قبل أسابيع من الاستحقاق الرئاسي، وعلى خلفية تفجيرات إرهابية في نيويورك ونيوجرسي، وفي أعقاب انهيار وقف إطلاق النار في سوريا والقصف الروسي لقافلات الإغاثة، سعى كل من مرشحي الحزبين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون إلى استغلال الاهتمام العالمي بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والاستفادة من التغطية الإعلامية التي ستجلبها أي اجتماعات يعقدانها مع قادة الدول الصديقة أو الحليفة للولايات المتحدة، والتأكيد للأميركيين وللعالم أن خليفة الرئيس باراك أوباما سوف يكون قادرا وبسرعة على التعامل مع التحديات والأزمات الساخنة التي ستنتظره فور الإدلاء بقسم اليمين في العشرين من يناير المقبل.
والتقت كلينتون بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي والرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، بينما التقى ترامب بالرئيس السيسي، وأشار إلى أنه اجتمع بقادة آخرين، ولكنه رفض الإفصاح عن أسمائهم، فصور هذه الاجتماعات هي ما يريده كل من كلينتون وترامب لكي تستخدم في دعاياتهما.
المرشح الجمهوري ترامب الذي يفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية ومعرفة العالم الخارجي وقضاياه وأزماته المعقدة يدرك أن عليه طمأنة الناخبين الأميركيين وقادة العالم أنه في حال انتخابه فإنه سيكون على الأقل ملما ببعض القضايا أو الأزمات التي تمس بمصالح الولايات المتحدة، وأنه بدأ التعرف على القادة العالميين الذين سيتعامل معهم في السنوات الأربع المقبلة.
كما يريد ترامب أن يؤكد لمؤيديه وللمشككين به معا، أن ميله لاتخاذ مواقف قوية أو إدلائه بتصريحات "غير دبلوماسية" وأحيانا ضد أصدقاء وحلفاء قدامي لأميركا، يجب أن لا يفسر على أنه تهور، بل يعكس أسلوبا مختلفا في التعامل مع العالم.
وقبل لقاءاته في نيويورك كان ترامب قد التقى للمرة الأولى كمرشح لحزبه برئيس المكسيك أنريكي بينيا نييتو في الشهر الماضي والذي كان قد قارن ترامب بهتلر وموسوليني وناقش معه مسألة الهجرة ورغبته بإقامة جدار على الحدود.
عبارات مهينة
وكان ترامب قد بدأ حملته الانتخابية بشن هجوم حاد ضد المهاجرين غير الموثقين من المكسيك، واستخدم عبارات مهينة وحتى عنصرية أثارت سخط المكسيكيين وغيرهم من الأميركيين اللاتينيين.
ولكن زيارة المكسيك لم تخلُ من الجدل، لأن ترامب قال إن مسألة من سيمول بناء الجدار لم تناقش، بينما أكد الرئيس بينيا نييتو إنه قال لترامب إن المكسيك لن تمول الجدار. وسارعت هيلاري كلينتون إلى استغلال التصريحات المتناقضة وقالت "عندما ترون انه لا يستطيع ان يزور دولة اجنبية دون ان يتورط في نزاع مع رئيسها، اعتقد ان الجواب واضحا : دونالد ترامب لا يملك العقلية التي تؤهله لان يكون قائدا".
وكان من الواضح ان ترامب الذي طلب الاجتماع بالرئيس المصري، يريد من اللقاء ان يعكس رغبته بالتحالف مع رئيس مسلم له موقف متشدد جدا من الحركات الاسلامية المتطرفة، ليبرر تصريحاته النابية ليس فقط ضد المتطرفين الاسلاميين، ولكن ايضا ضد هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة.
ترامب والسيسي
كما أراد ترامب من خلال ثنائه على الرئيس المصري ان يوحي بأن مواقفه المتصلبة من الاسلاميين لا تعني انه غير قادر على ان بناء علاقات ثنائية قوية مع قادة دول ذات اكثرية مسلمة مستعدون لمواجهة قوى اسلامية متطرفة أو إرهابية.
وقال ترامب عقب الاجتماع في بيان صدر باسمه انه ناقش مع السيسي "العلاقات الاستراتيجية الثنائية بين الولايات المتحدة ومصر".
واضاف البيان أن ترامب "عبّر للرئيس السيسي دعمه القوي لحرب مصر ضد الإرهاب، وكيف انه في حال انتخابه فان الولايات المتحدة سوف تكون صديقا وفيا وليس فقط كحليف، تستطيع مصر الاعتماد عليه في السنوات المقبلة".
