تنصل قائد البحریة الإيرانية، حبيب الله سياري، من التعاون مع مغني راب تتهمه السلطات بالفساد بعد عام من نشره أغنية عن الاتفاق النووي على متن مدمرة "جماران" التابعة للجيش الإيراني في الخليج العربي.
وقبل نحو عام فجّر مغني الراب الإيراني أمير تتلو، المعتقل هذه الأيام في سجن أفين بتهمة "الفساد الأخلاقي"، مفاجأة من العيار الثقيل بنشره أغنية على متن سفينة حربية تابعة للجيش تشيد بالاتفاق النووي، وتشير إلى جاهزية الجيش الإيراني للدفاع عن المنشآت النووية بعد أقل من شهرين من إعلان التوصل للاتفاق النووي.
وتناقلت وسائل إعلام إيرانية أجزاء من حوار سياري مع صحيفة "جام جم" قال فيها إنه "تعرض للمساءلة" بسبب تسجيل الأغنية، من دون ذكر تفاصيل عن الجهة التي احتجت على إنتاج الأغنية.
وحاول سياري تبرير موقفه المحرج هذه الأيام بسبب الصمت على اعتقال مغني الراب الذي دخل إلى منشآت عسكرية تابعة للجيش دون غيره من الفنانين، موضحًا أن المغني تقدم بطلب تسجيل الأغنية مستخدمًا اسمه الحقيقي أمير حسين مقصودلو، نافيًا أن يكون اطلع على أغانيه المثيرة للجدل في الشارع الإيراني.
وتبدأ أغنية تتلو بجملة "أي قوة لا يمكنها منع إيران من امتلاك الطاقة النووية السلمية"، واختار المغني مظهرًا يعرف به ضباط وقادة الحرس الثوري، كما اختار اقتباسات من جمل يرددها القادة الإيرانيون بكثرة هذه الأيام، مثل تطلع إيران للخيار السلمي.
الفحشاء
وتتضمن أغنية جمل "النووي حقنا المسلّم" و"الخليج المسلح (الفارسي)". ويظهر خلفه وحدة القوات الخاصة في البحرية الإيرانية على متن مدمرة "جماران" تردد الأغنية الدعائية.
في منتصب آب الماضي أعلنت السلطات الإيرانية اعتقال "تتلو" بتهم مثل "إشاعة الفحشاء والفساد وتشويش الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي". في ذلك الحين أعلنت مخابرات الحرس الثوري أنها اعتقلت 400 ناشط يديرون حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن اعتقال ناشطين في مجال الموضة.
الجدير ذكره أنه على خلاف الحرس الثوري الذي يعتمد بشكل أساسي على البرامج الدعائية في تسجيل الأفلام السينمائية وتنظيم المهرجانات، فضلاً عن إدارة شبكة واسعة من المواقع الإعلامية فإن الجيش الإيراني كان هامشيًا بعد صعود الحرس الثوري الإيراني.
في هذا الصدد ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن شركة "أوج" المنتجة للشريط الدعائي من الشركات التابعة للحرس الثوري، وانتقد سياري الشركة المنتجة بسبب اختراقها "شروط" إنتاج الأغنية، وعدم عرضه النسخة النهائية للمراكز التابعة للجيش الإيراني.
على مدى الأيام الماضية استهدف مئات آلاف من أنصار تتلو حساب المرشد الإيراني علي خامنئي على صفحة "انستغرام"، مطالبين بالإفراج عنه. واعتبر علماء اجتماع أن السلطات "تسعى في استدراج الشعب الإيراني إلى قضايا هامشية تبعده عن التفكير والمطالبة بمعالجة همومه الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير، والحريات السياسية".
وشكّل تسجيل أغنية "تتلو"، التي تشيد بجاهزية قوات الجيش، عامل ضغط على السلطات خلال الأيام الأخيرة من أجل إطلاق سراحه. ووظف المغني الإيراني حسابه في انستغرام من أجل تحويل اعتقاله بتهمة "الفساد" إلى قضية رأي عام في الشارع الإيراني.
وإذ كان اسم أمير تتلو وأعمال لا تخلو من السخرية في إيران فإن اعتقاله من السلطات توجه إلى مادة ساخرة في صفحات التواصل الاجتماعي، وفي إشارة إلى شعبيته الواسعة تحول الأمر إلى مقارنة بين متابعي المغني الإيراني في شبكات التواصل الاجتماعي وكبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم علي خامنئي.
ولم تكن أغنية "الحق النووي" التعاون الوحيد بين تتلو والشركات الدعائية التابعة للحرس الثوري، إذ سجل تتلو العام الماضي في المدينة السينمائية المخصصة لأفلام الحرب أغنية ثانية تشيد بمن سقطوا دفاعا عن النظام الإيراني في حرب الخليج الأولى.
خلال الأغنية يعرب تتلو عن ندمه لكتابة أغاني رومانسية تدافع عن العلاقات العاطفية، بينما تجاهل من سقطوا بناء "القوة" الإيرانية بما فيها مشاهد من اغتيال العلماء النوويين الذين تتهم طهران إسرائيل باغتيالهم. وحاول الحرس الثوري استثمار شعبية تتلو بين المراهقين في ميادين المعركة التي يعتبرها قادة إيران "الحرب الناعمة".
منذ اعتقاله أعرب مختصون في علم الاجتماع عن دهشتهم بسبب موقف أنصار المغني الإيراني من قضية اعتقاله، وباتت وسائل الإعلام تطلق على مجموعة أنصاره "الحركة التتلوية"، الأمر الذي جعله فكرة مغرية لرسوم الكاريكاتير والمقالات الساخرة.
بدورهم أنصار المغني الإيراني الذين منعوا من تنظيم وقفات احتجاجية أمام محكمة طهران لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن احتجاجهم. وحسب التقارير الإيرانية فإن أنصار المغني الإيراني تتجاوز أعمارهم بين 13 من العمر و24، وهو الجيل الذي يشكل تحديات كبيرة في الآونة الأخيرة للسلطات.
في كانون الثاني 2014، نشرت مواقع تابعة للحرس الثوري نصًا للمغني الإيراني يعلن "التوبة"، وتصحيح مساره الفني، على أمل حصوله على ترخيص من أجل نشر أعماله وأغانيه في إيران. تتلو أبعد من ذلك وسجل أناشيد دينية معلنًا الولاء لخامنئي، الأمر الذي سبب سخط الوسط الموسيقي ضده.