منذ الصباح انتظر الجميع العبارة المفتاح في بيان كتلة «المستقبل»، المتعلقة بتأكيد تبنّي ترشيح النائب سليمان فرنجية.بورصة التوقّعات بين المتأكّدين من أنّ الكتلة ستتبنّى، والمتأكّدين من خلوّ البيان من دعم فرنجية، تراوَحت وتلاعبَت على إيقاع الشدّ والجذب الحاصل في كتلة «المستقبل»، والذي حسَمه الرئيس سعد الحريري أمس، حيث تجاوز من دون أن يعلن ترشيح فرنجية، وقرّر أن يدخل في المنطقة الضبابية قبل اتّخاذ القرار الكبير.
هل يمكن اعتبار أنّ ترشيح فرنجية بات من الماضي بالنسبة إلى «المستقبل»؟ على الأرجح بات الترشيح ورقةً مجمّدة، لكن غير ملغاة، فبمجرّد أن يزور الحريري بنشعي ويُصدر بيان يخلو من دعم فرنجية، وبمجرّد انقلاب موقف كتلة «المستقبل» التي أعادت في اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة منذ أسبوع ترشيح فرنجية، لتتجاهله في اجتماعها برئاسة الحريري، وبمجرّد قول الحريري إنّه لن يكون غطاءً للفراغ، فهذا يعني أنّ الحريري بات أكثرَ استعداداً لانتخاب بديل عن مرشّحه فرنجية، الذي لا تُخفي مصادر في «المستقبل» عتبَها عليه، لأنّه لم يقابل الثمنَ الكبير الذي دفعَه الحريري لترشيحه، بأيّ جهدٍ جقيقي مع حلفائه.
تقول المصادر إنّ الحريري دفعَ الكثير لتسويق ترشيح فرنجية، وكلّ هذه الأثمان لم تقابَل بموقف حقيقي يلاقي الحريري إلى منتصف الطريق، وكان المؤشّر الكبير، مقاطعة وزير فرنجية جلسة الحكومة بطلبٍ من «حزب الله» مراعاةً للمقاطعة العونية، كما أنّ مقاطعة كتلة فرنجية للجلسات الانتخابية، كانت قد أعطت انطباعاً بأنّ فرنجية يريد من الحريري أن يخوض المعركة بالنيابة عنه.
الواضح أنّ الحريري أراد من زيارته بنشعي، ومن البيان الذي صَدر عن كتلة «المستقبل»، أن ينتقل من موقع الملتزم بترشيح فرنجية إلى موقع المهيِئ لخيارٍ جديد.
وبغضّ النظر عن المصاعب التي تعترض هذا الخيار سواءٌ أكان تأييد العماد ميشال عون، أو طرح مرشّح ثالث، فإنّ الصعوبة تكمن في أنّ الحريري يُراد له أن يدخل في مغامرةٍ غير محسوبة النتائج، وقد تكون مكلفةً، خصوصاً في العلاقة مع السعودية التي تنظر إلى مرشّح كعون على أنّه المرشح الحليف لإيران، القادر على الإخلال بالتوازن، في ظلّ الصراع الممتد من اليمن إلى العراق فسوريا، وهذا هو السبب الأهم الذي يَمنع الاندفاع نحو ترشيح عون، من دون إسقاط العوامل الداخلية المتعلّقة بلاشعبية هذا الخيار في البيئة السنّية، وبمعارضة نوّاب كثُر في «المستقبل» انتخاب عون تحت طائلة الاعتكاف.
في الانتظار، فإنّ الانسحاب الموَقّت للحريري من ترشيح فرنجية والتموضُع في المنطقة الآمنة، قد لا يَطول، لكن ما قد يَجعله موقفاً ثابتاً هو «حزب الله» نفسه الذي أكّد أمينه العام السيّد حسن نصرالله في الأمس أنّ هناك فرصة بوجود مرشّحين للرئاسة من «8 آذار»، مضيفاً أنّه لا يجب تفويت هذه الفرصة بسحب فرنجية.
هذا الكلام يعني بوضوح أنّ الحزب متمسّك باستمرار ترشيح فرنجية، ويقف خلفه، وهذا ما يفسّر أيضاً تمسّكَ فرنجية بترشيح نفسِه بعدما زاره الحريري في بنشعي، وهو ما يصبّ في خانة تعطيل الاستحقاق الرئاسي والاستمرار بتحميل الحريري مسؤولية الفراغ، علماً أنّ الأخير بات أقربَ إلى انتهاج أسلوب كشفِ الأقنعة عن الوجوه، خصوصاً الذين يجاهرون سرّاً بمعارضة انتخاب عون، ويَرمون المسؤولية علناً على الحريري.
ويبقى السؤال: إلى متى ستطول إقامة الحريري في المنطقة الوسطى، وهل سينتقل خلال أيام إلى المبادرة رئاسياً بتأييد عون أو تسويق المرشّح الثالث الجدّي، وما هي قدرته على خرقِ الفيتو السعودي في حال قرّر اعتماد الخيار الأوّل؟ الأرجح أنّ كلفة هذا الخيار ستكون باهظة إنْ لم تحظَ بالغطاء السعودي، ولهذا يمكن توقّع أن يطول زمن التريّث.