قصف، حملة عسكرية، حصار، تجويع فتهجير الأهالي من مناطقهم، هي السياسة التي يتبعها النظام بدعم روسي وصمت عربي وتخاذل عالمي لاستكمال مشروع "سوريا المفيدة"، وبعد داريا وحي الوعر أخيراً يستعد النظام لتطبيق سياسته على حلب الشرقية، حيث سقط أكثر من 400 قتيل و1500 جريح خلال أقل من 10 أيام جراء الغارات التي تمطر الأحياء السكنية في المنطقة المحاصرة وتجاوز عددها 500 غارة، في وقت تتحدث فيه الوسائل الاعلامية عن استعداد جيش النظام وحلفائه لـ"اجتياح" بري من 4 محاور بدعم جوي روسي.
في المقابل، لا سبيل للمعارضة السورية المسلحة سوى التوحد ومواجهة الحملة العسكرية، باعتبار أن حلب اسراتيجياً تعتبر النقطة الأقوى للمعارضة وسقوطها يعطي النظام الكفة الراجحة في المفاوضات، وإذا لم تنعقد الأخيرة فانه سيكمل في سياسته التهجيرية لحشد كل معارضيه سواء عسكريين أو مدنيين في بقعة جغرافية واحدة، وستطرح التساؤلات فيما بعد عن مصيرها!
"جهنم"
المعارك في حلب تدور حالياً على محورين اثنين، الأول: مخيم حندارات في شمالي حلب، ويوضح عضو المجلس الاعلامي لحلب لـ"النهار" يمان خطيب أن "النظام حاول أن يتقدم على محور حندارات واستطاع أن يسيطر عليه لساعات عدة لكن المعارضة عادت واستردته من جديد"، أما المحور الثاني وهو حلب القديمة "حيث حاول صباح اليوم النظام ان يتقدم من جهة القصر العدلي لكنه فشل وخسر مجموعة من قواته".
كل الصور التي ينشرها الناشطون من داخل حلب الشرقية لا توحي سوى بمجزرة ترتكب في حق السوريين. أطفال ونساء وشيوخ ورجال تحت الركام وآخرون يعيشون لحظاتهم الأخيرة، أما المشافي الميدانية فلم تعد قادرة على تلبية الحاجة ليتحول المصابون بجروح حرجة وخطيرة إلى مشروع قتيل ينتظر نفساته الأخيرة أمام أعين عائلته ومحبيه.
"الهولوكوست" الذي رسمه النظام حوّل المنطقة المحاصرة في حلب إلى "جهنم"، لا يسلم فيها الحجر ولا البشر، ويقول خطيب: "الوضع الانساني مزري، والقصف لا يتوقف حتى لدقيقة واحدة وهنالك خشية من انهيار المنظومة الطبية بسبب القصف المتواصل والنقص في المستلزمات الاساسية، فضلاً عن استهداف المشافي ومراكز الدفاع المدني واطقم الاسعاف وهنالك ايضا نقص حاد بالمواد الغذائية والمحروقات والخبز وحليب الاطفال وانقطاع للكهرباء والمياه منذ أشهر". ويضيف ان "طبيعة حلب غير زراعية لذلك هي تعتمد على استيراد المواد من الريف، اضافة الى المساعدات التي كانت تدخل في شكل دوري للمدينة والآن هي محاصرة وتباد بالقصف الروسي والاسدي وسط صمت مطبق من دول العالم".
الخريطة العسكرية
الخريطة العسكرية لا تزال على حالها أمام عمليات الكر والفر وفشل محاولات الهجوم من النظام، ويقول اللواء فايز الدويري لـ"النهار": "هناك اخبار عاجلة عن هجوم من أربعة محاور مدعوم نارياً من الطيران الروسي وحلفاء النظام وميليشياته ويقال ان الهجوم تقوده قوات النخبة السورية"، معتبراً أن "هذه الخطوة هي ترجمة للمطالب الايرانية في شهر أيلول السابق بحسم أمر حلب ورفضت حينها روسيا لكن يبدو أنه بعد ما جرى في مجلس الأمن والخلافات مع أميركا روسيا عازمة على تقديم الجهد الناري لحسم أمر حلب عسكريا".
ورغم ذلك، يشدد الدويري على أن "الهجوم البري ليس سهلاً ولا يمكن حسم معركة حلب خلال ساعات أو أيام أو أسابيع، لكن هذه الحملة قد تحقق انجازات ميدانية باستعادة السيطرة على بعض الأحياء، ونتيجتها الحتمية تدمير مدينة حلب وتهجير سكانها وتحقيق تغير ديموغرافي، إذ تسعى القيادة السورية والايرانية والروسية إلى تنفيذ ما حدث في داريا والمعضمية والوعر وضمن حلب إلى سوريا المفيدة"، مضيفاً ان "سقوط حلب لن يكون سهلاً".
