لم تحمل الـ45، وهو رقم جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم النائب ميشال عون إلى قصر بعبدا، ومع ذلك، لم يقطع الرجل الامل، من انه بات قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة الأولى.
على هذا الأساس، خلا بيان تكتل «الاصلاح والتغيير»، بعد اجتماعه الأسبوعي، أمس، من الإشارة إلى موضوع الرئاسة، أو حتى الضغط في الشارع، وتضمنت الفقرة الأخيرة من البيان تقديم طمأنة «الى كل من يريد هذا الوطن موطناً للشراكة الوطنية والميثاقية وبناء الدولة».
هذه الطمأنة جاءت على لسان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي اضاف: «كنا وسنكون مدافعين عنه كدفاعنا عن انفسنا»، لكنه استدرك «الوفاق الذي نشهد محاولات لاحقاقه قد يتعرّض للتخريب»، مؤكداً «اننا سنتصدى له (أي لتعطيل الشراكة) بكل ما أوتينا من قوة حتى الشهادة».
وإذا كان هذا الموقف واضحاً لجهة توزيع انشغال الرابية بالمشهد الوفاقي الذي اشارت إليه، بين تفاؤل يقترب من الارتياح وخشية تقترب من القلق، فإن ما يربك الرابية، وفقاً لأحد زوارها، الموقف الذي لا يزال الرئيس نبيه برّي يتمترس وراءه بعنوان «السلة أولاً».
ولا تنظر الرابية بارتياح إلى متراس رئيس المجلس هذا، الذي يجمع بدوره معطيات ليبنى على الشيء مقتضاه عندما يُحدّد موعد جلسة انتخاب الرئيس المقبلة.
وتتصرف عين التينة على أساس ان ترشيح النائب سليمان فرنجية لم يسقط بعد، ولا مؤشر ملموس عن عدم استمرار رئيس تيّار «المردة» مرشحاً، فضلاً عن ان النقاشات لم تحسم بعد داخل تيّار «المستقبل» وكوادره وكتلته النيابية.
وتتجنب مصادر عين التينة الخوض في ما يدور مع قيادة «حزب الله» الذي لن يُشارك نوابه في جلسة الانتخاب اليوم، لكن كبار مسؤوليه لا يتورعون عن الدعوة لانتخاب النائب ميشال عون، الذي ألغى اطلالته التلفزيونية مساء أمس منعاً للتشويش على أجواء التفاؤل، وبناء على نصيحة من الوزير باسيل نفسه.
مشاورات الحريري
اما في «بيت الوسط»، حيث اطلع الرئيس سعد الحريري على مدى ساعة ونصف أعضاء كتلته على تصوره للمرحلة الراهنة لمقاربة الملفات الوطنية، والتي تضمنت أيضاً بدء مشاورات مع كل الفرقاء السياسيين لتفعيل العمل بهدف تسريع انتخاب رئيس الجمهورية، على ان تبقى اجتماعات الكتلة مفتوحة، فقد علمت «اللواء» ان مشاورات الرئيس الحريري لن تقتصر على مشاورات محلية، بل ستشمل عواصم إقليمية ودولية، فهو سيزور تركيا وروسيا، الأمر الذي يعني ان لا خطوات سريعة على صعيد هذا الملف، مع ان الهدف الحقيقي من وراء هذه المشاورات إنهاء الشغور الرئاسي الذي بات يحمل مخاطر جدية على البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويهدد بانهيار البلد، وبالتالي، فإن مبادرته الحالية تهدف إلى تدارك هذا الوضع الخطير المحدق بالبلاد.
وعلى هذا الصعيد، توقفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع عند الأجواء المحيطة بتحرك الرئيس الحريري ورغبة الأطراف على اختلافها، لا سيما «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بتحميله مآل الأمور الرئاسية واتهامه «بالعناد».
وحذرت هذه المصادر من هذا المنحى في التعاطي معفية نفسها من تقطيع الوقت وتمرير الأشهر والسنتين الماضيتين من دون إنهاء الشغور الرئاسي.
وأعادت هذه المصادر إلى الذاكرة، كيف ان مبادرات الحريري اسقطها حلف حزب الله - عون تباعاً من دون أي تفسير أو تعليل أو حتى حرج، فعندما تقدّم الرئيس الحريري بمبادرة جريئة قضت بترشيح النائب فرنجية وسحب ترشيح الدكتور سمير جعجع، لاقت الخطوة ردود فعل سلبية في القواعد الحريرية، ومع ذلك لم تحدث هذه الخطوة إنهاء الشغور الرئاسي، بل أخذت من رصيد الرجل وعرضت زعامته لبعض التصدع (انتخابات طرابلس مثلاً).
