"قبل تاريخ الأوّل من نيسان عام 2014 كان العنف الأسري يُعتبر شأناً خاصاً في لبنان، فلو تعرّضَت امرأة للضرب في منزلها واتّصلت بالسلطات المعنية طالبةً النجدة، غالباً ما لم يكن أيّ جهاز يحرّك ساكناً، وكم من امرأة أو أمّ توفّيت في منزلها وأمام أعين أولادها. ناضَلت المنظمات النسائية لسنوات حتّى تمكّنت من تجريم العنف الأسري، بإصدار مجلس النواب قانوناً يعرّفه، ويمنح تدابير حمائية للمرأة المعنَّفة وأولادها، وذلك بواسطة نظام أمني جاهز للتحرّك والتواصل عند التبليغ عن أيّ شكوى عنف.بمناسبة عيدها الخامس نظّمت مؤسسة "أبعاد"، بالتعاون مع نقابة المحامين، "اللقاء الوطني حول مناهضة العنف الموجّه ضد النساء والفتيات في لبنان بين التشريع والتطبيق"، في قاعة بيت المحامي، بحضور شخصيات نقابية وقضائية ودينية واجتماعية وجمعيات نسائية وناشطين.
جهد الجمعيات المثمر
على هامش اللقاء تحدّثت مديرة منظمة أبعاد غيدا عناني ل"الجمهورية" عن إنجازات المنظمة خلال السنوات الفائتة، ولا سيّما إشراكها الرجالَ بمناهضة العنف ضدّ النساء. وأشارت عناني إلى تأسيس "مركز يستقبل رجالاً قرّروا تغييرَ سلوكهم العنفي، وهو كناية عن عيادة نفسية تحترم مبادئ الخصوصية والسرّية والمجانية". وأوضَحت مديرة "أبعاد" أنّ "مركز الرجال يُجري أسبوعياً 60 إلى 70 جلسة من العلاج النفسي العيادي يَحضرها الرجال مداورةً، وتمتدّ من الصباح حتى الساعة 8 أو 9 ليلاً، ليتمكّن العاملون بينهم من الحضور". وكشفَت عن "استفادة أكثر من 360 رجلاً من هذه الخدمة"، مشيرةً إلى أنّ "تحدّي الرجل للنمط الاجتماعي، ومبادرته باتّجاه التأهيل النفسي ليست بالأمر السهل"، ولكنّها شدّدت على أنّ "إمكانيات التغيير كبيرة جداً، وكلّ من يريد تغيير سلوكه العنفي قادر على ذلك".
في سياق متصل لفتَت عناني إلى تأسيس "أبعاد" 3 مراكز إيواء آمنة ومؤقّتة للنساء المعرَّضات للعنف، تقصده من لا تتمتّع بمكان تلجأ إليه في حالات الطوارئ. وركّزَت على أنّ "دخول النساء إلى المركز متاح مهما كانت جنسية المرأة أو المنطقة التي تتحدّر منها"، فالمركز يوفّر لها "الحماية والأمان والتأهيلَ النفسي والاجتماعي والقانوني والاقتصادي، بالإضافة إلى خدمات الطبّ الشرعي"، وذلك بشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
وعن وضع النساء في لبنان، رأت أنّهن "بتنَ يتمتّعن بوعي أكبر حول حقوقهنّ ويبلِّغن أكثر في حال تعرّضِهنّ للعنف". كما ألمحَت إلى التمييز القائم ضدّ النساء في المواد القانونية وسَلّطت الضوء إلى الحاجة لإصلاحات قانونية ومؤسساتية، خصوصاً على صعيد وزارات الشؤون الاجتماعية والصحّة والعدل، بالإضافة إلى قوى الأمن الداخلي.
قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة
في إطار اللقاء تناولت رئيسة لجنة المرأة في نقابة المحامين المحامية أسماء داغر حمادة القانونَ رقم (293) المتعلّق بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وتحدّثَت عن قسمين:
• قسم عقابي، يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتكِبت بين أفراد الأسرة، ويحرِّم الضربَ والإيذاء.
• قسم حمائي: يَشمل أمرَ الحماية الذي بإمكان الضحية طلبَه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل أو نقلِها مع أطفالها إلى مكان آخر.
وأكّدت داغر أنّ هذا القانون هدفُه منعُ تعرّض النساء إلى أيّ نوع من أنواع العنف ومعاقبة المتسبّبين به، كما يَهدف إلى توعية النساء وتمكينهنّ من إدراك كيفية التصرّف في حال تعرّضهنّ للعنف، والمطالبة بإدانة الجاني.
وتُعدّد حمادة مخاطرَ ومعوقات تواجه تطبيق هذا القانون، وأهمّها:
• العلاجات المطلقة للطوائف التي تَعتبر نفسَها المرجع الوحيد لكلّ ما يتعلق بالأسرة، والممنوحة لها بموجب الدستور.
