تشكل جولة وزير الخارجية جبران باسيل في بعض مدن الولايات المتحدة للقاء المؤيدين العونيين هناك والتي تسير في موازاتها جولة مماثلة للعميد المتقاعد شامل روكز، بغض النظر عما اذا كانت الجولتان في موقع التنافس او موقع التكامل، الدليل الابرز بالنسبة الى اوساط سياسية عدة على توافر المعلومات الكافية لديهما بأن لا جديد تحت الشمس في ملف الرئاسة قبيل جلسة 28 الجاري بحيث كان سيضطر الوزير باسيل خصوصا لان يسارع بالعودة الى بيروت من اجل التحضير لهذه الجلسة التي تعقد بعد يومين باعتباره يتولى غالبية الاتصالات مع الافرقاء السياسيين. وهي معرفة ليست جديدة لا بل سابقة لانتهاء المشاركة في الوفد اللبناني في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة حيث انه تبين اكثر فاكثر من خلال اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة تمّام سلام مع بعض مسؤولي العواصم المؤثرة ان الاستحقاقات اللبنانية لا تزال في الغيب خصوصا ان كلمة رئيس الحكومة امام الجمعية العمومية تمحورت حول الطلب من الدول الفاعلة مساعدة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية. ولم تكن مناشدة سلام لتحصل من اعلى منبر دولي لولا ان المسألة لا تنحصر في عواملها الداخلية فحسب لا بل تأثرها بعوامل خارجية، وذلك في تعبير ديبلوماسي ترجمته العملية انه يعبر عن استرهان الواقع اللبناني في الصراعات القائمة في المنطقة. فرئيس الحكومة الذي نأى بالخلاف الداخلي في الحكومة مع "التيار الوطني الحر" عن اي ذكر له في نيويورك فيما وزير الخارجية رئيس "التيار" الى جانبه لن يجعل من مسألة الرئاسة فيما لو كانت مسؤولية داخلية صرفة مطلبا من اصدقاء لبنان من المجموعة الدولية. وهذا الموقف للرئيس سلام عززته اللقاءات التي عقدها والتي اثبتت له ان لا حلحلة في المدى المنظور ولا وجود للبنان على جدول اولويات دولية مزدحم اظهره الانشغال الكثيف بالسعي الى انقاذ الهدنة التي اتفق عليها الاميركيون والروس بالنسبة لسوريا الى الحد الذي بدت ثانوية وهامشية كل المسائل واللقاءات التي عقدت في نيويورك خارج اللقاءات او الاجتماعات التي تركزت على الحرب السورية خصوصا مع تفاقم الحرب على حلب وتوتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية اسقاط الهدنة. ومن غير المرجح ان يكون الرئيس سلام قد استقطب اهتماما يذكر حول انتخاب رئيس لبنان في ظل هذه الاجواء. لكن مع ان هذه المعطيات ليست جديدة باعتبار ان اجواءها تسيطر في بيروت من خلال تأكيد جميع المعنيين عدم توقعهم اي جديد في الملف الرئاسي في المدى المنظور بمن فيهم الحلفاء الجدد للتيار الوطني اي "القوات اللبنانية" التي استبعد نوابها انتخاب رئيس قبل نهاية السنة الحالية، فان هذه المعرفة السابقة لم تمنع التيار الوطني من تصعيد مواقفه ربطا بجلسة 28 الجاري ومن ثم استعدادا لاحياء ذكرى 13 تشرين الاول تاريخ اخراج الجنرال ميشال عون من قصر بعبدا بالقوة العسكرية السورية. وقد لا يوافق التيار العوني الرئيس سلام موقفه او تقويمه، لكن اجواء اللقاءات الدولية يفترض ان تكون اضافت مزيدا من المعطيات لدى وزير الخارجية رئيس التيار لجهة المسار التصعيدي في حال اعتماده ومداه في ظل افق سياسي مقفل لن ينفع التصعيد في ظله الى درجة عدم القدرة على العودة الى الوراء والذي لن يفيد سوى في مزيد من التوتير الداخلي الطائفي وفق الاستهداف السياسي والاعلامي للحملات التي يقوم بها التيار وفي تعميق الازمة في لبنان وظواهرها على كل المستويات.
عدد من الافرقاء السياسيين ليسوا قلقين في الواقع من التصعيد المحتمل للتيار العوني والبعض منهم يستعيد تفاصيل ما رافق التصعيد نفسه العام الماضي في المناسبة والذكرى نفسيهما، بمعنى الانضباط تحت سقف معين ولو كان مرتفعا نسبيا، لكن ثمة قلقا من التداعيات على صعد مختلفة. الا ان هذا لا يعفي الافرقاء السياسين كما العام الماضي من محاولة تأمين اخراج يساعد في استئناف الحكومة اجتماعاتها والتمهيد لاجتماع مجلس النواب في جلسة تشريعية مع بدء العقد العادي للمجلس. ولذلك يوضع قانون الانتخاب في واجهة المطالب التي قد تشكل تعويضا معنويا مقبولا وذلك تحت عنوان تلبية مطلب مسيحي مزمن على رغم عدم جهوزية الافرقاء للموافقة او الاتفاق على قانون انتخاب جديد. ما يميز المرحلة الراهنة هو ان مرور سنة اضافية على الوقائع نفسها لا يجعل منها اكثر قابلية للتطبيق وفق الشروط المعلنة التي لا تزال هي نفسها والتي لم يدخل عليها اي تعديل يذكر، ولو ان دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية دخل على المشهد السياسي واحتل حيزا منها هو احتمال الوصول الى الانتخابات النيابية في الربيع المقبل من دون وجود رئيس للجمهورية او انتخاب رئيس جديد. واللافت ان هذا الاحتمال مقلق لبعض العواصم المؤثرة بحيث ربما تضغط في اتجاهات معينة من اجل حصول الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، علما انه بالنسبة الى هذه العواصم سيكون متعذرا حصول انتخابات نيابية على اساس اي قانون من دون اتفاق سياسي يبدو متعذرا على رئيس للجمهورية في ظل الصراع القائم، فكيف سيكون متاحا بالنسبة الى انتخابات نيابية هي جزء من الصراع والفوز بها محوري واساسي شأن الفوز برئاسة الجمهورية.