يسود دولياً ترقّبٌ لنتائج الكباش بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول سوريا، والذي تظهّرَ في طلب الرئيس باراك اوباما من وكالات الأمن القومي درسَ كلّ الخيارات في شأنها، بعدما أكّدت موسكو استمرار عملياتها العسكرية فيها، فهدّدتها واشنطن بوقفِ التعاون وتعليق مناقشاتها معها. أمّا لبنانياً فلا تبدو مهمّة رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري سهلةً في مواجهة الرغبات السلبية لبعض المكوّنات السياسية، ومنها رغباتٌ داخل التيار نفسِه، غير متحمّسة لانتخاب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، في ظلّ وضعٍ دولي وإقليمي غير مريح. مع ذلك يواصل الحريري، الذي يستعدّ لزيارة موسكو، مشاوراته، وكان أبرز محطاتها لقاؤه مساء أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وعلى خط موازٍ أرجَأ وزير الدفاع سمير مقبل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي لسَنة، تجنّباً للفراغ في القيادة العسكرية، على أن يستدعي رئيس الأركان اللواء وليد سلمان اليوم بعدما أحيلَ إلى التقاعد، لتسيير أعمال رئاسة الأركان لستّة أشهر، على أن يعيَّن بديلٌ منه في أوّل جلسة لمجلس الوزراء، وذلك في خطوةٍ قابَلها «التيار الوطني الحر» بالرفض، مؤكّداً أنّه لن يسكت عن هذا التمديد، وسيقوم «بكلّ ما يلزم لوقفِ الإمعان في تدمير الدولة».
في إطار مشاوراته بشأن فكرة ترشيحه عون، زار الحريري مساء أمس، يرافقه مدير مكتبه نادر الحريري، عين التينة والتقى بري في حضور الوزير علي حسن خليل، ودارَ خلال اللقاء الذي تخلّله عشاء حديثٌ حول المستجدّات الراهنة والاستحقاق الرئاسي.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ الحريري سيزور لاحقاً عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ثمّ يجول على رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية، وفي مقدّمهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.

وعلمت «الجمهورية» أنّ كلاً من برّي والحريري عرض لموقفه ووجهة نظره على قاعدة أنّ اللقاء لا يمكن اعتباره لقاءً مفصلياً وأنه سيُستتبع بلقاءات ومشاورات مفتوحة بينهما وكلّ من جهته.

وفي المعلومات أيضاً أنّ الحريري أبلغ إلى برّي أنّ خطوته بالإقدام على ترشيح عون هي ضمن خياراته للخروج بحلّ لأزمة رئاسة الجمهورية ولا تزال خياراً قائماً.

ووصفت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» أجواء اللقاء بأنها كانت جيدة لجهة الاتفاق على إبقاء النقاش مفتوحاً، بحيث أنه لم يتّخذ أيّ قرار حاسم بعد. وأشارت إلى أنّ برّي متمسّك بموضوع السلة والتفاهمات الوطنية التي يجب أن تسبق إنتخاب رئيس للجمهورية الذي يتّفق عليه من ضمنها، وهو ليس في وارد المقايضة على هذه السلة والتفاهمات.

أبو فاعور

وسبق زيارة الحريري لبري تحرّك الوزير وائل ابو فاعور على خطّي «بيت الوسط» وعين التينة موفَداً من النائب وليد جنبلاط، حيث اجتمعَ بالحريري في حضور النائب السابق غطاس خوري، ومع بري في حضور خليل، وعرض مع كلّ منهما للأوضاع الراهنة، وخصوصاً موضوع الاستحقاق الرئاسي. ولوحظ أنّ تحرّكَ ابو فاعور جاء غداة لقاء الحريري وجنبلاط في «بيت الوسط»، علماً أنّ جنبلاط كان أوفد ابو فاعور الى الرياض.

في هذا الوقت، كشفَ وزير السياحة ميشال فرعون من «بيت الوسط» أنّ جزءاً كبيراً من التشاور الحاصل حاليّاً يدور حول ترشيح عون وانعكاساته والضمانات المطلوبة، وأضاف: «مع الأسف فقد وضَع البعض على طاولة الحوار طلبَ الضمانات مع انتخاب الرئيس، وكذلك طلبَ البعضُ الآخر ضمانات حول السلاح ووقف النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية وغيرها من المواضيع المشمولة بالمشاورات الحاصلة حاليّاً، من هنا الحديث عن سلة أو نصف سلة».