وقبل اجتماع الرئيس المصري بكلينتون وترامب، وقّع عدد من الأكاديميين والمحللين في مراكز الأبحاث من المعنيين بمصر على رسالة حضوا فيها المرشحين على عدم الاجتماع بالرئيس المصري، بسبب الاوضاع المتردية لحقوق الانسان في مصر.
هيلاري كلينتون السيدة الأولى
المرشحة الديمقراطية كلينتون أرادت من اجتماعاتها ان تّذكر الأميركيين وقادة العالم، بخبرتها الدبلوماسية كوزيرة للخارجية وكسيدة أولى، وسعت من خلال ذلك إلى حض المراقبين لمقارنة خبرتها ومعرفتها بالقضايا الخارجية والاستراتيجية، بانعدام هذه الخبرة والمعرفة لدى منافسها. وخلال اجتماعها مع رئيس وزراء اليابان آبي، الذي التقت به عندما كانت وزيرة للخارجية، كانت كوريا الشمالية، التي اجرت تجربة نووية جديدة القضية الاساسية خلال اللقاء، اضافة إلى التحديات التي يشكلها الدور الصيني المتنامي في شرق آسيا.
وحرصت كلينتون على أن تناقش مع الرئيس المصري بعض القضايا التي ساهمت في تأزيم العلاقات بين القاهرة وواشنطن خلال ولاية الرئيس اوباما، وقال المسؤولون في حملتها إنها "ركزت على اهمية احترام سلطة القانون وحقوق الانسان لمستقبل تقدم مصر". واستغلت كلينتون الاجتماع لحض الرئيس السيسي على الافراج عن المواطنة الأميركية آية حجازي التي سجنت قبل سنتين بسبب ادارتها لجمعية غير ربحية في البلاد.
ولكن اجتماع كلينتون بالرئيس الاوكراني بوروشينكو ربما كان اهم اجتماع بالنسبة لكلينتون التي سعت من خلاله إلى بعث رسالة إلى الرئيس بوتين بانها ستكون متعاطفة مع اوكرانيا ربما اكثر من الرئيس اوباما بما في ذلك امكانية تسليح الاوكرانيين للدفاع عن انفسهم.
وكانت كلينتون قد قالت قبل الاجتماع انها ستناقش مع بورشينكو القضايا الناجمة عن "العدوان الروسي"، وقالت انها مهتمة بالتعرف على ما يمكن لها ان تفعله لدعم اوكرانيا.
سياسة ضحلة
الرسالة الثانية التي بعثتها كلينتون كانت لترامب الذي رفض حتى الرد على طلب قدمه بورشينكو للاجتماع به، وأرادت منها تذكير الناخبين الأميركيين والعالم بثنائه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي احتل شبه جزيرة القرم قبل سنتين، ولا تزال قواته تنشط في شرق اوكرانيا مع قوات محلية تحاربها حكومة بورشينكو. وكان المدير السابق لحملة ترامب بول مانافورت قد اضطر للاستقالة بسبب علاقاته الوثيقة مع مسؤولين اوكرانيين في الحكومة السابقة التي اطاحت بها انتفاضة شعبية.
اجتماع ترامب بالرئيس المصري، وغيره (اذا كان صادقا) لن يغير من حقيقة أن خبرته في السياسة الخارجية ومعرفته بالقضايا الامنية ضحلة للغاية، ولكن صورته مع السيسي لن تضر به بالضرورة. ومع اقتراب يوم الانتخابات، يزداد اهتمام الناخبين بالقضايا الخارجية والامنية وخاصة في اعقاب التفجيرات في الداخل، وتدهور العلاقات الأميركية-الروسية، وانهيار اتفاق وقف القتال في سوريا. ويتركز الاهتمام الان على المناظرة الاولى بين ترامب وكلينتون مساء الاثنين المقبل، حيث سيحاول ترامب تحميل كلينتون مسؤولية اخفاقات أوباما في العراق وسوريا وليبيا.
من جهتها ستحاول كلينتون اظهار ضعف وهشاشة اطلاع المرشح الجمهوري، على القضايا الاستراتيجية وعدم فهمه لأهمية احلاف دولية مثل الناتو، والقول ان ترامب غير مؤهل سياسيا ونفسيا لان يقود البلاد في هذه المرحلة الحرجة. وسوف يكون للمناظرة الاولى وقع كبير على الناخبين، لأنها ستسهل على شريحة هامة منهم اما حسم امرهم لصالح هذا المرشح أو ذلك، أو تعميق خوفهم من المرشح الاخر ورفضهم له.
العربية.نت