حين يقرر رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى جلسة عامة تشريعية، فهو يدرك جيدا حجم العراقيل والعوائق التي سيصطدم بها، إذ إنه اعتاد مواجهة رفض التشريع في زمن الفراغ والشلل، فهل من مؤشر مختلف هذه المرة؟
واقعيا، يدخل مجلس النواب العقد العادي الثاني للتشريع، في أول ثلثاء يلي 15 تشرين الأول. وواقعيا أيضا، تخصص أول جلسة لإعادة انتخاب المطبخ التشريعي للمجلس، أي للتجديد للجان النيابية الـ16 ولهيئة مكتب المجلس المؤلفة من مفوضين ثلاثة وأميني سر. عند هذا الحد، يتوقع ألا يكون هناك أي مشكلة، فتلك الجلسة تعتبر لغالبية الكتل النيابية، جلسة عادية دورية، يفترض ان تنعقد حفاظا على هيكلية الإطار التنظيمي للمجلس. ولا يهم إذا كان هذا التجديد سيستتبع بالتشريع أم لا!
عادة لا مشكلة، أو بالأحرى لا معركة عند إعادة انتخاب اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس، وإذا كان هناك تغيير، فلن يكون التبديل جوهريا، أي أنه يبقى في دائرة الكتل النيابية نفسها، أو حداً أقصى في دائرة التكتلات السياسية الحليفة.
وعند هذا الحد، يتوقع أن تمر الجلسة المفترضة الثلثاء في 18 تشرين الاول المقبل، بسلاسة. أما إذا قرر بري الدعوة بعد هذا التاريخ، الى جلسة تشريعية، وهذا ما هو متوقع، فان الجدل القديم – الجديد حول أحقية التشريع ودستوريته سيعود حدثا اساسيا على الساحة اللبنانية، فأي موقف ستتخذه الكتل النيابية، ولا سيما منها المسيحية؟
عادة يخصص مجلس النواب عقده العادي الثاني للتشريع للبحث في الموازنة وإقرارها، وهذا العقد الذي يبدأ من اول ثلثاء يلي 15 تشرين الاول، سينتهي في آخر السنة، وذلك وفق المادة 32 من الدستور.
ومن المعروف أن كتلتي "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" سبق أن خاضتا في الماضي "معركتين"، رفضا للتشريع.
في المعركة الاولى، أصرّت الكتلتان على إدراج قانون استعادة الجنسية، وأدرجت معادلة "الحفاظ على حقوق المسيحيين" في مرتبة الأسباب الأولية. صحيح أن القانون أقرّ، إنما مفاعيله بقيت بلا نتائج ملموسة، في وقت تنتهك فيه حقوق اللبناني، وليس المسيحي فقط، وفي وسط بلده، فأي حقوق سيحفظه هذا القانون لهؤلاء المنتشرين في أصقاع الارض؟!.
وفي المعركة الثانية، بقي "القوات" و"التيار" مصرّين على رفض التشريع في زمن الشغور الرئاسي، إلا إذا ادرج قانون الانتخاب على جدول اعمال الجلسة.
وبقيت كتلة الكتائب، كما في المعركة الاولى ترفض التشريع بالمطلق، بسبب الفراغ الرئاسي، معتبرة ان مجلس النواب هو حاليا هيئة ناخبة وليس هيئة تشريع.
يومها، وبعد جدل وأخذ ورد، لم يدعُ بري الى جلسة تشريع، بل الى لجان نيابية مشتركة لدرس قانون الانتخاب. هكذا، طار التشريع، والمفارقة كانت ان طار معه قانون الانتخاب.
فبعد جلسات معدودة للجان، لم يتمكن النواب من إقرار أي مسودة قانون، او في الحد الادنى لم يستطيعوا الاتفاق على عناوين عريضة. وان اتفقوا على مبدأ الصيغة المختلطة، أي المزاوجة بين الأكثري والنسبي، عادوا الى النقطة الصفر، بعدما "قفزت" طاولة الحوار الى المطالبة بمجلس شيوخ، طار هو الآخر تدريجا، فتمدّد الشلل بأقصى صوره.
اليوم يعود الجدل نفسه بحلول تشرين الأول، ولا تزال المواقف على حالها.
"القوات" و"التيار"، وفق اوساط الطرفين، سيتخذان "الموقف المناسب وفي الوقت المناسب"، ولن يستبقا اي دعوة لبري، بل سيبنيان "على الشيء مقتضاه، وفق جدول الاعمال"، ويلفتان الى أن التنسيق جار بينهما "لاتخاذ موقف موحّد".
في الشكل، قد تكون دعوة بري حفاظا على "ماء الوجه"، ولا سيما اننا نعيش في زمن الشلل التام، رئاسيا وحكوميا ونيابيا.
أما في المضمون، فإن سلّة من اقتراحات القوانين والمشاريع لا تزال تنتظر أمام باب الهيئة العامة، منها ما هو مالي واجتماعي وتربوي وصحي. والأهم أن العقد الثاني للتشريع يخصص لدرس الموازنة، وفق نص مشروع قانون يرسل من الحكومة الى مجلس النواب. ووسط التأزم الحكومي، يبقى مصير مشروع الموازنة معلقا، كما كل شيء مفصلي في هذا البلد.
بات لبنان كلعبة "البازل" تتفكك قطعه رويدا رويدا، والخوف من الوصول الى الفوضى العارمة.
لطالما لفت "القوات" و"التيار" الى أن التشريع وسط الفراغ الرئاسي، ينبغي ان يكون للضرورة فقط، ووفق نظرة الكتلتين، فإن هذه الضرورة هي "لانبثاق السلطة السياسية والمالية"، أي لإقرار قانون الموازنة وقانون الانتخاب فقط.
هكذا، تتجه الانظار مجددا الى خط عين التينة - الرابية - معراب، فهل سيمر التشريع هذه المرة، أم نكون أمام فراغ متمدد؟
منال شعيا