فيما تتحكّم مظاهر الشلل والتعطيل بمفاصل الحياة السياسية في البلاد، وتستمر سياسة الاستنزاف، وفي ظلّ الاستعدادات لتأخير تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، سجّل الجيش اللبناني إنجازاً جديداً يضاف إلى سجلّ إنجازاته، بعدما حقّق العملية النوعية والخاطفة التي قامت بها مديرية المخابرات بتوقيف ما سُمّي بأمير «داعش» في مخيّم عين الحلوة الفلسطيني، عماد ياسين، وهو ما وُصِفَ بصيدٍ أمنيّ ثمين لاعتبارات عدة أهمّها: أوّلاً، يُعتبر ياسين الرأسَ المدبّر الخطير الذي كان يخطّط لاغتيال شخصيات سياسية كبيرة والقيامِ بتفجيرات إرهابية لمَرافق حيوية وسياحية وتجمّعات شعبية في أكثر من منطقة لبنانية. ثانياً، توجيه ضربة كبيرة وعنيفة لـ«داعش» وقطع رأسِه، ثالثاً، تأكيد أنّ يد الجيش قادرة على أن تطاول الإرهابيين وتُفكّك الخلايا النائمة أو الكامنة وتلاحقَها في لبنان وعلى الحدود. وليس بعيداً عن الموضوع الأمني، عقد رئيسِ مؤسسة الإنتربول، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والداخلية السابق الرئيس الياس المرّ، اجتماعاً مع الأمين العام لمنظمة الإنتربول يورغن ستوك، لبحثِ خطّة 2017 لمكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب في العالم. وقد عرضَ فريق عمل الإنتربول التحضيرات للقمّة العالمية في أبو ظبي 2017 التي ستطلِق 7 برامج عالمية لمكافحة الجريمة المنظمة في العالم.
كشفَ مرجع أمنيّ كبير لـ«الجمهورية» أنّ التحقيقات بوشرَت مع الإرهابي ياسين الذي يملك بنكاً من المعلومات حول ما تخطّط له المجموعات الإرهابية، وآخَر مِن الأهداف التي سبقَ أن استُهدفت أو تلك المنوي استهدافُها. وقال: العملية تُعتبر أكبرَ من إنجاز، وهي نظيفة وفي منتهى الدقّة والحساسية، أعِدّ لها بإتقان في مديرية مخابرات الجيش التي نفّذتها بحسب ما هو مرسوم وبشكل انسيابيّ لم تَعترضه أيّ معوقات.

وأضاف: الشخصية المستهدَفة في منتهى الخطورة، باعتبارها رأسَ أفعى «داعش» داخل المخيّم، يُهدّد ببَخِّ سمومِه الإرهابية داخل المخيّم وخارجه، أي صيدا والجوار، وكان يعِدّ لاغتيال شخصيات سياسية في صيدا وبيروت، لعلّ أبرزَها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إضافةً إلى تخطيطه لقطعِ طريق الجنوب وافتعالِ إشكالات مع «حزب الله».

وكشفَ «أنّ التحضيرات للعملية بدأت منذ ما قبل شهر رمضان الفائت، عندما وردت معلومات أكيدة عن استعدادات ياسين لإعلان الإمارة الداعشيّة في المخيّم وتهديد الجوار. في ذلك الوقت، وجَّهت قيادة الجيش تنبيهات إلى فاعليات المخيّم بضرورة لفظِ هذه الجرثومة منه حِرصاً عليها وعلى أمن المخيّم، وقد تجاوبوا مع هذا الطلب».

وعلمت «الجمهورية» أنّ توقيفَ ياسين حصَل لدى خروجه من المسجد، من دون أن يتسنّى له استعمالُ مسدّسه الذي يحمله تحت إبطه، نظراً لسرعة تحرّكِ المجموعة المنفّذة.

