تقلع المدرسة الرسمية اليوم بلا تحليق. يعود التلامذة الى صفوفهم في الموعد الجديد الذي قرره لهم وزير التربية الياس بو صعب عبر"تويتر" في 19 أيلول الجاري، أي عشية 20 أيلول التاريخ الذي كان مقرراً لانطلاق الدراسة، ما أحدث فوضى وارتباكاً لدى التلامذة والمدارس والمديرين والأساتذة، الى حد بات يشكك البعض ويتساءل عن إمكان العبور بسنة طبيعية، ويتخوف من ان تحمل معها الكثير من التعثر والإرتباك والإرتجال والضغوط.
وفي متابعة للملف كتب الزميل ابرهيم حيدر "عن عدد تلامذة سيحجون اليوم الى المدرسة الرسمية، لا يقل عن 550 ألفاً، بينهم نحو 280 ألف تلميذ لاجئ، وهي تستقبلهم، إذا سارت الأمور في شكل طبيعي، من غير أن تكون جاهزة فعلاً على مستوى التجهيزات وعلى مستوى الكادر التعليمي. هنا يأتي التلامذة الى مدارسهم وبينهم تلامذة كانوا في مدارس خاصة ما عادوا يتحملون نار الأقساط وكلفة التعليم التي ارتفعت أيضاً هذه السنة وأرهقت اللبنانيين، لكنهم ينتقلون الى التعليم الرسمي الذي يئن تحت ضغوط اللاجئين والإرتجال والقرارات العشوائية التي لا تفتح على الإصلاح، بل تزيد الأمور سوءاً، كما في عملية التحضير لانطلاق السنة الدراسية الجديدة.
تعثرت السنة الدراسية، وربما انتهت قبل أن تبدأ، على حد قول أحد النقابيين الذين يتابعون شؤون الاساتذة في التربية، إذ كيف يمكن إمرار السنة وعبورها، فيما المدارس تتخبط في تناقضاتها وتناشد المسؤولين تأمين متطلباتها، بينما تتحكم فيها حسابات سياسية وطائفية في أكثر من منطقة؟ يتحدث وزير التربية عن تبرير تأجيل الدراسة أسبوعاً، فيما المدارس تحتاج الى كل يوم دراسي، بعد تثبيت 140 يوماً دراسياً فعلياً وهو رقم يجب أن يخجل به لبنان الذي أصبح في الترتيب الأخير من حيث عدد ساعات التعليم السنوية، استناداً الى البنك الدولي. فوفق بو صعب إنه وردت الى التربية شكاوى من عدم اعتماد آلية شفافة في توزيع الأساتذة بالتعاقد الموقت على عدد من الثانويات، وان السياسة والمحسوبيات والهدايا في بعض الأحيان دخلت هذه العملية، كاشفاً انه تحقق من الأمر وتأكد له ان جزءاً من هذه المعلومات صحيح. لذلك ومنعا لإلحاق الظلم بأي أستاذ، أوقف عملية التوزيع، ما تطلب تأجيل الدراسة بضعة أيام ووضع آلية شفافة، وفرض تطبيقها على الجميع، حرصاً على مصلحة التربية والتعليم الثانوي. لكن ما حصل فعلاً لم يكن قائماً على الشفافية، اذ تدفع المدارس ثمن العشوائية والإرتجال والتسرّع، وفي مقدم ذلك التعاقد مع كل الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية، وعددهم أكثر من 2200 أستاذ، من دون تدريب، ولا تحديد حاجات الثانويات، وفق الاختصاص والمواد في المناطق، علماً أن أعداد المتعاقدين في الأساسي والثانوي الرسميين تخطى الثلاثين الف أستاذ، بالإضافة الى أساتذة متعاقدين كلفوا مهمات إدارية، بعضهم تخطى السن القانونية.
ولعل المفارقة الأصعب في انطلاق السنة الدراسية، تتمثل في تغييب الإدارة التربوية عن القرار. هذا أمر ظهر الى العلن، بعد تكليف وزير التربية لجنة متابعة العمل مع متابعي المناطق التربوية في مديرية التعليم الثانوي، وطلب من المديرية العامة للتربية مواكبتها مع اللجنة التي كلفها المهمة. هذا يعني استبعاد المديرية العامة، وموافقتها على قرار اللجنة الخاصة إعادة النظر في توزيع الأساتذة الناجحين، من دون الأخذ بتوصيات أو اقتراحات المديريات، وهو أمر أثارته رابطة اساتذة الثانوي، باعتراضها على تهميش مديريتهم، وتوجيهها اتهامات بأن فريقاً خاصاً مقرباً من الوزير يدير التربية ويقرر عن إدارتها.
وليس مفهوماً كيف يتم التعاقد مع كل الناجحين في مباراة مجلس الخدمة، فيما يتحدث أساتذة عن أن حاجات الثانويات الى أساتذة اللغة العربية مثلاً في منطقة معينة لا تتعدى ثلاثة، فيتم التعاقد مع عشرة ناجحين. وثمة حديث عن فائض عن الحاجة في بعض المواد الأخرى، لكن الحسابات السياسية والطائفية ومراكز القوى جعلت الأمر واقعاً، وكأن توزيع الأساتذة الناجحين يدخل أيضاً في بازار المحاصصة. وليس مفهوماً أيضاً مع انطلاق الدراسة ألا تكون لدى كبار الموظفين في وزارة التربية أجوبة عن المراجعات وأسئلة التربويين عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قرار إرجاء الدراسة الى اليوم.
ولأن الدراسة تحتاج الى مقومات، لا تبدو المدارس التي تستقبل التلامذة اليوم جاهزة فعلاً. وهذا الكلام برسم وزير التربية الذي وعد بدفع مستحقات صناديق المدارس، وهي اليوم فارغة، فيما بدا أن أعداد المتعاقدين فاقت أعداد أساتذة الملاك، علماً أن هؤلاء لم يتلقوا تدريباً على التعليم في موادهم، والكلّ يعرف أنه تم إلغاء وظيفة دور المعلمين، فيما كلية التربية لا تستقبل الأساتذة للتدريب إلا بعد تأمين الإعتمادات المالية. فكيف تعبر المدرسة الرسمية استحقاقها لهذه السنة، فيما يحكمها المتعاقدون بتوزيع عشوائي، ويقرر عنها فريق خاص بدلاً من الإدارة التربوية؟ ليست نهاية المطاف هنا عندما نعلم أن وزير التربية فتح أكثر من 330 مدرسة لدوام بعد الظهر، فيما أعلن بالأمس فتح 100 مدرسة جديدة لاستيعاب 45 ألف تلميذ لاجئ جديد، هم في غالبيتهم سوريون ثم فلسطينيون وعراقيون، فيما نبقى نتحدث عن 140 مليون دولار من الجهات المانحة لتعليم اللاجئين، علماً أن الكلفة المرتفعة التي يدفعها لبنان لتعليمهم، لا يقدم أي شرح مفصل عنها، وكيف تصرف، والى أي حد يستفيد منها تلامذة لبنان؟ ويعلّق أحد التربويين قائلاً: "نتغنى بفتح مدارس جديدة، ثم نبحث عن تلامذة لاجئين لاستيعابهم فيها.
المدرسة الرسمية تتعثر بالإرتجال وضغط اللاجئين
المدرسة الرسمية تتعثر بالإرتجال وضغط...لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
731
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro