لا شك أن عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت أحدثت خرقا في الجمود المسيطر على المشهد السياسي المأزوم، فيما تُعلق آمال سياسية كبيرة على إمكان أن يطرح مبادرات رئاسية من شأنها إنهاء الشغور في سدة الرئاسة الاولى وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من عامين ونصف على هذا الشغور.
وعشية الجلسة الخامسة والاربعين للانتخاب، وفي ظل ارتفاع مستوى التوقعات السائدة حيال توجه الرئيس سعد الحريري إلى التوجه إلى المجلس النيابي لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا، بدا السؤال الأكثر تداولا في الاوساط السياسية والاعلامية في اليومين الماضيين: ماذا لو فعلها الحريري وانتخب عون، وهل يفعلها، وإذا فعلها ماذا ستكون كلفتها السياسية عليه وعلى تياره السياسي؟
لا تتوقف الاسئلة عند هذا الحد، بل يذهب العقلاء أو الواقعيون إلى السؤال عن الموقف السعودي، وهل يحمل الحريري قبولا سعوديا بعون ليمضي بمثل هذا الخيار؟ كما يسألون ما هي الضمانات التي يمكن "حزب الله" أن يوفرها للحريري لإنجاح المقايضة الرئاسية القاضية بقبول الحريري بعون مقابل قبول الحزب بالحريري رئيسا للحكومة من دون خطر إسقاط حكومته بعد أشهر على تشكيلها؟
تعدد الاسئلة لا يجد اجوبة كثيرة شافية لها. ولكن ما هو أكيد بالنسبة إلى مصادر قيادية مستقبلية هو الآتي:
- ان لا كلمات سرّ سعودية في الافق تدفع الحريري الى السير بعون رئيسًا.
- وأن أي قرار للحريري في هذا الشأن هو نتاج خيار شخصي غير مستند على رعاية إقليمية أو دولية بل عائد لحسابات خاصة بالزعيم السنّي وبطائفته وبمستقبله السياسي.
- أن لا ضمانات من الحزب تؤمن وصول الحريري إلى السرايا الحكومية، وخصوصا أن لا مصلحة للحزب الا بوصول الحريري ضعيفا الى السلطة. فالحزب لا يخفي قلقه من التمدد السنّي الواسع الناتج عن وجود اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري إضافة الى نحو 300 الف لاجئ فلسطيني، ما يؤثر على الخريطة الديموغرافية فقي البلاد.
- وعليه، فالحريري لن يخطو اي خطوة متهورة او متسرعة بل هو في صدد درس خياراته بشكل هادئ، وسيوسع مروحة مشاوراته واتصالاته تمهيدًا للوصول إلى قرار صائب. ما يعني ان جلسة الانتخاب الراهنة لن تحمل جديدا أو مفاجأة يترقبها العونيون بشدة ويروجون لها بقوة.
- في المقابل، ورغم الكلام عن ان الحريري لن يخطو اي خطوة غير منسقة مع حليفيه الدائمين النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري، فإن الرئيس الاسبق للحكومة الذي عاين سقوط حكوته وهو على باب البيت الابيض لن يخطو اي خطوة ستربك الحزب إذا لم يكن مستعدًّا بعد لخوض الانتخابات الرئاسية.
من هنا، فإن العين ليست فقط على الزعيم السنّي الابرز وما سيفعله حيال الاستحقاق الرئاسي، بل ايضا على القيادة الشيعية الاعلى وما ترتأيه حيال هذا الاستحقاق الداخلي فيما عينها تترقب ساحات الميدان السوري لتبني على الشيء مقتضاه!