وبناءً على هذه السابقة وغيرها من السوابق السياسية لم تخف هذه المصادر خوفاً جدياً من ان يكون مصير انعطافة الرئيس الحريري نحو تأييد انتخاب النائب عون شبيهاً بمصائر المبادرات الماضية، وأن تؤدي إلى اضطراب داخل جمهوره وجسمه السياسي وبيئته، من دون التوصّل إلى الخاتمة السعيدة لانتخاب رئيس.
ولا تسقط هذه المصادر من حسابها التداعيات السلبية لمثل هذا التحوّل، ان على صعيد زعامة الحريري أو قيادته الوطنية على مدى عقد ونيف منذ اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، أو على صعيد الاعتدال الذي تمثله زعامته على المستويين الوطني والقومي.
وفي هذا الإطار، تساءل نائب في 14 آذار، رداً على سؤال لـ«اللواء»: «هل ثمة إمكانية للتوصل إلى تسوية رئاسية في لبنان على أساس تسوية أو تمهد للتسوية، في ظل الاشتعال العسكري في المنطقة، والعلاقات بين الدول الإقليمية الفاعلة البالغة التعقيد والمستعصية على المعالجة، قبل حسم الوضع في كل من سوريا والعراق واليمن والبحرين، حيث يتوزع نفوذ كل من المملكة العربية السعودية وإيران».
وأضاف هذا النائب: «هل أفرجت إيران عن الورقة اللبنانية وسمحت لحزب الله بتسهيل انتخاب الرئيس؟ أم أن «حزب الله» ومحوره يناوران في الوقت المستقطع، حيث أن لا قرار إقليمياً ولا دولياً على هذا الصعيد، وإن كان الاستقرار السياسي والأمني يعتبر بمثابة الخط الأحمر لحسابات ذات صلة بالحرب السورية».
زيارة أبو فاعور
في هذا الوقت، وفي موازاة المشاورات اللبنانية الداخلية، انصبّ الاهتمام على ما سمعه وزير الصحة وائل أبو فاعور من القيادة السعودية والذي نقله إلى كل من الرئيسين برّي وتمام سلام وفحواه: إن المملكة العربية السعودية التي تقف إلى جانب لبنان، وهي على مسافة واحدة من جميع طوائفه وتياراته السياسية لن تتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
ولمست شخصية لبنانية أن الموقف السعودي ثابت لهذه الجهة لكنه يتسم بالبرودة، الأمر الذي فسّر بأنه دلالة على أن المملكة لا تغطي أي خيار، وبالتالي غير معنية بما يترتب عليه من نتائج، في إشارة إلى احتمال تبنّي ترشيح النائب عون.
كتلة «المستقبل»
وبحسب معلومات «اللواء» فإن اجتماع كتلة «المستقبل» الذي لم يستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة، انتهى إلى شبه إجماع على رفض خيار تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، ولكن من دون أن يكرّس ذلك بقرار، على اعتبار أن قرار الكتلة التي أبقت اجتماعاتها مفتوحة، سيكون بعد انتهاء المشاورات التي سيجريها الرئيس سعد الحريري مع كل الفرقاء السياسيين.
ومع أن الرئيس الحريري الذي ترأس إجتماع الكتلة، وفق ما أشارت «اللواء» أمس، لم يسحب دعمه لترشيح النائب فرنجية، إلا أنه لفت نظر نواب الكتلة إلى المأزق الذي تواجهه البلاد، وهو استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، مما يرتب على ذلك من أحوال وظروف بالغة الخطورة على مختلف المستويات الوطنية والأمنية والاقتصادية والمعيشية، فضلاً عن شلّ عمل المؤسسات الدستورية، موضحاً بأنه يعتزم إجراء مشاورات مع كل الأفرقاء السياسيين لتفعيل العمل بهدف تسريع انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء الفراغ الرئاسي، قبل أن تصل البلاد إلى حالة الفراغ الشامل.
وأعاد الرئيس الحريري تذكير النواب بالفرضيات الثلاث التي سبق أن عرضها في آخر إجتماع للكتلة برئاسته في 8 حزيران الماضي، وهي:
- البقاء على الوضع الحالي، بما في ذلك الاستمرار في ترشيح النائب فرنجية.
