انتهت الجولة الأولى من مشاورات الرئيس سعد الحريري، وكما كانت اشارت «اللواء»، في الرابية، مسبوقة بمعراب، حيث عقد لقاء دام ساعة ونصف الساعة مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أعلن على اثره الأخير ان شقة الخلاف بدأت تضيق مع رئيس تيّار «المستقبل» حول الرئاسة الأولى.
ومع انتهاء هذه الجولة التي احيت البحث في الرئاسة الأولى، وكشفت عن «عورات التحالفات» والخيارات والمصالح والحسابات، وأن انتخابات رئاسة الجمهورية ليست كما تروج دوائر الرابية في 6 تشرين أوّل الجاري، وإنما قد تذهب إلى وقت اطول على وقع الاشتباك الأميركي - الروسي حول حلب والمخاضات الجارية في المنطقة، في المرحلة الأميركية الانتخابية، يمم الرئيس الحريري وجهه شطر الآفاق الإقليمية والدولية.
وعلى هذا الصعيد، علمت «اللواء» ان لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدد الثلاثاء المقبل في الكرملين، في انتظار زيارة أنقرة، وربما قبل ذلك التوجه إلى المملكة العربية السعودية.
ماذا جرى في الرابية؟
لا يختلف المراقبون على ان محطة الرابية هي الأبرز خلال مشاورات الرئيس الحريري، هناك انفراجات اسارير النائب عون ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، وانتعشت أسهم التفاؤل، من دون إسقاط «موجبات الحذر»، انطلاقاً من إعادة خلط الأوراق وصولاً إلى التحالفات.
معلومات ما قبل اللقاء اشارت إلى ان الرئيس الحريري ركز على وضع النائب عون في أجواء ما لمسه خلال المرحلة الأولى من مشاوراته التي شملت الرئيس نبيه برّي والنواب: وليد جنبلاط وسامي الجميل وسليمان فرنجية والدكتور جعجع.
وتضمنت هذه المعلومات أيضاً ان رئيس «المستقبل» شدّد على ضرورة نزول النواب إلى المجلس النيابي والمشاركة في الانتخابات، فإذا كان «حزب الله» ونواب 8 آذار يؤيدون ترشيح عون للرئاسة، فعليهم ان يذهبوا إلى المجلس لهذا الغرض.
وأضافت هذه المعلومات ان السجال الإعلامي بين عين التينة والرابية وتوضيحات المكتب الإعلامي للرئيس برّي، وما تولى نائب رئيس المجلس السابق ايلي الفرزلي من تقريبه بين الرجلين (برّي وعون) بحيث حول الكيمياء المفقودة إلى مياه عذبة بينهما، فضلاً عمّا نقلته محطة O.T.V في نشرتها المسائية عن لسان عون رداً على بيان برّي، لم يغب عن المداولات، وإن بدا النائب عون منقشفاً في تناول هذا الموضوع.
ونقلت عنه محطة O.T.V قوله «نحن أيضاً حين نعلن ايماننا وحرصنا على الميثاق والدستور لا نكون نهدف إلى انتقاد أي مسؤول، بل إنقاذ النظام وحفظ حقوق الجميع».
ورداً على سؤال لـ«اللواء»، اكتفى مصدر عوني بالقول عن نتائج الاجتماع بين الحريري وعون «بأن الأجواء كانت إيجابية وصريحة، وكل شيء يسير على ما يرام».
ورأت مصادر قيادية أخرى في «التيار الوطني الحر» ان الرئيس الحريري توصل إلى قناعة بضرورة إنتاج حل وانتخاب رئيس للبلاد، وهو يقوم بدوره ويمارس ما لديه من نفوذ وعلاقات من أجل ذلك.
وذكرت هذه المصادر بأن النائب عون لا يقبل بأي شروط تفرض عليه قبل انتخابه.
وقال الوزير السابق ماريو عون لـ«اللواء» هناك جدية في الملف الرئاسي، متوقعاً ان تكون الأيام المقبلة فاصلة على هذا الصعيد.
معراب
وفي رأي مصدر قواتي ان لقاء معراب هو الذي مهد «لمحادثات ايجابية» في الرابية.
وإذ رحب جعجع بالانعطافة الكبيرة للرئيس الحريري والتي تعبر عن حرص على إنهاء الشغور الرئاسي، ركز سواء خلال اللقاء أو بعده على ما يمكن ان يكون عليه موقف حزب الله من جدية ترشيح عون، والاقرب من ساعة الحقيقة.
ولاحظ جعجع ان لا موقف نهائياً قريباً للرئيس الحريري، لكننا «بتنا في بداية الطريق».
ولم يخف رئيس القوات اعتقاده بأن حزب الله لا يريد رئيساً ولا يريد عون رئيساً، رافضاً موقف حزب الله من رفض استلام القوات وزارتي الداخلية أو الدفاع بالقول: «هذا منطق غير مقبول جملة وتفصيلاً، ولا أحد يستطيع ان يرفض أي شيء لأحد، ونحن محرومون منذ 30 سنة، واليوم علينا ان نعوض عن كل شيء».
عين التينة
استفاقت عين التينة على تدخل من جهة سياسية حليفة للحد من تدهور التوتر بين الرئيس برّي والعماد عون، وكان أوّل الغيث البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس وفيه ان «لا خلاف شخصياً بين الرئيس برّي واي مرشّح للرئاسة، وأن تمسكه بجدول أعمال الحوار لا يستهدف مرشحاً بعينه، لكنه الممر الإلزامي لاستقرار الوضع السياسي والحفاظ على المؤسسات الدستورية، وللحل المتكامل بدءاً من انتخاب الرئيس، وهذا هو مفهوم السلة».
