لم يعد خافيا أن تيار المستقبل يعاني ومنذ سنوات من أزمة مالية خانقة. وبدت مفاعيلها من خلال الاستغناء عن خدمات ما يقارب 800 موظف من مكاتب التيار المتواجدة في معظم المناطق اللبنانية منذ سنة تقريبا. واليوم يجري الحديث عن صرف عدد مماثل. علما بأنه وحتى الآن لم يتم إعطاء المصروفين حقوقهم المتوجبة لهم بعد مرور هذه الفترة على صرفهم. ويترافق ذلك مع عجز واضح في صرف الميزانيات المستحقة للمكاتب والمخصصة للمصاريف اليومية والتنقل والاتصالات وغيرها. مضافا إليها الرواتب الشهرية للعاملين في كافة مراكز التيار الإدارية والإجتماعية والصحية. وأيضا منذ ما يقارب ألسنة.
ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى حلحلة لهذه الأزمة المالية الضاغطة. بل على العكس من ذلك تماما فإنه يدور في المجالس الخاصة وفي الكواليس همسا يوحي أن هذه الأزمة في طريقها إلى المزيد من التفاقم والتأزم في ظل الأحاديث المتواترة والتي ظهرت في العلن وعلى صفحات الوسائل الإعلامية عن تراجع أعمال ومشاريع الرئيس سعد الحريري في المملكة العربية السعوديه. فانعكس ذلك وبشكل مباشر على التيار الأزرق في لبنان باعتبار أن الرئيس الحريري هو الممول الأساسي للتيار.
وفي ذات الوقت فهناك أحاديث متواترة ايضا وشبه مؤكدة تشير إلى أن المملكة تحجب عن رئيس تيار المستقبل أموال تقدر بملايين الدولارات مستحقة له وتمتنع عن دفعها. والسبب يعود وكما تقول بعض المصادر إلى فتور في العلاقة بين الرئيس سعد الحريري وبعض الأمراء في المملكة وصل إلى حد القطيعة والخلاف. وذلك على خلفية كلمة قالها الحريري بحق الأمير محمد بن نايف وصفه فيها بالسفاح. مما أثار غضبا وسط عائلة الأمير السعودي الذي يرفض وساطة بعض الأمراء. ونقل عنه قوله /إن سعد الحريري مجرد صبي عندنا. وأن وقاحته ستكلفه ثمنا غاليا/.
قد يرى البعض أن الأزمة المالية التي يعاني منها تيار المستقبل والتي تفقده تدريجيا الكثير من شعبيته واحدثت ما يشبه الزلزال الذي بدأ بقذف حممه داخل الصف الأول فيه وأدت إلى اختلافات عميقة بين مكوناته الرئيسية وصلت إلى حد خروج البعض منهم من صفوف التيار وانتقاد البعض الآخر للرئيس الحريري ولنهجه السياسي.
إلا أنه واقعيا فإن في ذلك الكثير من التبسيط للأمور وفيه إخفاء للأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأزمة المالية التي تعصف بالتيار الأزرق وبأرباك رئيسه. وهذه الأسباب قد تكون غير واضحة ولم يحين وقت الكشف عنها.
فتيار المستقبل ليس جمعية خيرية تقوم بجمع التبرعات وتقديم الخدمات للناس. بل هو مكون سياسي ويحمل مشروعا سياسيا بحجم الوطن. ويتقاطع في الكثير من النقاط مع توجهات المملكة العربية السعوديه في لبنان وفي المنطقة العربية. وبالتالي فإن المملكة ليست شركة مساهمة وتحدد مسار سياساتها وفق أهواء بعض المساهمين فيها. سيما وأن الإفلاس المالي الذي يضرب تيار المستقبل يؤدي حكما إلى إفلاس سياسي على الساحة الداخلية اللبنانية يعود بالكثير من السلبيات ليس على الرئيس الحريري فحسب بل على المملكة وعلى سياستها نظرا للعلاقة الوثيقة التي ترتبط بها مع الحريري. إن كان على المستوى الشخصي او على المستوى السياسي.
وعليه فإن حصر الأزمة المالية لتيار المستقبل في خانة الخلاف الشخصي. فيه الكثير من التبسيط والتسطيح للأزمة وفيه حجب للحقائق. فالأمر يتعدى ذلك بكثير. ويتماهى مع الارباك الذي يعاني منه سعد الحريري في علاقته داخل التيار ومع الحلفاء وفي نهجه السياسي بحيث يبدو في كثير من الأحيان عاجزا عن اتخاذ موقف واضح او قرار ثابت إذ يشوبه الكثير من التردد والضعف مما يعني أنه يفتقد إلى دائرة في محيطه تجيد القراءات الدقيقة لتفاصيل الاشتباك السياسي الذي يعصف بالبلد وتشارك فيه كافة الأطراف السياسية والحزبية. وقد يكون في ذلك قصور في شخصية الرئيس سعد الحريري لملء الفراغ الذي تركه الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان يمتلك مؤهلات جعلت منه قطبا قويا وفاعلا على الساحة اللبنانية لما له من شبكة علاقات دولية استطاع من خلالها ان يحظى بميزة الرجل الاول في الوسط السني في البلد وحتى في المنطقة.
مصادر سياسية تعتبر أن العنوان المالي يخفي امتعاضا سعوديا من أداء سعد الحريري السياسي. إذ أن عودته إلى لبنان منذ شباط الماضي لم تنتج تطورا نوعيا في أداء تيار المستقبل. بحيث أتت الإجراءات السعودية الغاضبة ضد لبنان متقدمة على موقف التيار في التصدي للسياسة الإيرانية وأدواتها في لبنان.
وتأخذ أوساط دبلوماسية سعودية على الرئيس الحريري سوء إستخدامه للرصيد المالي والسياسي والشعبي الذي تركه له والده الشهيد والدعم اللامتناهي الذي قدمته له السعودية.
وقد بات أداء تيار المستقبل دون مستوى التحديات وباتت الرياض تشعر بأن استثمارها السياسي والمالي الذي تركز لصالح الحريري وتياره لم ينجح في تعزيز قوة صلبة يفترض أن تخترق النسيج اللبناني لتقوية مناعته أمام الأجندة الإيرانية.
واليوم فإن الأنظار تتجه نحو العاصمة السعودية الرياض لمعرفة ما قد تؤول إليه اجتماعات الرئيس سعد الحريري مع مسؤولين سعوديين لمناقشة مجموعة من الملفات المتعلقة بجوانب سياسية ومالية قد تحدد مستقبل زعيم تيار المستقبل واجندات حزبه السياسي المقبلة. ولا بد من الإنتظار حتى تتوضح أمورا كثيرة لها علاقة بمستقبل تيار المستقبل.