استبقت السعودية العضو المؤثر في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التكتل المحتمل الذي تسعى له إيران مع حلفاء لها في المنظمة في اجتماع الجزائر التشاوري الأسبوع المقبل، لمواجهة الاتفاق الذي أبرمته الرياض مع موسكو مؤخرا.
وتقدمت الرياض بعرض لتقليص إنتاجها من النفط إذا وافقت إيران على تثبيت إنتاجها هذا العام، الأمر الذي دفع إلى قفزة بأسعار النفط الجمعة.
وجرى تقديم العرض -الذي لم تقبله طهران أو ترفضه حتى الآن- خلال اجتماع خاص عقد مؤخراً بين ممثلين عن البلدين في المقر الرئيسي لأوبك في فيينا بغية التحضير لاجتماع الجزائر.
وأبدت الرياض استعدادها لخفض الإنتاج إلى مستويات أدنى ممّا بلغه في وقت مبكر من هذا العام، في مقابل تثبيت إيران لإنتاجها عند مستوى (3.6 مليون برميل يوميا) بما يوحي بتفويت الفرصة على طهران لتشكيل التكتل من حلفاء داخل أوبك وخارجها.
وذكرت مصادر مطلعة “إنهم (السعوديون) مستعدون للخفض ولكن على إيران أن توافق على التثبيت”.
وقال مصدر خليجي بمنظمة أوبك إن السعودية وغيرها من أعضاء المنظمة ينظرون سيناريوهات مختلفة في مسعى لإيجاد أرضية مشتركة بحلول نوفمبر لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط.
وأضاف المصدر “نتطلع إلى حلّ ذي مصداقية وشفافية من شأنه أن يؤدى لاستقرار السوق”.
وتنهي الاصطفافات الجديدة بين الدول المنتجة للبترول الحدود السابقة بين مجموعة أوبك والمنتجين الآخرين لصالح تحالف يجمع روسيا والسعودية بموازاة أو مقابل تكتل آخر تدفع له إيران من داخل أوبك وخارجها يجمعها مع العراق وعمان والجزائر ونيجيريا وفنزويلا، بما قد يشبه تواجهاً بين كبار الدول المنتجة من جهة وتلك الصغيرة والمتوسطة من جهة أخرى.
وتحاول إيران خلق تكتل بحجم إنتاج يعادل الإنتاج السعودي البالغ 12 مليون برميل أو الروسي الذي يقترب منه. ومن خلال جمع منتجين متوسطين (2-3 مليون برميل يوميا)، تأمل إيران أن يكون التكتل طرفا ثالثا ضاغطا أمام العملاقين.
ويتحرك الفاعلون في السوق النفطي باتجاه محاولة تحويل الاجتماع “الاستشاري” لمنتجي النفط من داخل وخارج منظمة أوبك في الجزائر الأسبوع المقبل، إلى اجتماع “استثنائي” تُتّخذ داخله قرارات نوعية لافتة.
ورغم التوتر السياسي بين السعودية وإيران إلا أن وكالة بلومبرغ أوردت خبراً يتحدث عن اجتماع خاص عقد مؤخراً بين ممثلين عن البلدين في المقر الرئيسي لأوبك في فيينا بغية التحضير لاجتماع الجزائر. ومن غير المعروف ما إذا كانت مداولات فيينا هي التي أثمرت عن ظهور العرض السعودي.
وكان الأمين العام لأوبك محمد باركيندو قد وصف اجتماع الجزائر في 28 سبتمبر الجاري بأنه سيكون “تشاوريا”، ويأتي بناء على اقتراح قطر في يونيو الماضي.
وتجري هذه التطورات دون أن يعرف المراقبون فحوى الاتفاق الذي وقع بين وزيري النفط السعودي خالد الفالح ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووليّ وليّ عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قبل أسابيع.
وكانت موسكو والرياض قد تحدثتا عن تعاون في القطاع النفطي بما فهمه الخبراء بأنها شراكة “أوبك + 1” للتأثير على مستويات الإنتاج ومؤشرات الأسعار.
لكن المتخصصين في أسواق النفط يلحظون أن لا أعراض في الأسابيع الأخيرة تفصح عن استعداد أيّ طرف للحدّ من الإنتاج، فحتى روسيا رفعت من هذا السقف ووصل إنتاجها قبل أيام إلى سقف قياسي ناهز 11.75 مليون برميل الثلاثاء الماضي، فيما لمّح نائب وزير البترول الروسي كيريل مولودتستوف إلى أن أقصى ما يمكن أن تخفّضه روسيا في إنتاجها لن يتجاوز نسبة 5 بالمئة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن الأسبوع الماضي أن بلاده تدعم أيّ خطوة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية ”بناء على العدالة والإنصاف والحصة العادلة لجميع منتجي النفط”.
وتكمن المعضلة في إيجاد نقطة توازن بين حاجة الدول المنتجة للنفط لرفع أسعاره وخشيتها من فقدان حصصها في السوق في حال خفضت من سقوف حصصها الإنتاجية.
وفيما تعبّر السعودية عن قبولها فكرة خفض الإنتاج من أجل تحسين الأسعار، إلا أنها لن تذهب وحدها في هذا المسعى وتريد أن يقوم بقية المنتجين بهذا الجهد معها.
وفشل اجتماع الدوحة في الربيع الماضي لأن طهران رفضت أن تجاري ما تقترحه الرياض وتمسكّت بقرارها مواصلة الإنتاج حتى تصل إلى مستوى حصتها في السوق إلى ما قبل فرض العقوبات الدولية والتي كانت تتجاوز الـ4 ملايين برميل يوميا.
وتؤازر الرّفض الإيراني لفكرة خفض الإنتاج مواقف دول مثل الجزائر وفنزويلا والعراق ونيجيريا وليبيا والتي تتمسك بسياسة الحفاظ على حصص الإنتاج خوفاً على نصيبها في السوق وسعيا لتعويض تصدير مرتبك لأسباب أمنية تعطّل الإنتاج.
لكنّ مراقبين لمزاج الدول المنتجة لاحظوا في الأيام الأخيرة مرونة في المواقف المعلنة أو المسرّبة والتي رفعت نسبياً من حظوظ إمكانية التوصل إلى اتفاق في الجزائر.
وإذا جرت الموافقة على العرض فإن هذا الاتفاق سيغير استراتيجية السعودية التي تتبنى حاليا سياسة الدفاع عن حصتها في السوق العالمي رغم هبوط الأسعار على حساب الدول الأخرى المنتجة خاصة تلك التي ترتفع فيها تكاليف إنتاج النفط.
صحيفة العرب