كانت روسيا تعرف، عندما نشرت قوّاتها في سوريا إنقاذاً لنظام الأسد، أن نجاحها يحتاج إلى انتصار عسكري على الأرض مستحيل من دون مساعدة مباشرة من إيران، عبر ميليشياتها في سوريا. وكانت إيران تعرف عندما قرّرت التعاون عسكريّاً مع روسيا أنّهما يحتاجان إلى بعضهما. ذلك أن حلفاءها غير السوريّين من الشيعة العرب وغير العرب سيكونون عاجزين عن الانتصار والصمود مع جيش سوري مُنهك وعاجز عن تجديد وحداته بالتجنيد. وذلك يجعل القوّات الروسيّة ضرورة للاستمرار وللـ"نصر". وكانت الاثنتان تعرفان أنّهما في حاجة إلى التفاوض مع تركيا للتفاهم معها على ترتيبات تحدُّ من دور أميركا في الحرب. علماً أنّه محدودٌ جدّاً ومنذ بدايتها. ويبدو أن رئيس الأخيرة أردوغان كان يُدرك خطر التدخّل العسكري لروسيا في سوريا على بلاده. كما كان يُدرك عجزه عن مواجهتها مباشرة. ولذلك اكتفى بمضايقتها من خلال دعم المتمرّدين السوريّين على الأسد. لكنّه في لحظة معيّنة صعّد، إذ أسقطت دفاعاته الجويّة طائرة حربيّة روسية وحصد نتيجة ذلك عقوبات عدّة عقّدت تدخّله في سوريا وحربه ضد أكراد بلاده. فأدرك أن مصلحته إعادة التفاوض مع رئيسها بوتين والتوازن إلى العلاقة الثنائيّة. فهو يعرف أن إنطلاق "حزب العمّال الكردستاني" "الانفصالي" التركي كان بدعم "سوفياتي"، وأن "الحزب الكردي الديموقراطي السوري" يحظى بتعاطف ودعم روسيّين. ومن شأن ذلك مساعدته على وصل آخر منطقة كرديّة سوريّة بالمنطقتين الأُخريَيْن اللّتين كان وصلهما سابقاً. طبعاً حصلت مفاوضات وعقد لقاء بين أردوغان وبوتين واتّفقا على أمور عدّة لكن الموضوع السوري لا يزال قيد البحث بينهما بسبب معركة حلب التي قد تكون معركة شمال سوريا، والتي لا بدّ أن تحدّد دور تركيا فيه.
هل من أثر للانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة القريبة جدّاً على سوريا في ضوء معركة حلب؟
تعتقد باحثة في مركز أبحاث أميركي جدّي وعريق أن روسيا وإيران قد تؤسّسان إدارة مشتركة تحكم أو تُسيطر على معظم سوريا إذا لم تُسفر الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عن تغيير جوهري في السياسة السوريّة لواشنطن. وفي هذه الحال فإنّ بوتين قد يسمح لأكراد سوريا بممرّ (كوريدور) يربط عفرين بـ"روجافا" أي الكيان الكردي الذي أُسّس بعد نشوب الحرب المستمرّة. وهدفه من ذلك هو على الأرجح تعطيل تحرّك المتمرّدين على الأسد المُتمتّعين بدعم تركي، وحماية حلب بعد استعادة الأسد وحلفائه شطرها الشرقي أو تسهيل استردادها مع مناطق أخرى قد تكون الرقّة أبرزها.
هل تنجح موسكو وطهران في استعادة غالبيّة سوريا على رغم رفض تركيّا والعربيّة السعوديّة والعالم الإسلامي ومن دون موافقة واشنطن؟
تُشير المعلومات المتوافرة عند الباحثة نفسها إلى أن الرياض ستُتابع مواجهتها السياسيّة وغير السياسيّة لمنع تحقيق الهدف المذكور أعلاه. ذلك أنّها لا تستطيع أن تتساهل حيال أي نصر إيراني في سوريا أو أن تقبله. لكن فاعليّة المساعدة السعوديّة لـ"الثوّار" والمتمرّدين لا بدّ أن تعتمد على تركيا. فهل تُبقي هذه طرق الإمداد مفتوحة؟ وإلا يضع ذلك أوراقاً كثيرة في أيدي أردوغان وبوتين؟ وهل تكتفي أنقرة بمنطقة نفوذ في شمال غرب سوريا أم ستتّخذ موقفاً ناشطاً في مواجهة الإدارة الروسيّة – الإيرانيّة المشتركة لسوريا؟
ذلك كلّه يعني أن على الرئيس الجديد لأميركا أن يقوم بدور أكثر فاعليّة في سوريا، رغم أن موسكو وطهران سبقاها بأشواط فيها. فاتّفاق وقف النار الأخير الأميركي – الروسي لن يُغيّر "الميزان" الحالي. والإدارة المُشارفة على الرحيل غير عازمة على تغيير سياستها السوريّة رغم اعتراف أوباما بارتكابه خطأ فيها في مقابلة صحافيّة أخيرة. والتغيير لا يعني إرسال جيوش.
في اختصار يقول مُتابع في واشنطن واسع الاطّلاع أن الأسد قد يسيطر على حلب كلّها، لكنّه لا بدّ أن يُواجه احتمالين. الأوّل سيطرة الجيش التركي على شمال سوريا بدءاً من حدود حلب، والثاني استعادة المتمرّدين بمساعدة الأتراك والعرب والمسلمين حلب.
ويقول أيضاً أن سوريا بانتهاء "موضوع" حلب تدخل مرحلة تقسيم واقعي. ويقول ثالثاً أن ذلك لن يُنهي الحرب بل قد يزيدها ضراوة. إذ أن سيطرة الأسد على مُدن سوريا كلّها مرفوضة بما في ذلك دمشق، وأن التسوية السياسيّة لأزمتها قد تكون عبر فيديراليّة للعلويّين ولاية فيها، وأن قادة هؤلاء يتداولون هذا الأمر في ما بينهم. وذلك يستلزم وقتاً طويلاً.
إدارة إيرانيّة - روسيّة لسوريا!
إدارة إيرانيّة - روسيّة لسوريا!سركيس نعوم
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
673
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro