريات تحرك الحريري وتالياً على مواقف الافرقاء من فتح باب الخيارات الرئاسية بما فيها خيار انتخاب العماد ميشال عون؟
والواقع ان الضربة الاستثنائية غير المسبوقة التي وجهها البطريرك الراعي الى مبدأ السلة وما استتبعته من رد للرئيس بري لم يخل من نبرة لاذعة ودلالات تنذر بكسر الجرة مع المرجعية الكنسية المارونية، نقلت مناخ التحرك الرئاسي للرئيس الحريري من ضفة الى أخرى أقله كما تعكسه التفاعلات السياسية الواسعة لهذا التطور المفاجئ. لكن العامل اللافت الذي سجل في هذا السياق ان الراعي تمكن من خلال موقفه استقطاب الاهتمامات السياسية ولا سيما منها لدى القوى المسيحية على نحو أعاد رسم معادلة لم يعد معها ممكنا تجاوز السقف الذي رفع عبره مسألة السلة الى حدود وضع بري والحريري وسائر القوى وكذلك المرشحين الرئاسيين أمام "محظور" القبول بتقييد اي مرشح رئاسي بسلة شروط او تفاهمات مسبقة لانتخاب رئيس للجمهورية. وهو الامر الذي وصفته مصادر كنسية وسياسية مسيحية لـ"النهار" بأنه يعكس بلوغ الراعي حدود عدم الثقة بكل المتعاملين بالملف الرئاسي وخصوصاً أولئك الذين يأخذون في الحسبان مواقف اقليمية.
وقالت هذه الاوساط انه لم يكن الراعي ليتخذ موقفا قلب فيه كل المقاييس لو لم يقطع الأمل من مواقف سياسية هي نتيجة مصالح آنية باتت معها المصلحة الوطنية في خبر كان، فضلاً عن ان القيادات التي كانت لها اليد الطولى في الحفاظ على صيغة المشاركة المسيحية – الاسلامية يصح فيها القول "لا حياة لمن تنادي ". وأضافت انه من هذا المنطلق كان الموقف الذي اطلقه البطريرك الاحد بمثابة تحذير من ان الكيل قد طفح على رغم انه حرص على تأكيد تشجيعه للجهود الساعية الى انتخاب رئيس للجمهورية راجياً لها النجاح في أسرع وقت في اشارة واضحة الى تقديره للتحرك الذي باشره الرئيس الحريري. لكن هذا الموقف استهدف مباشرة موضوع السلة بما وضعه مباشرة برسم صاحب الطرح اي الرئيس بري. وتساءل البطريرك: "هل هذه السلة تحل محل الدستور والميثاق الوطني؟". وشدد على ان التقيد بالدستور "حرفاً وروحاً وبالميثاق يغنيان عن هذه السلة". اما ذروة موقفه فكانت في قوله " كيف يقبل أي مرشح للرئاسة الاولى ذي كرامة وادراك لمسؤولياته ان يعرى من مسؤولياته الدستورية بفرض سلة شروط عليه غير دستورية وان يحكم كأداة صماء هذا اذا ما كان الامر للمماطلة في انتظار الوحي وكلمة السر من الخارج ". ويبدو ان موقف البطريرك سيتخذ بعده الكنسي الاوسع من خلال اجتماع مجلس المطارنة الموارنة غدا الذي يتجه نحو تبني هذا الموقف . وهو ما لمح اليه النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم بقوله لـ"وكالة اخبار اليوم " أمس: "توقعوا بياناً مهماً للمطارنة الموارنة يوم الاربعاء"، داعياً الى "قراءته بتمعن وتحديد الرأي منه".

 

بري
في أي حال، عكس الرد اللاذع للرئيس بري على موقف البطريرك مدى التدهور المفاجئ الذي اصاب العلاقة بينهما، علماً ان فتوراً كان يسود هذه العلاقة قبل اطلاق البطريرك موقفه. وللمرة الاولى تحدث بري عما وصفه بـ"المعلن والخفي " بين موقفه وموقف البطريرك وقال متوجهاً مباشرة الى البطريرك: "بين سلة للاشخاص التي اقترحتم وسلة الافكار التي قدمتها في الحوار أترك للتاريخ ان يحكم أيهما الدستوري وايهما الاجدى دون الحاجة الى المس بالكرامات وكرامتنا جميعاً من الله". وبدا واضحا من أجواء عين التينة ان بري يتشبث بضرورة السير بالسلة التي طرحها من منطلق اعتبارها "خريطة الطريق" لرئيس الجمهورية. ولدى سؤاله عن امكان حصول لقاء بينه وبين العماد عون قال بري: "أهلاً وسهلاً به الجنرال لم يقتل ابي ولم أقتل اباه واذا اجتمعنا فرسالتي واضحة له ولجميع اللبنانيين وهي اني لن أعدل ولن أزيد سطراً واحداً على ما أقوله في الاستحقاق الرئاسي والسلة وسأشدد أمامه على التفاهمات المسبقة والمفصلة لنسلك الطريق الى الحلول التي يريدها اللبنانيون".

الحريري
في غضون ذلك، يبدأ الرئيس الحريري جولة خارجية بزيارة يقوم بها اليوم لموسكو حيث يلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف، كما يتوقع ان يزور لاحقا تركيا. وتدرج هذه الجولة في اطار المشاورات الخارجية التي يقوم بها الحريري في موازاة تحركه الداخلي، علما ان زيارته للرياض ليست مدرجة بعد في هذه الجولة.

درباس
واعرب وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عن اعتقاده أن تحرك الرئيس الحريري "كانت له نتيجة ايجابية ملموسة من خلال تعليق تحرك الشوارع وتحرك الاروقة"، ولكنه رأى ان "البورصة (الرئاسية) لا تزال مقفلة على رغم هذا التحرك". ولفت درباس في حديث الى برنامج "وجها لوجه" من "تلفزيون لبنان" الى ان مفاوضات طويلة جرت بين "المستقبل" و"حزب الله" قبل المفاوضات بين فريقي الرئيس الحريري والعماد عون "ولم تفض الى اي شيء". ورأى ان الظرف الاقليمي "لا يتيح انتخاب رئيس للجمهورية ولكن ما فعله الرئيس الحريري حرك المياه الراكدة وقلب الارض". واذ استبعد انتخاب رئيس في الجلسة المقبلة لمجلس النواب في نهاية تشرين الاول، أكد ان تحرك الحريري أدى الى وضع العماد عون "ضمن الطاولة ". وأوضح درباس انه مع البطريرك الراعي في الموقف المبدئي، لكنه مع الرئيس بري أيضاً في الموقف البراغماتي. وخلص الى انه لو كان هناك من يطلع البطريرك على اجواء طاولة الحوار لما كان قال ما قاله.