متى تنتهي المراوغة الأميركية الروسية المقززة فوق المقبرة السورية، وهل يظن فلاديمير بوتين أنه في نهاية المرحلة الأوبامية وفي ما تبقى من فترة السبات الإنتخابي الأميركي، يمكن ان يخرج من دوّامة الرمال المتحركة، التي دخلها قبل عام، معلناً أنه ينزل في سوريا في "مهمة محددة مدتها أربعة أشهر لدعم الحل السياسي"، وها هو يضطر بعدما أكمل عامه الاول الى إرسال المزيد من القوات الى الميدان السوري؟
كشفت عملية إقتراع الروس في سوريا في الإنتخابات قبل ايام ان عددهم يصل الى خمسة آلاف تقريباً، وعندما تقرر موسكو إرسال ثلاثة ألاف مجند جديد إضافة الى حاملة الطائرات الروسية الوحيدة "أميرال كوزنتسوف"، ومقاتلات جديدة وصواريخ وأسلحة حديثة للتجربة في الميدان، فذلك يعني انها ستحاول ان تخرج من حال الإستنزاف غير المعلنة التي تراوح فيها، وللتأكد من هذا يكفي ان نتأمل في وقائع القتال في حلب.
الكلام العالي النبرة الذي قاله جون كيري ضد السياسة الروسية في سوريا، لا يكشف تغييراً في موقف أوباما الذي يعكف على حزم حقائبه لا على إصلاح أخطائه في التعامي عن أزمة العصر السورية، بمقدار ما يكشف تصاعد الخلاف بين البيت الأبيض و"البنتاغون" على سياسة التراخي الأميركي أمام سياسة الاقتحام التي ينخرط فيها بوتين من اوكرانيا الى سوريا.
عندما قرأ عدد من الضباط المتقاعدين الأميركيين من ذوي الرتب العالية الذين سبق لهم ان وجهوا مذكرة إنتقاد صارمة لسياسة اوباما، قول كيري إن سيرغي لافروف "يعيش في عالم موازٍ للعالم الذي نعيش فيه"، كتب أحدهم وسماً على "تويتر"، ولكن كيري هو الذي يعيش في عالم موازٍ ويكفي ان نتأمل في الواقع، ولقد كان واضحاً تماماً ان الهجوم الغاضب من كيري على روسيا جاء متأخراً لأن أي تغيير في السياسة الأميركية حيال تطورات الوضع السوري، لن تظهر عملياً قبل ان تبدأ الإدارة الجديدة بالتحرك في آذار المقبل.
هل يريد بوتين ان يُحدث فرقاً حاسماً في الوضع السوري خلال خمسة أشهر وهي المدة التي تبدأ الآن وتنتهي في آذار، لأن أي إدارة جديدة ستكون بالتأكيد أكثر إنخراطاً في الصراع وإستطراداً في المنطقة، وهل إرسال المزيد من القوات الروسية جاء على خلفية حسابات من هذا النوع؟
ان الحديث عن إنعاش الهدنة التي سقطت وسط تراشق أميركي - روسي بالإتهامات لا يمكن ان تقوم غداً، والجولة الجديدة من القتال ستكون أشرس، ومن طرطوس الى حميميم الى القواعد الإيرانية الى حاملة الطائرات، سيكتشف بوتين أن نزوله في سوريا لم يكن نزهة، خصوصاً ان "البنتاغون" سيضاعف خططه لإغراق الروس أكثر في الوحول الدموية!