يتحدث المؤرخون والمحللون والمواطنون العاديون منذ ايام عن المناظرة الاولى بين المرشحة الديموقراطية للرئاسة الاميركية هيلاري  كلينتون  ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب  التي ستجري في التاسعة مساء اليوم بتوقيت  نيويورك ,  حدثاً تاريخياً من المتوقع ان يراقبه 100 مليون شخص، مماثل لمناسبات رياضية او ترفيهية او سياسية يتجمع حولها عشرات الملايين من المواطنين وتتحول الى معالم في حياتهم يذكرونها لسنوات، مثل الهبوط على القمر، وجنازة الرئيس جون كينيدي، مباراة الملاكمين محمد علي وجو فريزر، او حلقة المسلسل التلفزيوني "دالاس" بعنوان "من قتل جي آر" او مباريات بطولة كرة القدم الاميركية "السوبربول".

وكانت المناظرة الاولى بين الرئيس جيمي  كارتر  ومنافسه الجمهوري رونالد ريغان في 1980 قد جذبت انظار اكثر من 80 مليون نسمة، وهو اعلى رقم يراقب مناظرة تلفزيونية. وسوف تجري المواجهة الاولى في جامعة هوفسترا في نيويورك امام جمهور من مؤيدي المرشحين، وسوف يديرها الاعلامي التلفزيوني المخضرم في شبكة "أن بي سي" الاميركية للتلفزيون ليستر هولت . وسوف تبث جميع القنوات التلفزيونية الرئيسية المناظرة، فضلاً عن ان الناخبين يمكن ان يشاهدوها على صفحات "الفايسبوك" وحسابات التغريد.
وهذه هي المرة الاولى التي يجد فيها ترامب نفسه في مواجهة خصم واحد لمدة ساعة ونصف، بعدما شارك خلال الانتخابات الحزبية في مناظرات كثيرة مع منافسين كثر شاركوه خشبة المسرح، حيث كان ينجح في الاجوبة القصيرة والعامة واللاسعة، ولكن طبيعة مناظرة نيويورك قد لا تسمح له بذلك. الاهتمام بالمناظرة كبير لدرجة ان بعض الدعايات التلفزيونية الطريفة التي ستبث قبل وبعد المناظرة ( لن تكون هناك أي دعايات خلال المناظرة) هي مستوحاة من السجال الانتخابي.
ومما يجعل مناظرة  كلينتون - ترامب جذابة ومثيرة هو طبيعة وخلفية المرشحين، وكدنا ان نقول الملاكمين او المصارعين. ففي زاوية من الحلبة هناك هيلاري كلينتون،(69 سنة) أول امرأة يرشحها حزب رئيسي لمنصب الرئاسة، وهي سياسية مخضرمة وكانت سيدة اولى لثمانية سنوات، وعضو في مجلس الشيوخ لثمانية سنوات، ووزيرة للخارجية لاربعة سنوات. ولكنها تعاني مشكلة صدقية بسبب ميلها للسرية، وبسبب ممارسات مثيرة للجدل ويعتبرها البعض غير اخلاقية مثل اخفاء حقيقة انه كان لديها جهاز خاص لبريدها الالكتروني عندما كانت وزيرة للخارجية خارج اشراف الوزارة. وهذا ما يفسر وجود اكثر من ستين في المئة من الناخبين الذين يقولون انهم لا يثقون بها. ولكلينتون خبرة كبيرة وباع طويل في المناظرات والمبارزات الكلامية.
وفي الزاوية الاخرى في الحلبة، هناك ترامب ( 70 سنة) الذي لم ينتخب لأي منصب في حياته، وهو مقاول يعاني النرجسية ويعرض غطرسته كما يعرض الطاووس ريشه، ويعرفه ملايين الاميركيين نجماً تلفزيونياً ومتعهداً لمباراة ملكة جمال اميركا والعالم، وله لسان سليط وجلد رقيق جدا ولا يتحمل أي نقد، حيث يبدو دفاعه الاول سيل لا يتوقف من الاهانات. ترامب يدعي ان ثروته تزيد عن 8 مليارات، ولكن لا احد يصدق ذلك. ونادرا ما يقول اي شيء من دون مبالغة او كذب سافر. كل ذلك جعله ظاهرة سياسية-انتخابية غير معهودة في الحياة السياسية الاميركية، وكأنه سياسي لا يعلق عليه شيء. وعلى سبيل المثال ترامب هو المرشح الرئاسي الوحيد منذ الرئيس ريتشارد نيكسون الذي لم يعلن عن سجله الضرائبي، وهذا أمر يعتبر من اهم شروط الترشح. ومنذ حصول كلينتون وترامب على ترشيح حزبيهما، والسجال بينهما – وعبر دعاياتهما التلفزيونية والالكترونية- يزداد حدة وفظاظة وفضائحية مع مرور كل يوم.
ولكل هذه الاسباب المناظرة مثيرة، ويراها البعض ترفيهية في أسوأ الحالات، لانه لا احد يعلم ما اذاكانت التسعين دقيقة المخصصة لها ستشهد مناظرة تقليدية وفقا للشروط المعروفة، ام سيحولها ترامب مبارزة حياة او موت يستخدم فيها كل ما في ترسانته من اسلحة لفظية واهانات وسخرية، ام سيحاول، كما فعل في مناسبات معدودة بعدما استمع لنصائح مستشاريه بان يبدو ويتصرف "بشكل رئاسي" وان يتحلى بالصبر والهدوء والتأني وقياس كلماته بدقة قبل ان ينطق بها. وهذا يعني ان ترامب هو المرشح الذي سيجلب العدد الاكبر لمشاهدة المناظرة. والسؤال "أي ترامب" هو الذي تعاملت معه حملة كلينتون في الاسابيع والايام الماضية خلال التحضيرات التي اجرتها والمناظرات الوهمية او التجريبية التي اجرتها مع مساعديها وشملت كما قال المسؤولون في الحملة: ترامب الفظ والعدائي والزقاقي، وكذلك ترامب الهاديء والمتوازن. من جهتها سوف تحاول كلينتون استفزاز ترامب، ولكن ليس بشكل سافر، لاغضابه ودفعه لارتكاب اخطاء كبيرة او التصرف بشكل عدائي لن يكون السهل غفرانه. أكثرية الذين سيراقبون المناظرة قد حسموا أمرهم لمن سيصوتون في 8 تشرين الثاني المقبل.
ووفقا لاستطلاع للرأي اجرته صحيفة "النيويوك تايمس" وشبكة "سي بي أس" الاميركية للتلفزيون فإن 83 في المئة من الناخبين المسجلين قد قرروا لمن سينتخبون. لكن وفقا للاستطلاع ذاته هناك 8 في المئة من الناخبين لم يتخذوا حتى الان موقفا نهائيا من المرشحين. ولكن في سباق متقارب يتبادل فيه المرشحان المرتبة الاولى وخصوصاً في الاستطلاعات التي تجري على المستوى الوطني (عكس استطلاعات الولايات غير المحسومة، وهي الاستطلاعات الاهم) فان هذا الرقم المتواضع يمكن ان يحسم من سيفوز في بعض الولايات المتأرجحة. ولذلك، قد لا يكون من المبالغة القول انه بعد المناظرة، قد نتعرف على الرئيس الاميركي الجديد.