«6 ملايين ونصّ القسط، 950 ألف أوتوكار، 300 ألف لائحة الكتب، 100 ألف الزيّ المدرسي». تُعدِّد مريم ما يتوجَّب عليها من دفوعات مدرسية على الولد الواحد، فيما يجلس زوجها قبالتها على الكنبة بيدٍ يضغط على أزرار الآلة الحاسبة، وبالأخرى يُمسك سيجارته. يصمت برهة منبهراً أمام الرقم على الشاشة، فتبادره زوجته: «طوِّل بالك، ضروب المبلغ بـ3 عنّا رياض وميا وبيا»، فيُكمل الزوج الحساب: «هيدا كلّو ما أكلنا ولا شربنا»، يُتمتم وهو عاجز عن قراءة المبلغ.
يَحزم التلامذة أمتعتهم إستعداداً لانطلاق العام الدراسي، على وقع تأفّف الأهالي واشتداد الكباش بينهم وبين الإدارات. «إذا ما غَلّو القسط بيغلّو النقليات، إذا لأ بيغَلّو القرطاسية»، خوفك عليُن؟»، هذا ما تقوله رحاب بنبرة غاضبة، نتيجة خبرتها الطويلة في التعاطي مع إدارات المدارس. فتروي لـ«الجمهورية»: «لديّ 5 أولاد، طفتُ بهم على عدد لا بأس به من المدارس.
لا شك في أنّ بعض الزيادات مَنطقي من حين إلى آخر، ولكن «للأسف اسْتَحلينا شي سنة ندفع مِتل يلّي قَبلا»... نتبلّغ سنوياً بمصاريف إضافية». وتتابع بعينين جاحظتين: «في حال غياب أيّ زيادة مباشرة يحلو للإدارات اعتماد طبعات جديدة من الكتب، فتفقد المستعملة قيمتها ولا يعود في وسع الأخوة تبادل كتبهم».
أمّا أمّ حسام فتشكو من كلفة دفع القرطاسية «الـ بَلا طَعمة»، قائلة: «ندفع 300 دولار مقابل 5 دفاتر، قلمين وممحاة، و»بيكار»، أغراض سرعان ما تُفسد عند أول استعمال، فنُجبر على شراء قرطاسية ثانية، وطبعاً بربع ما ندفعه للمدارس».
فيما تتذمّر وفاء من النوعية السيئة المعتمدة للزيّ المدرسي، فتقول: «الحمد الله أنّ الزي المدرسي بالليرة اللبنانية ولا يتجاوز الـ75 ألف، بين بنطال وقميص وكنزة، فتبيّن لنا أنّ القماش المستعمل هو الأسوأ، لذا أمضينا العام نشتري الملابس كشربة مياه».
الأب عازار
تطول شكاوى الامهات وتتشعّب معاناتهم، إلّا أنّ الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار يُحاول وضع الأمور في نصابها، مؤكداً «أنه لا يفرض بتاتاً على إدارات المدارس زَودة على الأقساط، ولا هي «بتفتَح عَ حسابها».
ويوضح لـ«الجمهورية»: «ينظّم القانون 515، الموازنة المدرسية التي تُشكّل أجور المعلمين والموظفين على الاقل 65 في المئة منها، وكلفة تطوير المدرسة وتجهيزها 35 في المئة على الاكثر، وفي ضوء الموازنة يتمّ تحديد القسط المدرسي، أي يقسم المبلغ على عدد التلاميذ، مع الاشارة إلى أنّ الادارات، حفاظاً على عدم رفع الأقساط، غالباً ما تُضحّي بجزء من مصاريفها التطويرية».
زيادة محتملة
ورداً على سؤال، هل بقاء الاقساط على حالها، مطلع العام الدراسي الحالي، يعني حكماً غياب أي زيادة لاحقة خلال العام؟ يجيب عازار، محاولاً امتصاص خوف بعض الاهالي: «قد تلجأ المدرسة إلى «فرض زَودة» على الاقساط من دون الاعلان عنها مطلع العام. إذ تُقدم الإدارات موازنتها في 31 كانون الثاني إلى وزارة التربية، (في حال أيّ تأخّر تتكبّد غرامة)، بعد موافقة لجنة الاهل وتوقيعها قبل الموعد المحدد.
