تتجه الأنظار نحو الرياض لمعرفة المآلات التي ستنتهي إليها اجتماعات الرئيس سعد الحريري مع مسؤولين سعوديين لمناقشة مجموعة من الملفات المتعلقة بجوانب مالية وسياسية قد تحدد مستقبل زعيم تيار المستقبل وأجندات حزبه السياسي المقبلة.
وتتحدث مصادر سعودية عن أن العنوان المعلن لاجتماعات المسؤولين السعوديين مع الحريري يتناول شؤون الأزمة المالية التي تعصف بشركة “سعودي أوجيه” والتي سبب تفاقم أزمتها حرجا للمملكة لدى الجهات الدولية المتعاملة مع الشركة، لا سيما لدى الدول التي يعاني مواطنوها العاملون في الشركة من توقف دفع مستحقاتهم، كما تسبب في إحداث سابقة لا تريد الرياض أن تؤثر على سمعة الشركات السعودية الكبرى في السوق العالمية.
لكن المصادر تعتبر أن العنوان المالي يخفي امتعاضا سعوديا من أداء الحريري السياسي والذي وإن كان فُسر بغياب قسري استمر لسنوات عن لبنان، فإن عودته إلى لبنان منذ فبراير الماضي لم تنتج تطوّرا نوعيا في أداء تيار المستقبل، بحيث أتت الإجراءات السعودية الغاضبة ضد لبنان متقدمة عن موقف التيار في التصدي للسياسة الإيرانية وأدواتها في لبنان.
ورأت أوساط سعودية قريبة من ملف العلاقة مع لبنان أن تيارا داخل المملكة كان متحفّظا تاريخيا على الرعاية الخاصة والحصرية التي كانت المملكة توليها للراحل رفيق الحريري، وأن تيارا آخر تحفّظ على خيار “خسارة سوريا” لصالح مناصرة فصيل سياسي في لبنان بعد اغتيال الحريري الأب.
إلا أن التيار الغالب في المملكة كان مناصرا للنهج الذي كان يقوده الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز والذي تراوح ما بين الدعم المطلق للحريري الابن وصولا إلى الدعم المطلق لتطبيع العلاقة بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد على النحو الذي أريد منه منح الحريري هامشا سياسيا واسعا للمناورة وتحريره من أثقال اللحظة الدراماتيكية لاغتيال والده.
وتؤاخذ أوساط دبلوماسية سعودية الرئيس سعد الحريري على سوء استخدامه للرصيد السياسي والشعبي الذي تركه له والده والدعم اللامتناهي الذي قدمته له المملكة العربية السعودية والذي لم يحظ به أي زعيم سني لبناني في تاريخ البلد.
وتعتبر هذه الأوساط أن الحريري فقد زمام المبادرة السياسية وأن الضغوط الأمنية والسياسية التي مورست ضده، والتي تتفهمها الرياض، أفقدته رشاقة المناورة السياسية واجتراح الحلول وإنتاج الخيارات.
لكن بات أداء تيار المستقبل دون مستوى التحديات، وباتت الرياض تشعر بأن استثمارها السياسي والمالي الذي تركّز لصالح الحريري وتياره لم ينجح في تعزيز قوة قائده حيث يفترض أن تمتد تحالفاتها داخل النسيج اللبناني لتقوية مناعته أمام الأجندة الإيرانية.
وترى أوساط لبنانية مراقبة لتيار المستقبل أن التيار يشعر بتصدّع خطير لحاضنته الشعبية لصالح خيارات أخرى كان أبرزها صعود ظاهرة الوزير أشرف ريفي الذي أحدث صدمة صاعقة للتيار في الانتخابات البلدية في طرابلس وهو لا يخفي خططه للتمدد داخل المناطق الجغرافية للبيئة الحريرية في طموح واضح للارتقاء نحو زعامة السنّة في البلد.
وتقول هذه الأوساط إن الرياض على علاقة جيدة بريفي على الرغم من حرصها، القديم الذي قد لا يستمر، على مراعاة حساسية العلاقة مع الحريري الذي كانت المراجع السياسية والدبلوماسية المعنية بالشأن اللبناني تعتبره المدخل الوحيد لأي علاقة مع السعودية.
وتلاحظ هذه الأوساط أن الرياض الممتعضة من أداء الحريري فتحت أبوابها لاستقبال شخصيات سنّية لبنانية كانت محسوبة في السابق على حزب الله وفتح صفحة جديدة معها، لكنها حرصت بعد ذلك على ترتيب تواصلها مع الحريري بصفته “المرجع السعودي” الأول في البلد، ما أثمر تحالفات في الانتخابات المحلية الأخيرة.
لكن هذه الأوساط استنتجت أن السعودية قد تعبت من لعب دور الداعم للحريري في بيروت وهندسة تحالفاته المحلية والإيحاء بموقفه السياسي الداخلي.
وينقل عن شخصيات لبنانية زارت الرياض مؤخرا أن السعودية لم تفرض خيارات معينة على الحريري وأن حليفا للسعودية مثل سمير جعجع بادر بقلب أجندته في ترشيح ميشال عون للرئاسة على الرغم من معرفته بتحفّظ الرياض على وصول حليف لحزب الله إلى قصر بعبدا، وأن الرياض ستتفهم أي مبادرات جريئة يقوم بها الحريري طالما أنها تتسق مع معطيات محلية تعزز من حضور تياره وتقوي تحالفاته لما فيه مصلحة البلد.
وترى أوساط دبلوماسية عربية أن المشكلة على ما يبدو تكمن في فهم للعلاقة بين الرياض وبيروت، بحيث يتم الإيحاء في الداخل اللبناني بأن الحريري ينتظر وضوحا حاسما في الموقف السعودي، في حين أن من يزور الرياض قد يستنتج انتظار العاصمة السعودية لأداء لافت رائد يقوم به الحريري، لا سيما وأن الرياض، ابتداء من وقف الهبّة السعودية للجيش اللبناني وانتهاء بـ”سحب” سفيرها من لبنان تفرج عن موقف يحتاج إلى انقلاب في خيارات المستقبل وزعيمه.
صحيفة العرب