وقد جاء توقيفه عقبَ ليلةٍ ساخنة شهدَها المخيّم، تخلّلتها اشتباكات مسلّحة بين مجموعة بلال بدر وعناصر من حركة «فتح» على خلفية جريمة اغتيال الفلسطيني سيمون طه منذ أيام عدة. وتبعَها توتّرٌ لفَّ أرجاءَ المخيّم وحركةُ نزوح كثيفة منه.

المطران صيّاح

ولاقت عملية الجيش ترحيباً واسعاً، وأكّد النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح لـ«الجمهورية» أنّها «تثبت مجدّداً أنّ الجيش حاضر بقوّة وجاهز لتنفيذ مهامّه، وأنّ رهان اللبنانيين على دوره هو في محلّه، ولا بديل عنه في تنفيذ تلك المهمّات الاستثنائيّة، وليس هناك من محرّمات أمامه، والبطريركية المارونية معه وتدعمه، كما جميع اللبنانيين».

شهيّب

وقال الوزير أكرم شهيّب لـ«الجمهورية» إنّ «كلّ الدعم نُقدّمه للجيش للقيام بمهامّه في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة»، مشيراً إلى أنّ «الدعم ليس فقط من الحكومة، بل من كلّ اللبنانيين».

جابر

ولم يُبدِ النائب ياسين جابر استغرابَه ممّا يحقّقه الجيش من صيدٍ ثمين، وقال لـ«الجمهورية» «إنّني ترَأستُ وفداً زار واشنطن في شباط الماضي، و«كبِر قلبي» عندما كنتُ في البنتاغون وسمعتُ الشهادات بالجيش اللبناني وقدراتِه وسِجلّه»، وأضاف: «نحن على ثقة بالجيش، عسى أن يبقى الله إلى جانبه».

الجرّاح

وقال النائب جمال الجرّاح لـ«الجمهورية»: لستُ متفاجئاً بما حصَل، فالجيش عوَّدنا على تحقيق إنجازات مهمّة بإمكانات متواضعة، رغم التجاذب السياسي الذي يتعرّض له. والإنجاز الذي حقّقه يشكّل رسالةً إلى جميع اللبنانيين بأنّه ساهر على الأمن واستقرار البلد ومحاربة الإرهاب وحماية الجميع في كلّ الأماكن، بما فيها المخيّمات الفلسطينية.

حايك

واعتبَر عضو المجلس السياسي في التيار «الوطني الحر» الدكتور ناجي حايك «أنّ التطرّف يتغذّى في مخيّم عين الحلوة نتيجة الوضع المتفلّت هناك، ويجب أن يتوقّف بعض السياسيين عن تأمين الغطاء للأشخاص الموجودين فيه». وأكّد لـ«الجمهورية» ضرورةَ تدخّلِ الدولة ونزع السلاح غير الشرعي منه، متسائلاً «عن الفرق بين هذا السلاح وسلاح «داعش». وأشار إلى أنّ الفلسطينيين ضيوف في لبنان، وهم بحماية الدولة اللبنانية، مِن هنا وجوب تجريدِهم من السلاح، لأنّه إذا خرج هؤلاء المسلّحون غير المنضبطين من المخيّم فسيحصل في لبنان ما لا تُحمد عقباه».

مصدر أمني

ومساءً، أوضَح مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّه جرى تطويق ما حصَل في عين الحلوة وتمّ ضبط الوضع، مستبعداً أن ينعكس توقيف ياسين على المخيّم، ومؤكّداً أنّ الوضع سيعود إلى طبيعته، وأشار إلى استمرار الاتصالات بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والجانب الفلسطيني لحصرِ تداعيات ما جرى».

ولعلّ ما يشير إلى عدم تدهورِ الوضع هو النداء الذي وجَّهه هيثم الشعبي، وهو أحد المطلوبين، عبر تسجيل صوتيّ، إلى أبناء المخيّم بالعودة إلى منازلهم، مؤكّداً لهم أنّ أمنَ المخيّم وأهله أمانة في أعناقهم، ولن يقبلوا لأعراضهم أن تتشرّد في الشوارع.