- أو قلب الطاولة والخروج من الحكومة ومن الحوار الثنائي مع «حزب الله».
- أو البحث عن مخارج جديدة، بما يشمل تأييد ترشيح عون، مشيراً إلى أنه شخصياً لا يحبّذ تصوراً مسبقاً أو خياراً، باستثناء خيار إنقاذ البلد والبحث عن مخرج للمأزق الرئاسي، لافتاً إلى أن كل الخيارات مطروحة، وهذا الأمر مرتبط بالمشاورات التي سيجريها مع كل الأطراف.
وكشف مصدر نيابي شارك في الاجتماع، بأن كل الأمور مطروحة على الطاولة، وأن النقاش الذي شارك فيه كل النواب الحاضرين والذين لم يغب منهم أحد، باستثناء النائبين باسم الشاب ومحمّد قباني المسافرين في لندن، لامس كل الأوضاع التي يعانيها التيار، بما في ذلك حالة القلق لدى بيئة «المستقبل»، وحالة الصراع الإقليمي في المنطقة، إلى حدّ دفع أحد النواب إلى القول بأنه سيقطع أصابعه ولا يُسقط ورقة عون في صندوق الاقتراع، في حين وصف نائب آخر خيار ترشيح عون بأنه «إنتحار بالديمول».
وانتهى النقاش إلى شبه إجماع على رفض خيار عون، والذي كان بحسب أحد النواب خيار من بين ألف خيار.
ولوحظ أن بيان الكتلة الذي صدر بعد الاجتماع، لم يُشر إلى تمسكها بترشيح فرنجية، كما حصل في الاجتماع السابق، إلا أنه جدّد تحميل «حزب الله» مسؤولية استمرار الفراغ، ودعوة الكتل النيابية كافة إلى النزول إلى مجلس النواب اليوم لإنهاء أزمة رئاسة الجمهورية، آملاً أن تعيد القيادات النظر بسياساتها والمواقف السلبية والإقبال على انتخاب الرئيس.
لا جلسة للحكومة
من جهة ثانية، إستبعدت مصادر وزارية لـ«اللواء» إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع أو حتى في الاسابيع القليلة المقبلة، وتوقعت أن لا يدعو الرئيس تمام سلام الى جلسة قبل 13 تشرين الاول المقبل، ولكنها في المقابل شددت على أهمية إستمرار الحكومة بعملها لأنها ضرورة لا غنى عنها في ظل الفراغ الرئاسي من أجل تسيير شؤون الناس والبلاد، ولكي لا ترضخ الحكومة لاي أبتزاز سياسي بعد كلام التهديد والوعيد الذي يطلقه «التيار الوطني الحر»، وأخذه البلد رهينة ما يسمى الميثاقية.
ورأت المصادر أن حكمة الرئيس سلام بعدم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ستنقذ الحكومة من إستدراجها الى مزيد من المواجهة مع «تكتل الاصلاح والتغيير»، وشرحت المصادر ذلك  قائلة «أنه في حال دعا رئيس الحكومة لجلسة فأنه حكما سيتم خلالها طرح موضوع قيادة الجيش ورئاسة الاركان وعندها سيضطر نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل لعرض ثلاثة أسماء على المجلس للاختيار بينها، ولأن الامور غير مهيأة حاليا لتعيين بديل عن قائد الجيش العماد جان قهوجي، خصوصا أن هناك عدداً من الوزراء يرفض تعيين قائد للمؤسسة العسكرية قبل إنتخاب رئيس للجمهورية و لأن الفراغ في قيادة  الجيش أمر ممنوع في الوقت الراهن مع التطورات الامنية الحاصلة فأنه لا بد من إتخاذ القرار بتأجيل تسريح العماد قهوجي مما سيدفع بالتيار الوطني الحر لمزيد من التصعيد وسيتم التصويب حينها وبشكل مباشر على الحكومة وعدم ميثاقية الجلسة، ولكن في حال لم يعقد المجلس جلسة له فأنه من الطبيعي ان يمارس الوزير مقبل صلاحياته القانونية والدستورية عبر إتخاذه القرار بتأجيل التسريح فعندها يمر تأجيل التسريح بشكل طبيعي،» لذلك ترى المصادر انه ليس من مصلحة أحد عقد أي جلسة قبل تأجيل تسريح قهوجي، الامر الذي سيتم بقرار وزاري قبل نهاية الشهر الحالي.