فريد كتاب القاضي محمد صعب "في طريق المواجهة من سوريا الثورة الى لبنان الثائر من اشعل الفتنة" في خيار مضمونه. يحث على قراءته من دون توقف متابعي قضايا الموقوفين الذين قابلهم ويستخلص ما ورد في صفحاته بأسلوب سلس. هو تناول محاكمات العصر في قضايا موصومة بالارهاب.
يعتبره القاضي صعب "محاولة جدية لفهم الاسباب والدوافع التي تتحول فيها الصراعات السياسية والخلافات في الرأي الى مواجهات عنيفة تقودها العصبية بأبعاد عقائدية" على قوله في الكتاب. اختار الكاتب اسماء ملاحقين شغلوا المحكمة العسكرية في ملفاتهم، بعضهم موقوف كالشيخ احمد الاسير، الفلسطيني نعيم عباس، الشيخ خالد حبلص وعمر الاطرش، وبعضهم الآخر يتردد اسمه في جلسات المحاكمة شادي المولوي. وينقل القاضي صعب وجهة نظر هؤلاء من الاحداث التي عايشوها، بعد نبذات تعريفية عن كل منهم. وفي السرد عن بعض هؤلاء لا يغيب شعور الدفاع عن النفس بين السطور من الموقوفين.
ولعلّ الملفت للنظر في سرد الوقائع الموقوف نعيم عباس، الذي في عمر الـ 12 عاما، وضع عبوة وهمية بقصد ترهيب الجيش الاسرائيلي، "فوضع تلفازا معطلا في منتصف طريق العدو ووصله بشريط سلكي طويل يمتد الى مكان غير ظاهر، فظنّ العدو انه عبوة ناسفة، ونجح بالحيلة بتغيير طريق دورية العدو. عام 1997 خضع لدورة عسكرية في الهرمل لمدة 40 يوما مع الجهاد الاسلامي تضمنت دروسا على المتفجرات. وعام 1999 تلقى دورة تدريبية عن تأمين حماية الشخصيات من الاغتيالات بهدف وضعه مرافقا مع تسعة آخرين كمرافقين لأمين عام حركة الجهاد الاسلامي. وعام 2000 واكب الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب وكان اول الداخلين الى المناطق المحررة وخلع باب معبر فاطمة، وشارك في تحرير سجن الخيام، وشاهد ارض موطنه فلسطين للمرة الاولى بالعين المجردة.
وشرح عباس افكاره عن نظرة العدو الاسرائيلي لـ"حزب الله". فهذا الاخير تنظيم منضبط. وبالنسبة الى العدو فان الخصم المنضبط خير من عدو غير منضبط لا يلتزم بأيّ تعهدات بعدم المواجهة كالتنظيمات الفلسطينية او الجماعات الجهادية. واستغل عدم وجود اي شريط حدودي فاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة ليأكل من خيرات بلاده فتسلل أكثر مرة وأكل التفاح والدراق من ارض فلسطين".
وكان لأحداث 11 ايلول 2001 وقع كبير في كيان عباس. فهو الذي تأثر بأحداث البوسنة والهرسك، وسعى وقتها لنصرة المسلمين ولم يجد طريقا للوصول، فوجد في احداث ايلول خيطا يصله بالفكر مع تنظيم القاعدة الذي جمعته به وحدة الهدف فضرب اميركا يشكل في الحقيقة ضربا لاسرائيل بحسب نعيم. ولا يتردد بمباركة هذه العملية التي حصلت برأيه بتقدير من الله، وتأثر بكاريزما اسامة بن لادن. وكان تأثير القاعدة بصورة بن لادن عليه واضحا في نهج نعيم في تلك المرحلة وصار يميل الى عصبة الانصار لتبنيها خطاب اسامة بن لادن. وعام 2005 شكل غزو العراق نقطة تحول في حياته وغيره من الشباب العربي والمسلم، وتحول العراق بفعل هذا الغزو قبلة الجهاد. وعام 2005 تلقى عباس اتصالا من صديقه صالح القبلاوي الملقب ابو جعفر مدرب شباب القاعدة، الذي كان تعرّف اليه في سجن روميه، وتلقى على يده تدريبا عاليا أهّله ليكون احد مساعدي ابو مصعب الزرقاوي. وطلب منه اللحاق به الى العراق بهدف القيام بعملية امنية ضد اسرائيل فطار عباس فرحا. وتحدث عباس عن استقباله عام 2005 في مضافة لـ"القاعدة في دير الزور في طريقه الى العراق بهوية مزورة استحصل عليها في سوريا. وبوصوله الى العراق التقى المسؤول العسكري لـ"القاعدة" في محافظة الانبار ابو الليث الجزراوي، وطلب منه تأمين ارضية للقاعدة في لبنان. وفي الانبار خضع لدورات في تفخيخ الشاحنات. بعد شهرين عاد عباس الى سوريا حيث اعتقلته المخابرات السورية في الـ"بوكمال" مع رفيقه في تنظيم القاعدة مساعد الزرقاوي المدعو زين العابدين، وجريحَين سعودي وجزائري نقلوا جميعا الى دير الزور. وادّعى في التحقيق معه لدى المخابرات السورية انه تابع لكتائب ثورة العشرين وبقي في السجن شهرا وثلاثة ايام. واستغرب عباس إطلاقه رغم علم السلطات السورية بأن الهوية السورية التي يحملها مزوّرة ولم يخضع للمحاكمة بهذا الخصوص.