ابراهيم

وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد بَحث مع وفد فصائل التحالف الفلسطيني في لبنان الأوضاعَ الأمنية في المخيّمات الفلسطينية عموماً وفي عين الحلوة خصوصاً على ضوء الأحداث التي شهدها أخيراً.

وكشفَ أحد المشاركين لـ«الجمهورية» أنّ البحث تناولَ، إضافةً إلى التوتّر في مخيّم عين الحلوة، أوضاعَ المخيّمات الأخرى، ولا سيّما تلك التي شهدت عمليات أمنية كمخيّمَي البارد والبداوي في الشمال ومخيّم البص جنوبا.

وجرى تقويم مشترَك للنتائج التي ترتّبت على التنسيق القائم بين الفصائل والأمن العام وباقي الأجهزة الأمنية والعسكرية. وأبدى الارتياح لهذه النتائج «بما يحمي أمن لبنان والمخيّمات والمقيمين فيها ، خصوصاً أنّ أحداً لم يعد يفكّر بالمسّ أو الاعتداء على الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وإنْ فعلَ فسيرضَخ للقوانين اللبنانية التي تريح لبنان وتريحنا معاً».

سياسياً، يتراجع منسوب التفاؤل يوماً بعد يوم، في التوصّل إلى حلّ لملءِ الفراغ الرئاسي، حتى إنّ غالبية المكوّنات السياسية باتت ترى أنّ جلسة 28 أيلول لن تكون مختلفة عن سابقاتها.

لذلك تقاطعَت مواقف المسؤولين على التنبيه من مخاطر المرحلة. فحذّرَ رئيس الحكومة تمّام سلام من أنّه إذا استمرّ الخَلل الناجم عن الشغور الرئاسي فإنّ لبنان قد يواجه الانهيار، فيما نبّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق من أنّ لبنان دخل في مرحلة الخطر، حيث إنّ البلد يشهد اليوم تحدّيات لم يشهدها في سنتَي الفراغ الرئاسي الماضيتَين»، آملاً في أن «تشكّل هذه المخاطر والتحديات الماليّة والاقتصادية حافزاً نحو اندفاعٍ أكبر لانتخاب رئيس جديد».

برّي

وقال بري أمام زوّاره أمس إنّه مصمّم على عقدِ جلسة، أو جلسات، تشريعية عدة مع بدء الدورة التشريعية الثانية للمجلس النيابي التي تبدأ أوّل ثلثاء بعد 15 تشرين الأوّل المقبل، وستكون مخصّصةً للقضايا الماليّة الملحّة لتَدارُكِ الأخطار المالية التي تتهدَّد لبنان ولا تتحمّل أيَّ تأجيل. وشدّد على أنّه لن يتوقّف عند أيّ ميثاقية في هذا الصَدد أمام حجم المخاطر المالية الماثلة، «فلستُ بحاجة هنا إلى أكثر من 65 نائباً». وأضاف: «قد لا أكتفي بعقد هذه الجلسة وحدَها، بل إن وجدتُ أنّني أحتاج إلى أكثر من جلسة فسأفعل ذلك».

ولفتَ بري «الانتباه إلى أنّ الضرورات السياسية باتت تُحتّم أن نذهب إلى عقدِ تفاهمات، وخصوصاً حول ثلاثة أمور: رئاسة الجمهورية، الحكومة وقانون الانتخابات، فقد قلتُ ولا أزال أكرّر أنّ مخرج أزمتنا يبدأ بهذا التفاهم». وأشاد بالعملية النوعية التي نفّذها الجيش اللبناني وتمكّنَ خلالها من توقيف أحد أخطر الإرهابيين الداعشيين عماد ياسين.

وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت هناك اتّصالات حول موضوع الحوار، قال: «الاتّصالات لا تزال مستمرّة حول أيّ شيء، وأنا أبلغتُ الجميع بموقفي الثابت بأنْ لا عودة إلى الحوار ما لم يكن منتجاً، لستُ مستعدّاً لأيّ فشَل، وإنْ لاحظتُ تبدّلاً في المواقف فأهلاً وسهلاً».