لذا، بعد تحديد الموازنة تُعيد بعض الادارات تحديد أقساطها بعد الفصل الاول وقد تحتاج إلى رفعها لتغطية مصاريفها، فيما تعمل مدارس أخرى بطريقة مغايرة، حرصاً منها على عدم مفاجأة الأهل منتصف العام، فترفع أقساطها منذ مطلع العام آخذة في الحسبان مصاريفها تقديرياً، وفي حال لم تبرّر الموازنة القسط، تُجبر الإدارات على إعادة جزء من كلفة الاقساط إلى الاهل».
ويتابع: «لهذا السبب تنبّه المشترع للأمر، وحدّد أنّ أول قسط من العام الدراسي يجب أن يشكّل 30 في المئة من القسط العام للسنة الدراسية المنصرمة، فضمن بذلك أنّ المدرسة لا تأخذ قسطاً عشوائياً إنما ضمن القانون، على سبيل المثال، إفترضنا أنّ القسط هذا العام 6 ملايين ليرة، فيما العام المنصرم كان 4 ملايين، القسط الاول من هذا العام يجب أن يكون 30 في المئة من قسط السنة الماضية».
1800 دولار «أوتوكار»!
أمّا عن ارتفاع كلفة النقليّات، على سبيل المثال من الحدث إلى المنصورية تصل كلفة «الاوتوكار» لإحدى المدارس إلى 1800 دولار سنوياً، يتوقف عازار عند جملة أسباب تؤثر في رفع التكاليف، قائلاً: «أولاً بعض المدارس يلجأ إلى تلزيم عملية النقل لأشخاص، لشركات خاصة، ممّا يضاعف الكلفة.
ثانياً إحتمال ارتفاع أجور السائقين، ثالثاً تجهيز الباصات، رابعاً إرتباط النقليات بأسعار المحروقات المتقلبة»، مؤكّداً غياب «آلية تضبط كلفة النقليات، ولا سيما أنّ القانون يقف عند حدود عدم إلزام الإدارات لتلامذتها باستخدام باصات المدرسة». ويرفض عازار اعتبار أنّ «الإدارات تتحكّم بأعناق الاهالي»، قائلاً: «إختيار المدرسة حرّ، أمام الاهل قائمة طويلة من الخيارات، لدينا نحو 335 مدرسة كاثوليكية، وتضمّ نحو 190 ألف تلميذ».
1562 مدرسة خاصة
ينتشر في لبنان 1562 مدرسة خاصة، وتضمّ نحو 750 ألف تلميذ. إذ يُشكّل التعليم الخاص «70 في المئة من التعليم في لبنان»، على حدّ قول رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية عماد الأشقر، الذي يؤكد «أن لا زيادات مبدئية مطلع العام، نظراً إلى بقاء الرواتب والاجور على حالها».
ولكن في الوقت عينه يعجز عن تقديم ضمانات لعدم رفع الاقساط، قائلاً لـ«الجمهورية»: «الزيادة لا يمكن حسمها قبل كانون الثاني، ولا نخفي أنّ بعض الاهالي يتوجّهون إلى المدارس الرسمية نتيجة الظروف المعيشية الصعبة».
لجان الاهل
في هذا السياق، يُحمّل الاشقر لجنة الاهالي مسؤولية كبيرة في مراقبة أداء الإدارات والمساهمة في تقديم الاقتراحات، قائلاً: «لا بدّ للأهالي من الاقتراع، والترشّح والمشاركة في تشكيل لجان الاهل من دون الاستخفاف بدور هذه اللجنة، بذلك لا يعود في وسع الإدارات الاستحواذ على القرار، أو المضي في أيّ مشروع من دون موافقة الاهالي».