عدم العودة إلى الوراء
بالنسبة إلى العميد الركن هشام جابر فإن "الاستراتيجية السورية الروسية تعتمد على قاعدة: عدم العودة إلى الوراء، وذلك عبر إحكام الحصار واستمرار القصف ومحاولة التقدم بطريقة القضم، وذلك سيتستمر أياماً أو اسبوعاً لأن التقديرات تقول ان استمرار ذلك سيدفع المجتمع الدولي الى التحرك والولايات المتحدة ستطلب المخرج لهذه المجموعات المسلحة".
واذا لم يتحقق ذلك، فهناك خطة "باء" ستقدم عليها روسيا وسوريا، وهي في رأي جابر "الاجتياح لكنه أمر غير سهل، فالقتال داخل الأحياء سيكون مكلفاً جداً وهناك 250 الف نسمة والمجموعات المسلحة عددها كبير ومتمسكة بالأرض ولديها ملاجىء وكمائن وتستطيع ان تدافع عن نفسها، والسؤال الأهم: ما قدرات المحاصرين اللوجستية، وما مدة صمودها بهذه القدرات "، معتبراً ان "هناك دوراً لتركيا مع روسيا ولاقناع المسلحين وتأمين المخرج لهم".
ويقول جابر ان "المجتمع الدولي سيطالب بانقاذ حلب لكن لا امكانية لفك الحصار وكل المطالب الاميركية سواء باتفاق أو هدنة أو فتح الكاستيلو سترد عليه روسيا بانسحاب المسلحين من حلب وثانياً فصل "فتح الشام" (النصرة سابقاً) لكن الثاني مؤجل في الوقت الحالي". ويتمنى "ألا يحصل قتال وحرب شوارع في حلب لأننا حينها سنشهد "ستالينغ غراد" وتصبح أرضاً محروقة".
ما نصيحتك للمعارضة المسلحة؟ يجيب اللواء الدويري: "لم تعد تنفع النصيحة مع المعارضة، ولغاية الآن جهودها مشتتة في معارك متعددة وهناك قوات تقاتل في الجزء الشمالي والشمالي الشرقي من حلب، لهذا على المعارضة أولاً توحيد الجهود وانشاء بنية عسكرية واحدة مما تبقى من الجيش الحر مع الفصائل الاسلامية المعتدلة وفتح الشام وبالتالي تحديد اوليات المعارك بأنه يجب الآن عدم سقوط حلب وشن المعارك بوجه هذه القوات واعادة فتح طريق الراموسة لأن ذلك سيجبر النظام السوري على تغيير اتجاهه".
أما بالنسبة إلى جابر "فان حلب تحدد مصير وحدة سوريا"، وفي رأيه ان "هناك ثلاثة نقاط ترتبط بوحدة سوريا، دمشق والساحل السوري وحلب، اما المناطق الأخرى فلا تؤدي إلى تقسيم أو انشاء دويلات، وإذا سقطت مثلاً دمشق فيعني الامر ان تقسيم سوريا قد وقع، وابقاء الحكومة سيطرتها على المناطق الثلاثة يعني اغلاق اي مشروع للتقسيم، وإذا سيطرت الحكومة على حلب الشرقية يعني ان جنيف- 4 قد اقترب وسنرى حينها ضيوفاً جدداً كالاكراد والاتراك".
وللناشط يمان الخطيب قراءة، إذ يقول ان "النظام منذ بدء المعارك في حلب تجنب شن عمليات عسكرية في الاحياء السكنية نظراً لصعوبة التقدم والتحصين الجيد للثوار، والآن وبعد الحصار يحاول ممارسة الضغط الاعلامي والنفسي بهدف هزيمة الثوار نفسياً تمهيدا لعقد اتفاق اخراجهم من المدينة"، معتبراً أن "النظام ضعيف على الأرض وقواته مستنزفة طوال خمسة أعوام الماضية، ولن يستطيع رغم الكثافة النارية الروسية ان يحقق التقدم، كما أن حلب هي بيضة القبان ومن يسيطر عليها سيكون موقفه أقوى على الأرض وسياسياً، ولن تسمح فصائل الثوار بكل تشكيلاتها ان تسقط حلب بيد النظام".
محمد نمر