أقر وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف علناً، كل بأسلوبه وبصورة منفصلة، بإخفاق جهودهما الديبلوماسية على رأس مجموعة الدعم الدولية لسوريا لإعادة العمل باتفاق وقف الاعمال العدائية وايصال المساعدات الإنسانية الى مئات الآلاف من المحاصرين والملايين من المحتاجين. وانعكس فشل الجهود الديبلوماسية تصعيداً في الميدان، إذ غرقت الاحياء الشرقية في مدينة حلب بشمال سوريا الجمعة في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل نحو 91 شخصاً بعد ساعات من إعلان الجيش السوري بدء هجوم في المنطقة.
وحاول كبيرا الديبلوماسيتين في أحدث اجتماع عقداه أمس على هامش الدورة السنوية الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة حصر تداعيات هذا الفشل، وخصوصاً وقف الإتهامات المباشرة بين الأميركيين والروس بالمسؤولية عن التصعيد الكبير في الميدان العسكري، مع إعلان الحكومة السورية انهيار الهدنة وشن عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة الأحياء الشرقية لمدينة حلب، بغطاء من الغارات الجوية الكثيفة التي يشنها الطيران الحربي الروسي والسوري. وتحدثا صراحة عن أزمة ثقة بين واشنطن وموسكو في الملف السوري.
وفي ختام اجتماعه مع لافروف، تحدث كيري عن "تقدم محدود جداً". وقال : "نحن نقَوم بعض الأفكار المشتركة بطريقة بناءة". وابدى تشاؤماً بإمكان العودة الى العملية السياسية التي يقودها المبعوث الخاص للامم المتحدة ستافان دو ميستورا.
وفور انتهاء اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا ليل أول من أمس بتوقيت نيويورك، صرح كيري بأن "هذه لحظة الحقيقة بالنسبة الى روسيا، لحظة الحقيقة بالنسبة الى نظام الرئيس بشار الأسد، ولحظة الحقيقة بالنسبة الى المعارضة... الأمر الأول الذي يتعين علينا القيام به هو إيجاد وسيلة لاستعادة صدقية العملية الديبلوماسية". وتحدث عن خلاف كبير على اقتراح منع الطيران الحربي السوري "بصورة كلية" من التحليق في أجواء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، موضحاً أن منطقة حظر الطيران "يجب ألا تستمر يوماً أو يومين، بل أطول وقت ممكن كي يرى العالم كله أنهم جديون". وحض المعارضة السورية على الإبتعاد عن "الدولة الإسلامية - داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى، ولا سيما منها "جبهة النصرة" أياً كانت مسمياتها الجديدة والمختلفة. وأقر بأنه "محبط الآن أكثر من أمس"، محذراً من ان سوريا "لم تصل بعد الى الفصل الأسوأ" من الحرب التي بدأت عام 2011.
لافروف
وفي المقابل، كرر لافروف طلب موسكو إجراء تحقيق موضوعي في حادث قصف قافلة المساعدات الإنسانية قرب بلدة أورم الكبرى في محيط حلب. وصرح في مؤتمر صحافي عقده بعد إلقائه كلمة روسيا أمام الدورة الحادية والسبعين للجمعية العمومية إن "روسيا لم تتحدث قط عن خطة باء للتسوية السورية"، لأنه "لا حل عسكرياً للأزمة". وكشف أن "بعض أعضاء مجموعة الدعم الدولية لسوريا منعوا تعزيز هذا المبدأ بجملة واحدة" خلال الاجتماع الذي عقد في نيويورك. واعتبر أن "المطالبة برحيل الأسد انتهاك لقرار مجلس الأمن، داعياً الى "التمسك بقرار مجلس الأمن بدل الإصغاء الى رغبات بعض الأطراف المتفاوضين". وقال: "هذه المجموعة تقول إنها لن تشارك في المفاوضات ما لم يتقرر مصير الأسد، وهو انتهاك سافر للمبادىء المثبتة في نص قرار مجلس الأمن". وأبدى استعداد موسكو لوضع خريطة مفصلة لمواقع "جبهة النصرة" في سوريا "لوضع حد لأي غموض حول تمركز إرهابييها وتجنب الامتعاض كلما أصاب صاروخ مواقع هؤلاء". وشدد على أن الجيش السوري "لا يزال القوة الأكثر فاعلية التي تحارب الإرهاب" على رغم كل المساعدات التي يتسلمها "أصدقاء بعض اللاعبين" في المعارضة السورية المسلحة.
