لا يملك نواب كتلة المستقبل تفسيراً مشتركاً للخطوات التي بدأها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بزيارة رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. بعض هؤلاء يؤكّد أن الحريري مستمر بترشيح فرنجية، وأنه لن يسير بانتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. ويقول هؤلاء النواب إنهم عاتبوا الحريري على خطواته، لأنها ستُظهره لاحقاً بمظهر المسؤول عن عدم انتخاب عون، وأن السعودية هي التي منعت عملية الانتخاب. وينقل هؤلاء عن الحريري ردّه بأن مسؤوليته الوطنيّة تجبره على القيام بخطوات متتالية لكسر الفراغ الرئاسي المستمر منذ مايو/ أيار 2014.
في المقابل، يقول نواب آخرون إن الحريري لا يضع أي فيتو على أي اسم، وهو قد يسير بعون إذا ما أفضت المشاورات التي يُجريها مع القوى السياسيّة، خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، إلى تزكية عون. ويلفت هؤلاء النواب إلى أن الحريري عاتب فرنجية بطريقة دبلوماسية، خصوصاً لجهة عدم قيامه بأي جهد لانتخابه رئيساً.
بين هذا الموقف وذاك، أبلغت مصادر دبلوماسية عربيّة عاملة في بيروت "العربي الجديد"، أن الحريري يقوم بخطواته هذه من دون أي تنسيق مع السعوديّة، وهو لا يزال ينتظر تحديد موعد له مع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو لقاء يُفترض أن يحسم الكثير من الأمور الأساسيّة فيما لو حصل. ولفتت هذه المصادر إلى أن الحريري أبلغ حزب الله نيته السير بترشيح عون.
 
وتُضيف هذه المصادر أن الحريري عاتب فرنجيّة، خصوصاً لعدم مشاركته في جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة، ودعاه للنزول إلى المجلس ليُثبت جدية ترشيحه. وقد جاءت مشاركة النائب في كتلة فرنجية اسطفان الدويهي للمرة الأولى في جلسة انتخاب الرئيس (التي لم يتأمن النصاب القانوني لها وتأجلت إلى نهاية الشهر المقبل) أمس، كرد إيجابي من فرنجية. وترى هذه المصادر أن الحريري بات جاهزاً للسير بانتخاب عون، لأسباب كثيرة، معظمها تتعلق بواقعه الشخصي. لكن هذه الجهوزية دونها عقبات عدة.
العقبة الأولى تتمثل في عدم تيقنه من ردة فعل السعوديّة، خصوصاً أن الانتخابات النيابيّة على الأبواب (العام المقبل). والعقبة الثانية هي داخل كتلة المستقبل، وهي رفض العدد الأكبر من نواب التيار لانتخاب عون، وعلى رأسهم رئيس الكتلة النائب فؤاد السنيورة. أما العقبة الثالثة فهي وجود رأي عام مناهض لانتخاب عون بين مناصري الحريري، وقد تؤدي خطوة الانتخاب إلى مزيد من التراجع في التأييد الشعبي في وقت يُفترض الحدّ من الخسائر على المستوى الشعبي.
 
أما العقبة الرابعة، فتختصرها مصادر دبلوماسية بأن الحريري سمع كلاماً حاسماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، لجهة رفض السير بعون، وقد أبلغ بري الحريري بأن موافقة الأخير على انتخاب عون تعني نهاية التحالف بينهما. تجدر الإشارة إلى أن بري قال في أحاديث صحافية إنه سيُقاطع جلسة انتخاب عون. وهنا، تُشير المصادر الدبلوماسيّة العربية، إلى أن نقاشاً دار في أوساط الحريري، وقد تبنى بعض أعضاء الحلقة الضيقة بالحريري ترشيح عون، كونه سيؤدي إلى تحميل بري مسؤولية عدم انتخاب عون، مع ما يعنيه هذا الأمر من تجاوز لكل التُهم التي تُكال للحريري بأنه يقف في وجه الإجماع المسيحي وتحميلها لبري.
 
في مقابل وجهة النظر هذه، فإن هناك من ردد بأنه لا يُمكن الوثوق ببري في حال تعرض لضغوط من الحزب، إلا إذا كان الأمر في سياق توزيع الأدوار. وقد كرر بري بالأمس موقفه بعد جلسة الانتخاب الـ45 الفاشلة، إذ قال في لقاء الأربعاء النيابي: "الاتفاق على جملة التفاهمات هو المعبر للحل المتكامل الذي يبدأ برئاسة الجمهورية".
من هذه النقطة تنطلق مصادر في القوات اللبنانية، لتُكرر ما ردده مراراً رئيس "القوات" سمير جعجع، لجهة أن حزب الله لا يُريد انتخاب عون رئيساً للجمهورية لأنه يُريد الفراغ. وتلفت هذه المصادر إلى أنها لم تكن بعيدة عن مبادرة الحريري هذه، بل تُشجعها. وتلفت في سياق إثبات وجهة نظر جعجع بأن الحزب لا يُريد انتخاب عون، إلى الموقف الذي أطلقه فرنجية، صباح أمس، عندما توجه للحريري بالقول "إذا اتفق سعد الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية سيحصد النتيجة نفسها حينما سمّى الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة سنة 1988"، ويقصد فرنجية بذلك انقلاب عون على القوى الحزبية وسيره بخيارات انتهت بتثبيت الاحتلال العسكري السوري للبنان. وتُذكّر المصادر القواتية بأنه سبق لفرنجية أن أعلن عدم وقوفه في وجه عون إذا ما توافر الإجماع حوله.
 
وفي هذا السياق، قال أحد نواب تيار المستقبل إن موقف فرنجية هذا ينبع من رفض حزب الله لانتخاب عون، وإصراره على استمرار الفراغ، "فمن استطاع أن يقنع فرنجية بعدم المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس رغم ترشيحه، يستطيع إقناعه بعدم خوض معركة في وجه ترشيح عون".
 
وترى المصادر القواتية أن الحراك الحاصل له إيجابيات عدة، فانتخاب عون تراه المصادر القواتية انتصاراً لخيارها، وفي حال أفشل انتخاب عون، فإن هذه المصادر ترى أن ذلك سيُعطي دفعاً إضافياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابيّة، خصوصاً أن هناك عملاً جدياً على التوفيق بين اقتراح القانون المختلط الذي تقدم به تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، والاقتراح الثاني المختلط الذي تقدم به بري، ويُشارك العونيون في هذا التفاهم.