ويذكر الكتاب "كان من المفترض ان يقوم الامن العام السوري بتسليم نعيم عباس الى الامن العام اللبناني، ما يشكل خطرا على نعيم عباس بأن يقع في قبضة السلطات اللبنانية من جديد، لكنه قام بدفع المال للامن العام السوري الذي أمَّن له سيارة اجرة توصله وترشده الى احدى طرق التهريب للدخول خلسة الى لبنان". ويستخلص من الوقائع ان نعيم عباس مهّد الطريق لدخول الفلسطيني توفيق طه في تنظيم القاعدة. والاخير زار العراق عبر سوريا مباشرة بعد عودة نعيم. وبعودته أخبره أنه بايع أمير الشام في التنظيم ويدعى مؤيد وانه تم تكليفه بأخذ البيعة للقاعدة من الشام. اما نعيم فنجح في تجنيد شباب ساعده بعضهم في اطلاق الصواريخ على اسرائيل من الجنوب".
قضية اغتيال الحريري
وفي احدى جلسات محاكمته طلب عباس من المحكمة العسكرية ان يلتقي محققا في المحكمة الخاصة بلبنان لمعلومات لديه عن قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فهل ما اورده عباس في كتاب القاضي صعب هو ما أراد قوله للمحقق الدولي؟
علم عباس من صديقه ابرهيم زين العابدين ان "النظام السوري حاول التواصل مع الزرقاوي قبل مقتله من خلال اربعة ضباط، لأجل فتح باب التعاون والتنسيق معه. فأراد النظام من الزرقاوي ابرام صفقة تُخلصه من السيف المصلت عليه والمتمثل بالتحقيق الدولي في اغتيال الحريري بأن يتبنّى الزرقاوي بتسجيل مصور عملية اغتيال الحريري، اما المقابل فهو باب مفتوح بلا مغلاق من الدعم المالي والعسكري للزرقاوي، وتسهيلات في نقل المقاتلين، وطبعا اطلاق زين العابدين مساعد الزرقاوي الذي كان ما يزال يقبع في سجن النظام الى أن تحين صفقة. عام 2007 زار زين الدين في سجنه رئيس فرع الامن السياسي علي مخلوف ورئيس فرع الامن العسكري جودت الحسين واللواء آصف شوكت لتأمين تواصل مع ابو حمزة المهاجر الذي حل محل الزرقاوي بعد مقتله. أما عنوان اللقاء فكان محاولة جديدة للتخلّص من المحكمة الدولية. فارسل عباس بطلب من زين العابدين رسالة الى المهاجر الذي رفض العرض".
وتخلص زاوية عباس في الكتاب عن نظرته الى الجيش اللبناني الذي "لم نكن يوما نضع على اجندتنا مواجهته، فمعركتنا مع حزب الله فقط". ويقول الكاتب "استمر لقائي بعباس من الحادية عشرة صباحا حتى السابعة مساء" مع توقف لمرة وحيدة "حين قام نعيم عباس للصلاة".
كلوديت سركيس