لكن المصادر العونية عادت وذكّرت بأن العماد عون لا يقبل بأي شروط مسبقة تفرض عليه، لا في ما خصّ توزيع الوزارات ولا المواقع القيادية في الدولة، قائلاً أن ما هو موجود في السلة لا يعنينا وهو تدبير غير دستوري.
فماذا يوجد في السلة؟
تتحدث المعلومات القريبة من الثنائي الشيعي أن سلّة الرئيس برّي تتضمن تصوّراً شاملاً لكيفية إدارة الدولة بدءاً من قانون الانتخاب إلى الانتخابات النيابية وصولاً إلى الحكومة وتوزيع الحقائب، في ما خصّ الوزارات السيادية، في ظل إصرار هذا الثنائي على أن تكون وزارتا المالية والطاقة (النفط) من حصته، ليكون هذا الثنائي شريكاً في التوقيع على المراسيم.
المستقبل
وفي ما خصّ السلة التي يطالب الرئيس برّي بالتوصل إليها، أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق رفض هذه السلة، وتساءل، خلال رعايته الحفل التكريمي لحجاج بيت الله الحرام: «ما الحكمة من المناداة والبحث في تشكيل الحكومة قبل انتخاب رئيس الجمهورية؟ لا أفهم ما دخل قانون الانتخابات بتشكيل الحكومة؟
وأكد: «نقول لا لن نقدم على أية خطوة دستورية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا حق دستوري»، متسائلاً: لماذا لا يكون الحوار مفتوحاً بدل أن يكون مشروطاً؟
في هذا الوقت، جدّدت مصادر قريبة من تيّار «المستقبل» بأن حركة الحريري منذ عودته إلى بيروت لم تهدأ، وهي دخلت في سباق لنزع ألغام التعطيل التي يزرعها «حزب الله»، فهو ماضٍ في سياسة التعطيل والفراغ وخلفه إيران.
في تقدير مصدر نيابي في التيار أن حركة الرئيس الحريري كشفت الجهات الحقيقية التي تعطّل انتخاب رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن التيار العوني يعرف هذه الجهات من دون أن يعترف بها، مع أنها باتت معروفة للملأ.
حزب الله
وتصف مصادر وزارية في حزب الله المرحلة بأنها مرحلة عضّ أصابع، وهي تتخوف من أن يكون وراء تأييد الرئيس الحريري ترشيح عون محاولة لعزل الحزب الذي يشعر أن دوره الإقليمي ما يزال يتقدّم على الهموم الداخلية، مشددة على أهمية تنسيق التحرّك مع الرئيس برّي. في حين تولى إعلام الحزب الإضاءة على الأجواء الإيجابية للبيان التوضيحي الصادر عن المكتب الإعلامي للرئيس برّي، مع الإشارة إلى جدية غير مسبوقة في تحرّك الحريري.
وفيما اكتفت قيادات «حزب الله» عبر المواقف الإعلامية بإطلاق كلام عمومي وتقديم ما يلزم من نصائح «لحفظ هذا الوطن» على حدّ تعبير رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد الذي طالب بتغليب المصلحة الوطنية الكبرى على المصلحة الخاصة، وكادت تنوص شعلة الحماس العلني لترشيح «الرئيس القوي في طائفته»، ذهبت مصادر مقرّبة من الحزب إلى دعوة العماد عون إلى مراعاة هواجس الرئيس برّي وتقديم ما يطلبه من ضمانات في ما خصّ الوزارات والمؤسسات والقانون الانتخابي وصيغة إدارة الدولة في حال أصبح رئيساً للجمهورية.
وقالت أنه ليس من حق النائب عون أن يحرج حزب الله مع الرئيس برّي، فهو حارب الدنيا لإيصاله إلى الرئاسة ولم يحنث بوعده، ولكن لن يزعّل الحزب الرئيس برّي ليرضي النائب عون، ويترتب على ذلك موقف عملي آخر، وهو أنه لن يُشارك في أية جلسة لا تشارك أو تصوّت فيها كتلة برّي بالكامل لصالح إيصاله للرئاسة، وكل ما يمكن أن يقوم به الحزب هو تبريد الأجواء وتقريب وجهات النظر، والتغاضي عن تفاصيل لتمرير القطوع الرئاسي على خير.
رئاسة الأركان
وعلى صعيد رئاسة الأركان في الجيش اللبناني، طرأ تطوّر إيجابي على احتمال شغور هذا الموقع في قيادة الجيش، لم يكن مفصولاً عن الحراك المتعلق بالاستحقاق الرئاسي، تمثّل بتوافق القيادات السياسية ولا سيما «التيار الوطني الحر» والنائب وليد جنبلاط، عبر السراي واليرزة على تعيين العميد الركن حاتم ملاك رئيساً للأركان بالتكليف بعد ترفيعه إلى رتبة لواء، من خلال مرسوم وقّعه 20 وزيراً، من بينهم وزراء التيار والطاشناق، بعد أن تبين استحالة استدعاء رئيس الأركان الحالي اللواء وليد سلمان من الاحتياط بعد انتهاء ولايته عند منتصف ليل 30 أيلول نظراً لانتهاء مُـدّة خدمته العسكرية، وقد استثني من توقيع المرسوم وزير العدل اللواء أشرف ريفي ووزير الاقتصاد آلان حكيم باعتبارهما مستقيلين، فيما لم يوقّعه أيضاً الوزيران رمزي جريج وأكرم شهيّب لوجودهما خارج البلاد.
وبناء على هذا المرسوم أصدر وزير الدفاع سمير مقبل قراراً كلّف بموجبه اللواء الركن ملاك تسيير مهام رئاسة الأركان في الجيش إلى حين انعقاد مجلس الوزراء وتثبيته.