يوم سلّم أ. ح. نفسه إلى أحد المحسوبين على "التيار الإصلاحي في حركة فتح" برئاسة محمود عيسى المعروف بـ "اللينو"، ليسلّمه لاحقاً إلى مخابرات الجيش، كان الشاب متيّقناً أنّ بقاءه لمّدة أطول إلى جانب مجموعة "فتح الإسلام" سيورّطه أكثر في جرائم القتل والإرهاب.

في البداية، لم يكن هذا هو الهدف، وإنّما أقنعه حليم ح. (22 عاماً) وعمر ن. (26 عاماً) اللذين تعرّف عليهما من جراء مكوثهما الدائم في الشارع الفوقاني وهما مسلّحان، بأنّهما سيؤمّنان له المال والسّلاح والحماية.

وافق ابن الـ20 عاماً، ليتمّ أخذه مباشرةً إلى منزل قائد "فتح الإسلام" في المخيّم آنذاك بلال بدر (في حيّ الطيري)، حيث طلب منه الانتماء إلى مجموعته مقابل راتب شهري يبلغ 100 دولار، وأن يتردّد عليه في البداية ليلاً كي لا ينكشف أمره.

وعلى مدى شهر ونصف، تكفّل بلال بدر بإعطاء دورات عسكريّة في منزله إلى عدد من أفراد مجموعته وبينهم أ. ح. لتعليمهم على كيفيّة فكّ وتركيب السّلاح واستخدامه، قبل أن ينتقل إلى الدروس التطبيقيّة عبر إطلاق الرصاص على أهداف محدّدة يضعها بدر في مكانٍ مجاور لمنزله.

وبعدما بدأ أ. ح. يتردّد إلى منزل بدر، تعزّزت الثقة وأوكل اليه مهمّة حراسة منزله مع آخرين.

سريعاً، انتقل ابن مخيّم عين الحلوة من خارج السور إلى داخله، حينما صار يقدّم الخدمات (قهوة ومأكل ومشرب) في منزل بدر. وهناك، اعتاد أ. ح. على مشهد دخول المطلوبين، من توفيق طه وفضل شاكر إلى شادي المولوي وغيرهم، إلى مقرّ "أميره"، حيث كان يختلي بهم لساعات طويلة.

يروي أ. ح. في إفادته الأوليّة أنّ المولوي كان في بداية 2015 يقيم في شارع المنشيّة في الشارع التحتاني بالمخيّم، وتحديداً في منزلٍ لخالد ي. مجاور لمنزل رامي و. وكان المولوي يترافق مع شخص معروف بـ "الحاج" وهو صاحب محلّ هواتف خلويّة في الشارع نفسه. كما كان المولوي يتنقّل مع 4 مسلّحين داخل عين الحلوة.

أمّا جار المولوي "الباب على الباب" فكان الفار الثاني من وجه العدالة فضل شاكر الذي قال عنه الموقوف إنّه دفع لبلال بدر مبلغاً من المال لقاء فتح معركة مع الجيش اللبناني في التعمير ـ عين الحلوة إبّان معارك عبرا، دعماً لمجموعات أحمد الأسير.

هكذا، بدأ أ. ح. يصبح من الدائرة الضيّقة لمجموعة بدر الذي سرعان ما كلّفه بمراقبة أشخاص منتمين إلى "فتح" أو محسوبين على "اللينو".

أمّا الأنكى فكان أن طلب منه بدر شراء حبوب "ترامال" كي يعطيها إلى أحد المقرّبين من "اللينو" والملقّب بـ "أبو حزين السوريّ"، بهدف تخديره ثم سحبه إلى الشارع الذي تسيطر عليه جماعة بدر لقتله!

وما لبث أن طلب منه "الأمير" البقاء مع حسين ح. (فلسطيني عمره حوالي 23 عاماً) الملقّب بـ "أبو جعفر". وصارت هذه المجموعة مكلّفة برمي قنابل في أزقّة المخيّم، إذ شارك أ. ح. برمي حوالي 15 قنبلة في تواريخ متفرّقة وفي أماكن متعدّدة، ومنها: السوق، بالقرب من "جامع الفاروق" وفي منطقة درب السيم بالقرب من المقبرة القديمة.

لم يكتف بدر بتوريط الشاب برمي القنابل، بل حوّله إلى شاهد ثمّ مشاركٍ في تصنيع العبوات النّاسفة. إذ كان أ. ح. يُشاهد كيف كان بدر يصنّع العبوات من خلال طحنها ويضيف إليها المسامير والأحجار ثمّ الفتيل، ليعمل على طبخ العبوات بمساعدة توفيق طه وزياد أ. ن. وحوران..

على مرأى من عيون الشاب، صنّع بدر 60 عبوة ناسفة كانت واحدة منها من نصيب قائد كتيبة "شهداء شاتيلا" في "قوات الامن الوطني الفلسطيني" العقيد طلال الاردني حينما تمّ وضعها في سيارة شبيهة بـ "الفان" لونها قاتم كانت متوقفة قرب المحطّة في شارع حطين (بالقرب من مكتب الأردني) وتولّى حوران تفجيرها لاسلكيّاً بعد ثوانٍ من مرور سيارته ومن دون أن يفلح في اغتياله، ليتم اغتيال المسؤول "الفتحاوي" بعد حوالي عام في المكان نفسه.

يبدو أنّ بدر كان مصرّاً على اغتيال "أبو حزين السوريّ". وإذا كان "الترامال" غير نافع، فإنّ القتل المباشر سيؤتي النتيجة الأسرع. ولذلك، طلب بدر أن يأتيه أ. ح. ليل 15 كانون الأوّل 2015 وكلّفه بالتنسيق مع عمر ن. بغية اغتيال الرجل القاطن في البركسات، طالباً منه استلام مسدس "غلوك" من طه ع. (28 عاماً) والتوجّه فوراً إلى مفرق الصفوري لأنّ "الهدف" سوف يمرّ من هناك.

وبالفعل، ذهب الشاب إلى "مقهى الحنان" حيث تسلّم من ع. المسدّس ثم انطلق إلى المكان المتّفق عليه. خاف الشاب من التورّط في جريمة قتل ولم يتجرأ على إطلاق النّار، فما كان منه إلّا أن شاهد أحد المقربين من "اللينو" فسّلم نفسه، راوياً له المخطّط.

وسرعان ما قام "الفتحاوي" بتغطية رأس الشاب بقناع أسود كي لا يتمّ التعرّف عليه واقتاده إلى أحد المقارّ التابعة لـ "اللينو" قبل أن يعمد إلى تسليمه لمخابرات الجيش اللبناني التي أوقفته.

(السفير)