وفي كلمته على منبر الجمعية العمومية، قال لافروف إن "قمع داعش والنصرة ومجموعات متطرفة منسجمة معها هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية وما يرافقها من وضع إنساني مؤسف". وانتقد "التقويض السافر للعملية السياسية من بعض ممثلي المعارضة في الخارج مع تساهل رعاتهم الذي ينعكس سلباً على سمعة الأمم المتحدة ويحمل على التفكير في أن يكون سبب ذلك السعي إلى ايجاد ذريعة لمحاولة تغيير النظام".
كذلك صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان- مارك أيرولت في مؤتمر صحافي بأنه "من خلال قصف حلب يلعب النظام ورقة تقسيم سوريا، وداعموه يدعونه يفعل ذلك". وأضاف أن "النظام السوري وحلفاءه يرفضون التخلي عن هروبهم العسكري الى الأمام". ووصف الوضع بأنه "ميؤوس منه"، مطالباً موسكو بأن "توقف هذه المجزرة". لاحظ أن "المحادثات تتمدد بين الروس والأميركيين وتبدو بلا نهاية"، من غير أن ينتقد واشنطن، رأى أن "الوقت حان لاعتماد مقاربة مشتركة في شكل أكبر" لإدارة النزاع السوري.
وقال دو ميستورا إن "ما يحصل هو أن حلب تتعرض للهجوم، والجميع عادوا الى السلاح". وعبر عن خيبة عميقة من هذا الفشل.
حلب في جحيم
ميدانياً (الوكالات)، شنت طائرات حربية غارات جوية مكثفة على الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في حلب.
وأظهرت مشاهد صوّرها سكان فتاة صغيرة تصرخ بينما يحفر رجال الإنقاذ بهمة وسط الأنقاض لينتشلوها حية. وبدا في مشهد آخر رجال انقاذ يستخرجون رضيعاً بأيديهم من بين الأنقاض وهم يهتفون "الله أكبر". ولم تظهر علامات للحياة على الطفل بين أيدي رجال الإنقاذ وهم يسارعون الى نقله.
وقال حمزة الخطيب وهو مدير مستشفى في حلب لـ"رويترز" إن عدد قتلى القصف الذي تعرضت له المناطق الخاضعة للمعارضة في شرق المدينة أمس بلغ 91 .
وأفادت هيئة الدفاع المدني التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب إن 40 مبنى دمرت.
وقال مراسل "وكالة الصحافة الفرنسية" إن جرافة واحدة كانت تعمل على رفع الانقاض، فيما يقف عمال الاغاثة مذهولين محاولين ازالة الركام بأيديهم بحثاً عن العالقين تحته.
وتلا القصف اعلان الجيش السوري ليل الخميس أنه شرع في عملية لاستعادة القطاع الذي تسيطر عليه المعارضة من المدينة.
وقال مصدر عسكري إن الهجوم سيكون "شاملاً" وسيشمل هجوماً برياً. وأضاف إن الهجمات الجوية والمدفعية التمهيدية قد تستمر "فترة من الزمن".
وروى عدد من السكان أن الانفجارات التي سمعت كانت أشد كثيراً من أي انفجارات شهدتها المنطقة من قبل مما أحدث فجوات أكبر في الأرض وأسقط مباني بأكملها.
وقال قيادي في المعارضة في تسجيل صوتي أنه استيقظ على "زلزال" قوي على رغم أنه كان بعيداً من مكان سقوط الصاروخ. وأضاف أن "شهداء" من جماعته تحت الأنقاض في ثلاثة مواقع.
وأعلن المسؤول في فصيل "فاستقم" المعارض زكريا ملاحفجي أن الجيش حاول التقدم في الكثير من الأحياء، لكن قوات المعارضة صدته. وقال "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له إن الجيش حقق بعض التقدم في حي جنوبي في المدينة.
وندد "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في بيان بشن "نظام الأسد والاحتلال الروسي حملة إجرامية من القصف الجوي المسعور، مستهدفاً الأحياء السكنية المحاصرة لمدينة حلب"، كما انتقد صمت المجتمع الدولي.
ورأى البيت الأبيض أن صدقية روسيا مهددة بشدة بعد الهجوم الأخير لقوات الحكومة السورية في حلب، وأن موسكو مسؤولة عن ضمان التزام سوريا وقف النار القصير الأجل.
وصرّح الناطق باسم البيت الأبيض جوش إيرنست في إفادة صحافية: "إن روسيا تستحق اللوم واذا كان لهذا الاتفاق مستقبل، يتعيّن على روسيا أن تضاعف جهدها وتثبت ذلك".