اذا كان الكتمان الذي يطبع سلسلة اللقاءات الطويلة التي يعقدها الرئيس سعد الحريري مع القيادات السياسية يشكل إحدى سمات الأهمية التي تكتسبها حركته الدائرية الجارية منذ أيام، فإن هذا العامل لا يحجب في الوقت نفسه تصاعد مزيد من حبس الأنفاس السياسية كلما مرت محطة اضافية في هذا التحرك. وليس أدل على ذلك من اللقاء الذي عقد ليل أمس في عين التينة بين الرئيس الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري والذي لم يكن مقدراً أن ينعقد بهذه السرعة بل بعد اتمام الحريري بعض اللقاءات قبله. وبدا واضحاً ان الحريري، الملتزم وأوساطه الحفاظ على نسبة عالية من التكتم على دفق المعطيات والتقديرات والحسابات المتصلة بحركته، يمضي بوتيرة مبرمجة ومتلاحقة وفق أجندة ثابتة في استكمال اللقاءات السياسية بما يعكس ضمناً اطلاق رسالة واضحة في شأن جديته في طرح مختلف الخيارات والاحتمالات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي ووضعها على الطاولة.
وقالت أوساط مواكبة لحركة اللقاءات الجارية لـ"النهار" ان اللقاءات الخمسة التي عقدها الحريري حتى ليل أمس وشملت تباعاً كلاً من رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والرئيس امين الجميل ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط والرئيس بري ناهيك بلقاءات مع شخصيات مستقلة في "بيت الوسط"، نقلت المناخ السياسي في البلاد من ضفة الى أخرى في غضون أيام قليلة، الامر الذي لا يمكن إنكار أهميّته في ظل الجمود الطويل الذي حكم الأزمة الرئاسية. لكن المصادر سارعت في المقابل الى الاستدراك ان هذا التطور سواء في الشكل أو في المضمون لا يعني اطلاقاً تقليل أهمية بل خطورة المحاذير التي بدأت تتصاعد في وجه تحرك الحريري وخصوصاً لجهة طرح خيار انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية الذي أعاد فرز القوى السياسية في شكل متماثل الى حدود بعيدة مع تجربة ترشيح الحريري للنائب فرنجية قبل عشرة أشهر. ولفتت المصادر في هذا السياق الى ان الذين قابلوا الرئيس بري والنائب جنبلاط في الساعات الاخيرة، وقبل لقاء عين التينة المسائي، لمسوا منهما انطباعات متشابهة غير مشجعة عن توقع نتائج ايجابية بالنسبة الى طرح خيار عون تحديداً ولو أنهما يتعاملان بمرونة واضحة مع دوافع الحريري الى اعادة طرح كل الخيارات بما فيها خيار عون. وبحسب هذه المصادر، بدا جنبلاط في لقائه والحريري ليل الأربعاء في "بيت الوسط" شديد الحذر في عرض المعطيات الاقليمية (وضمناً السعودية) والداخلية حيال خيار عون فيما لم يبد الحريري ما يدفع الزعيم الاشتراكي الى الاعتقاد أنه اتخذ خياراً حاسماً في اعتماد هذا الخيار. واكتسبت في هذا السياق الزيارتان اللتان قام بهما أمس الوزير وائل ابو فاعور لـ"بيت الوسط" وعين التينة دلالات مهمة، إذ بدتا بمثابة "شبك" للمشاورات بين الزعماء الثلاثة مما أدى الى تقديم موعد زيارة الحريري مساء لرئيس المجلس. وفي ظل ذلك أكدت المصادر ان بري وجنبلاط لم يكونا أساساً في وارد ما قيل عن نشوء "حلف ثلاثي" يضمهما والنائب فرنجية لأنهما يدركان تماماً محاذير حلف كهذا يبدو كأنه يستهدف الحريري نفسه، لكنهما في الوقت نفسه لا يبدوان في موقع إيجابي اطلاقاً حيال مسعى تعويم خيار عون.
وفيما يتوقع ان تكون المحطة البارزة التالية في لقاءات الحريري زيارته لمعراب للقاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي عاد من اجازة أمضاها في أوروبا، عقد لقاء عين التينة مساء أمس في حضور مدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري والوزير علي حسن خليل ودار الحديث خلال اللقاء الذي تخلله عشاء حول المستجدات الراهنة والاستحقاق الرئاسي.
التمديد لقائد الجيش
في غضون ذلك، اتخذ وزير الدفاع سمير مقبل قراره بالتمديد سنة اضافية لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يفترض ان يكون وقعه قبل منتصف الليل الفائت بحيث يسري قبل نهاية مدة احالة العماد قهوجي على التقاعد اليوم. أما في ما يتعلق بمنصب رئيس الاركان في الجيش وخلافاً لما كان سائداً عن "فتوى" استدعاء رئيس الاركان اللواء وليد سلمان اليوم من الاحتياط والتمديد له أيضاً، فبات في حكم المؤكد ان قراراً اتخذ بترفيع العميد حاتم ملاك الى رتبة لواء وتعيينه رئيساً للاركان بالتكليف. وبدأ ليل أمس جمع تواقيع الوزراء على مرسوم ترفيع العميد ملاك وتعيينه وفهم ان رئيس الوزراء تمام سلام ينتظر جمع 20 توقيعاً ليقرنه بتوقيعه.