• المجتمع الذكوري الذي يبرّر العنف ويشجّع على ارتكابه.
• الموروث الثقافي الذي يَمنع المعنَّفات من التبليغ ويجعلهنّ خاضعات لسلطة المعنِّفين.
• عدم تجاوب السلطات لإنشاء جهاز أمن مختص بمواضيع العنف ضد المرأة، كما يلزم.
"رجال يتكلّمون"
بدورها، عرضَت الباحثة عزّة شرارة بيضون نتائجَ البحث الذي صَدر في كتاب بعنوان "العنف الأسري رجال يتكلمون"، فأكّدت أن "المعنِّفين من الرجال يتوزّعون على كلّ الفئات العمرية والطبقية والمناطقية والطائفية والتعليمية والمهنية". وأضافت أنّ "هذه النتيجة كفيلة بجعلِ المتّهمين من الرجال متساوين أمام القاضي وعناصر قوى الأمن والمرشدين الاجتماعيين.
فلا ينبغي وقوع المشكو إليهم تحت سطوة المعتقدات والأفكار الرائجة التي تُنزّه الأزواج من فئات معيّنة عن ممارسة العنف". ونبّهت بيضون من فترة التبليغ والادّعاء، ووصَفتها بالـ"حرجة بالنسبة للمرأة، وتقتضي اتّخاذها الحذر والحيطة لأنّ التبليغ يُدرَك من جانب الجاني على أنّه خيانة لعقد الشراكة، فيُطلق جرّاءه المزيدَ من العنف".
تحدّيات القضاء
تطرّقَ قاضي الأمور المستعجلة في جبل لبنان الياس ريشا إلى التحدّيات والعوائق التي تواجه القاضي في تطبيقه للقانون 293، ويتعلق منها بتحديد مفهوم العنف الأسري. وأكّد ريشا أنّ "كلّ خلاف بين رجل وزوجته لا يدخل حكماً في خانة العنف الأسري".
وميَّز بين نوعين من العنف، هما:
• "العنف الظرفي الذي لا يدوم طويلاً ويتخلّله شجار وشتائم، ولا يُعتبَر عنفاً أسرياً بالمفهوم القانوني إلّا إذا نتجَ عنه إيذاء جسدي أو نفسي أو اقتصادي أو جنسي".
• "العنف القائم على الإرهاب الزوجي، وهو الأخطر، ويكون عنفاً جسدياً أو معنوياً أو جنسياً أو اقتصادياً متعمَّداً ومتكرّراً وممنهَجاً بطريقة تجعل أحدَ الفريقين مسيطراً والآخرَ مغلوباً عليه.
ودعا ريشا إلى عدم خلطِ العنف الاقتصادي مع البخل، لأنّه يتحقّق عندما "يمنع الزوجُ زوجته تعسّفاً من العمل، أو عندما يأخذ راتبَها ويراقب نفقاتها ويَمنعها من الإنفاق، ولا يعطيها من المال سوى ما تحتاجه لتأكل".
وقارنَ بين لبنان وفرنسا التي أوجَدت قاضياً متخصّصاً بالشؤون الأسرية، يتدخّل في هذا المجال بدل قاضي الأمور المستعجلة.
لقوى الأمن دورٌ كبير
عرَض العقيد في قوى الأمن الداخلي إيلي الأسمر دورَ قوى الأمن الداخلي في تأمين الحماية للنساء والفتيات، وتطرّقَ إلى المحور القانوني، بالإضافة إلى التجهيز، والتدريب. كما ألقى الضوءَ على الإنجازات التي تحقّقت.
وزارة الشؤون الاجتماعية
أشار مستشار وزارة الشؤون الاجتماعية فهمي كرامي، إلى الخطة الوطنية للوزارة والتي أقدَمت عليها لبناء وتفعيل منظومة حماية المرأة والطفل في لبنان بشقّيها القانوني والاجتماعي. كما تناولَ تفعيل دور وزارة الشؤون كمنسّق وناظم لملف الحماية.
كسرُ الحواجز والصمت
من جانبها، لفتَت رئيسة المجلس النسائي اللبناني إقبال دوغان إلى أنّ "المجتمع المدني تنبَّه منذ أكثر من عشرين عاماً لقضية العنف ضد النساء حين كان يُعتبَر الموضوع خاصاً ويجب أن يبقى طيّ الكتمان والسرّية ومِن العيب أن تُعلن النساء عن وجوده".
وأكّدت دوغان أنّ المجتمع المدني والجمعيات النسائية المتخصصة عملت على الحدّ من العنف ضد النساء من خلال التوعية على رفض العنف المسقط على المرأة وأطفالها واعتباره عملاً إجرامياً، ومساندةِ المرأة المعنّفة ومعونتها نفسياً وصحّياً وقانونياً.".
( الجمهورية)