ويضيف: «يتذمّر الاهل من الإدارات التي تفرض لجنة محددة، لكن في الحقيقة لم يكن أمام تلك الادارات خيارات أوسع، لذا كلما شارك الاهالي بكثافة إتّسع حجمهم وأصبحوا شركاء في القرار لا سيما على مستوى تحديد القسط المدرسي، فالأهل هم المتراس الاول لمنع الزيادة».
من جهتها، تؤكّد رئيسة اتحاد لجان الاهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان الفتوح وجبيل ميرنا خوري «أنّ الزيادات التي لحقت الاقساط في الاعوام المنصرمة كانت أكبر من قدرة الاهالي على تكبّدها، ولا يزالون يرزحون تحت ثقلها».
وتأمل في حديث لـ«الجمهورية» توسيع صلاحيات لجان الأهل قائلة: «قضايا جمّة لا يمكننا التأثير فيها خصوصاً مع الإدارات التي تعمل على تحسين الظروف التعليمية لأولادنا أو تسهر على تحديث مبانيها، لذا نجِد أنفسنا بين «شاقوفَين».
وتضيف: «نأسف لغياب أيّ دور لنا في مراقبة أسعار الزي المدرسي على سبيل المثال أو النقليات، لذا غالباً ما نتحاور مع الإدارات «بِالأمَليّة»، وبالتمني لنتمكن من إبقاء الظروف مؤاتية لمعيشة الاهالي».
لأصحاب المكتبات صرختهم
حيال صرخة الاهالي، على مشارف العام الدراسي، هناك صرخة مزدوجة يطلقها أصحاب المكتبات الذين هم أهل وأصحاب مصلحة في آن معاً. إذ منذ سنوات تعمد إدارات المدارس إلى تأمين الكتب المدرسية ضمن جدرانها، ممّا يُبطئ حركة البيع في المكتبات. في هذا السياق، يقول ابو فادي الذي التقيناه في مكتبته في عين الرمانة: «لجأنا إلى الحسومات لتشجيع الاهالي ولتحريك وتيرة العمل، او تقديم «التجليد» مجاناً». ويضيف: «لو الشغل ماشي ما منقَدّم عروضات»... المؤسف انّ المدارس قَلّصت حركة بيعنا من خلال تعاونها مباشرة مع دور النشر».
ويتابع وفي صوته غصّة: «كَمَالِك مكتبة في حال أردت شراء الكتب من أيّ دار نشر لا يقبل أن يَستردّ أي كتاب، ويكتفي في إجراء حسم لي لا يتجاوز 20%. في المقابل يقدّم تسهيلات أكبر لإدارات المدارس كاسترجاع الكتب، والحسم لها نحو 40% من الفاتورة. لذا، تروّج إدارات المدارس لدار نشر على حساب آخر».
التربية... بس 500
في الختام، وسط ما تفرضه عودة المدارس من أعباء على الاهل وزحمة في البلد، يصعب تجاهل، ليس فقط تفاوت الاقساط بين المدارس، إنما اسعار الكتب.
وفي نظرة سريعة على الاسعار، نجد أنفسنا في سباق من نوع آخر على تسجيل الثمن الأغلى للكتاب اللبناني، ناهيك عن أسعار كتب البكالوريا الفرنسية المُسعّرة باليورو. إذ يمكن لكتاب القراءة وتطبيقه في المرحلة الابتدائية أن يلامس الـ70 ألف ليرة، أو لكتاب الرياضيات أن يباع بـ50 ألف، والأمثلة كثيرة.
في المقابل، يبرز كتاب التربية المدنية «الأرخص»، فهو لا يتجاوز الـ2000 ليرة في المرحلة ما قبل الثانوية، أما تطبيقه فهو «بَسّ بـ500». وما يَحزّ في النفس إحجام كثيرين عن شرائه، وتكدسه في المكتبات. فهل نسأل بعد عن أسباب انعدام جذور التربية، ومنها التحلّي بروح المواطنة إلى التزام قانون السير، واحترام التعددية، وغيرها من القيَم؟
نتالي إقليموس