غادر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام نيويورك ولم يلتق أيا من المسؤولين الاميركيين باعتبار انه في المدينة بهدف المشاركة في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة فقط. رب قائل ان الرئيس سلام التقى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف فهل كان بالامكان أن يلتقي وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي كان متابعا مع نظيره الروسي لوقت طويل الازمة السورية؟ ربما الجواب يكمن في موضوع الازمة السورية التي شغلت العالم الذي تجمع هذا الاسبوع في سوق عكاظ الدولي. وبدا لبنان وكأنه وحيدا وسط هذا الانشغال كما بدا ان الرئيس سلام كمن يسبح عكس التيار لعل وعسى.
في نيويورك حيث "جمهورية" الامم المتحدة، كما حال الفاتيكان في روما، لا يبدو ان هناك مكانا في العالم غير الولايات المتحدة الاميركية يستطيع توفير مناخ ليتلاقى فيه ساسة العالم. في الشكل، هذا الصرح العملاق للمنظمة الدولية يلقى كل ما يريد من امكانات. ولو استعرنا واقع لبنان لوجدنا ان ناطحة السحاب الرئيسية للمنظمة لو كانت على الاراضي اللبنانية لكانت نطحت رأسها بالارض لانقطاع الكهرباء والمياه. وفي المضمون، كان أمرا طبيعيا أن نشاهد تظاهرة مزدوجة لمؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومعارضيه في وقت واحد في حمى شرطة نيويورك التي لها كل الهيبة كي لا يبدأ المتظاهرون بشقيّهما حفلة عراك.
في نيويورك حلّت السكينة على الزعماء الآتين من أنظمة القمع وكأنهم غير أنفسهم في بلادهم. وبدا هؤلاء في حالة إعجاب فيما راح الرئيس الاميركي باراك اوباما، في خطبته الاخيرة كرئيس، يحاضر في الديموقراطية. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا اوباما. إذ جاء الرد سريعا على لسان الرئيس الايراني فقدّم درسا في الديموقراطية كما تفهمها طهران. فدعا الى الاحتكام الى صناديق الاقتراع في سوريا مع استمرار غارات الطيران وبراميل الاسد. وفي سياق متصل وتحت عنوان "يبتسم بينما سوريا تحترق، الاسد باق آمن في السلطة بلا محاسبة" كتب بن هابرد في "النيويورك تايمس" يقول: "في اليوم التالي لعيد ميلاده الـ 51 قام بشار الاسد رئيس سوريا... في الشوارع المغبّرة لبلدة المعارضين (داريا) المدمّرة والخالية والتي فرضت عليها قواته التجويع والاستسلام... راح يتجوّل مبتسما بقميص مفتوح عند قبته وسط المتاجر الخالية والابنية المدمّرة متعهدا باستعادة كل المناطق من الارهابيين!"
من نعم الدورة الحالية للامم المتحدة انها أعادت الدفء الحكومي بعد صقيع الاسابيع الاخيرة في بيروت. فبدت السكينة في الصورة التي جمعت الرئيس سلام مع وزير الخارجية جبران باسيل وكأن ملائكة نيويورك حلّت عليهما مع الرجاء ان تدوم هذه النعمة. غير ان رئيس الحكومة الذي سجل أرقاما قياسية في الحذر لم يندفع في استباق الامور فأرجأ جوابه عن سؤال اجتماع مجلس الوزراء الى ما بعد العودة الى بيروت.
زبال نيويورك يعمل بهمة لكن لو سألته عن مصير نفايات لبنان لبكى.