تحرّك لجعجع

وفي حين تتواصل الاتّصالات الرئاسية، علمت «الجمهورية» أنّ جعجع العائد من الخارج سيبدأ اتصالاته وتحرّكه على مختلف المستويات لمواكبة الحراك الجاري.

وتعليقاً على التحليلات التي أكّدت رفضَ البعض إسناد حقائب وزارية مهمّة لـ»القوّات» ومِن ضمنها وزارتا الدفاع والداخلية، أكّد مصدر «قواتي» لـ«الجمهورية» أنّ «القوات» لن تقبلَ بهذا الإقصاء، لأنّها مكوّن أساسي ولديه امتداداته، ولها الحقّ كسائر الأفرقاء بتولّي أيّ من الوزارات بلا أيّ «فيتو». وتساءَل المصدر: «لماذا لديهم مشكلة مع «القوات» تحديداً، ويخافون من تولّيها وزارتي الداخلية والدفاع؟

هل لدى «القوات» تنظيمات مسلّحة؟ أو لأنها لن تقبل بأن يكون هناك أيّ تنظيمات؟» وقال «إنّ هذا المنطق مرفوض جملةً وتفصيلاً، و»القوات» تؤمِن بالمؤسسات، وتحديداً بوزارتي الدفاع والداخلية، لأنّها تعتبرهما ركيزةَ الدولة وبناء المؤسسات».

«التيار الوطني الحر»

إلى ذلك، علمت الـ«الجمهورية» أنّ «التيار الوطني الحر» سيُحيي ذكرى 13 تشرين الأحد في 16 تشرين على طريق قصر بعبدا. وقالت مصادره لـ»الجمهورية»: «لا جديد عندنا، ولا نفاوض أحداً، بل ننتظر جواباً.

فالمأزق ليس عندنا، بل نحن نطالب بحقّنا، وعليهم هم أن يتصرّفوا. إذا جاء الجواب إيجاباً «منِمشي» أمّا إذا جاء سلباً، فعلى أحد أن يتحمّل المسؤولية». وأكّدت «أنّ التيار على أهبة الاستعداد على مستوى التحرّك السلمي لمواجهة أيّ طارئ». وقالت: «نحن مثلُ الشعب السويسري عندما يناديه الواجب يستنفر في 24 ساعة».

«الحزب»: تنازلات متبادلة

من جهته، أكّد «حزب الله» بلسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ «الوفاق والتفاهم مفتاح الحلول في لبنان، ويُحصّنه أمران: كفّ أيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين عن التدخّل في شؤوننا، وعدم انتظار نتائج وتطوّرات أزمات المنطقة التي يمكن أن لا تنتهي». وقال: «إذا قمنا بذلك واعتمدنا على أنفسنا وتعاوَنّا بعضنا مع بعض، وتحاوَرنا وتناقشنا وقدّمنا تنازلات متبادلة، يمكن أن نصل إلى نتيجة».

الحوت لـ«الجمهورية»

وفي المواقف، قال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «من المبكر الوصول الى خلاصات واستنتاجات بأنّ هناك انعطافة للرئيس الحريري. الآن نحن فقط في حالة شعور بأنّ الأزمة طالت وأنه لا بدّ من إيجاد مخارج، وبالتالي القيام بمروحة اتصالات بين الأفرقاء السياسيين من جهة، وبين الرئيس الحريري وهؤلاء السياسيين من جهة أخرى. لكن من المبكر الحديث عن انعطافة».

وهل تؤيّدون خيارَ انتخاب عون؟ أجاب الحوت: «لكي أعطيَ جواباً إيجابياً أجدني في حاجة إلى أجوبة على مجموعة أسئلة، أبرزُها أوّلاً كيف أستطيع أن أءتمنَ من يعطّل المؤسسات على البلد؟ وكيف أستطيع أن أءتمنَ من يستخدم خطاباً طائفياً لحشدِ الجماهير على البلد؟ إذا حصّلتُ جواباً على هذين السؤالين يمكنني التفكير في ذلك».

بكركي

من جهته، يتابع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تطوّرات الوضع السياسي والاتصالات الرئاسية، وقال أمس من الكورة: «إنّ الشأن السياسي ليس قضية ترفٍ أو تسلية أو إرضاء وجودهم»، لافتاً إلى أنّ «ما يقومون به يتلِف الوطن ويهدّمه جرّاء عدم انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل المجلس النيابي وتعطيل السلطة الإجرائية في الحكومة وتعطيل كلّ التعيينات ومسيرة مؤسسات الدولة».