اتخذ وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف من الجلسة الرفيعة التي عقدها مجلس الأمن حول الحرب في سوريا على هامش الدورة السنوية الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، منبراً لتبادل الاتهامات وتراشق الانتقادات في شأن المسؤولية عن تصعيد القتال على الجبهات وإخفاق الجهود الديبلوماسية لإيجاد مخرج لأسوأ أزمة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي مستهل الجلسة، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون المجتمع الدولي الى حشد العزم لإعادة إحياء عملية وقف العمليات العدائية في سوريا. واعتبر أن الاتفاق الروسي - الأميركي في 9 أيلول "فرصة جديدة". غير أنه أشار إلى الهجوم الذي استهدف قافلة أممية إنسانية تابعة للهلال الأحمر العربي السوري ووصفه بأنه "مثير للغضب".
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا إنه "يتعين على الحكومة (السورية) أن تدركا أن المرحلة الانتقالية تنطوي على نقل حقيقي للسلطة وليس مجرد انضواء المعارضة تحت الحكومة الحالية. في حين تحتاج المعارضة الى أن تدرك أن هذا الانتقال لا يتعلق فقط بشخص واحد أو برئاسة واحدة، أو بنقل السلطة من جماعة سياسية إلى أخرى، ولكن بممارسة السلطة بشكل مختلف".
لافروف
وشهدت الجلسة سخونة ملحوظة عندما تحدث لافروف فرأى أن المسؤولية تقع على الأميركيين للفصل بين قوى المعارضة والجماعات الإرهابية. وقال إن "الأولوية الأولى تتمثل في تحديد ملامح المعارضة وتمييزها عن جبهة النصرة وداعش، وإنجاح وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية، والتصدي بنجاح لمحاولات الإرهابيين وأعمالهم، ولأولئك الذين يتسترون برداء الاعتدال". وحض على "إجراء تحقيق دقيق" في استهداف القوافل الإنسانية، داعياً الى "الامتناع عن ردود الفعل العاطفية، والتحقيق بشكل مهني". وإذ لاحظ أن "المسافة بين حصول هذا الهجوم ومناطق القتال في حلب لا تتجاوز خمسة الى سبعة كيلومترات"، كشف أن بلده "قدم كل المعلومات ذات الصلة باستهداف تلك القافلة، بما في ذلك تصوير بالفيديو. وعلى رغم نداءاتنا، بما في ذلك ما ورد في قرارات مجلس الأمن في شأن ضرورة ممارسة النفوذ على المجموعات المسلحة ومجموعات المعارضة، فإن النتائج كانت هزيلة". وخلص الى أن "الوقت حان لإعادة النظر في قائمة المنظمات الإرهابية"، مبرزاً "ضرورة الكف عن التستر على من يرفضون السلام ولا يطبقون قرارات مجلس الأمن ومن يجب أن يعتبروا إرهابيين".
كيري
وفي المقابل، حمل كيري بشدة على روسيا من غير أن يوفر الرئيس فلاديمير بوتين. وقال إن لافروف "يعيش في عالم مواز للعالم الذي نعيشه". وتساءل: "كيف يمكن أناساً أن يجلسوا الى الطاولة ذاتها مع نظام يلقي غاز الكلور ويقصف مدنه مجدداً اليوم تلو الآخر؟ أيفترض أن يجلسوا إلى الطاولة نفسها وأن يجروا حواراً ودياً، مرحاً؟ توقعون اتفاق وقف النار ولا تمتثلون له! أين صدقيتكم؟". وذكر أن جميع الدول بما في ذلك إيران والسعودية وقطر وتركيا وروسيا والولايات المتحدة أكدت أنها تريد سوريا موحدة وعلمانية وتحترم حقوق الجميع، وأضاف: "دعوني أشاطركم اليوم بعض الحقائق – حقائق: في الليلة الماضية بلغتنا تقارير عن بقصف جوي لمرفق طبي بالقرب من حلب وقتل أربعة عاملين إنسانيين على رغم وقف النار. ليس هناك سوى بلدين تحلق طائراتهما في الليل، أو في أي وقت في الواقع في تلك المنطقة، روسيا وسوريا. وسيرغي (لافروف) قال للتو دعونا نتحقق من الوقائع. يوم الاثنين، قتل 20 عاملاً إنسانياً في هجوم مقيت دام ساعتين واستهدف قافلة إنسانية مأذونا بها".
وطالب موسكو باجبار حليفها السوري على "منع تحليق طائراته" العسكرية و"منعه" من قصف المعارضة والمدنيين في حلب.
وفي اطار تبادل التهم بالمسؤولية عن قصف قافلة المساعدات الانسانية، قالت وزارة الدفاع الروسية إن طائرة اميركية من دون طيار كانت تحلق في سماء المنطقة ليلة استهداف القافلة من غير ان توجه اتهاماً مباشراً الى الولايات المتحدة.
بيد ان الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" الكابتن جيف ديفيس قال: "نستطيع ان نؤكد ان أياً من طائراتنا - مع أو من دون طيار، اميركية او تابعة لقوات الائتلاف- لم تكن على مقربة من حلب عندما تعرضت القافلة الانسانية لقصف".
وفي خطوة لتعزيز قدرات روسيا العسكرية في سوريا، اعلن وزير الدفاع الجنرال سيرغي شويغو ان بلاده سترسل حاملة طائرات الى البحر المتوسط.
ايرولت
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت الى فرض عقوبات على منفذي الهجمات الكيميائية في سوريا، وخصوصا النظام السوري. وقال إنه "لا يمكن السكوت عن أي جريمة ولو على حساب تهدئة. لا سلام ما دام هناك افلات من العقاب"،. وخصّ مجلس الأمن التحرك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة "لادانة هذه الهجمات ومعاقبة مرتكبيها".
محمد بن نايف
الى ذلك، تحدث ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز أمام الدورة السنوية للجمعية العمومية، فقال إن "الصراع في سوريا الشقيقة، الذي خلف مئات الآلاف من الضحايا والمصابين وشرد الملايين، يدعونا جميعاً إلى الإسراع في وضع حد لهذه المأساة الفظيعة التي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها". وشدد على أنه "حان الوقت لإيجاد حل سياسي للأزمة يضمن وحدة سوريا ويحافظ على مؤسساتها من خلال تنفيذ مقررات جنيف 1". ولفت الى أن المملكة "فتحت أبوابها لإيواء مئات الآلاف من الشعب السوري الشقيق منذ بدء الأزمة، ليس بصفتهم لاجئين في مخيمات، بل تعاملت معهم من منطلقات أخلاقية وأخوية وإنسانية حفاظاً على كرامتهم وسلامتهم، ومنحتهم كل التسهيلات اللازمة، والرعاية الصحية المجانية، والانخراط في سوق العمل، والتعليم".
الميدان
ومنذ اعلان انتهاء الهدنة، تتعرض مناطق سورية عدة أبرزها مدينة حلب وريفها في شمال البلاد لغارات كثيفة في اليومين الاخيرين. وتسببت احدى هذه الغارات ليل الثلثاء- الاربعاء، استناداً الى "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له بمقتل أربعة كوادر طبية في بلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي.
وتحدث عن "تقدم لقوات النظام في المنطقة" حيث استعادت السيطرة على ابنية عدة كانت خسرتها الشهر الماضي.
وعلى جبهة اخرى، قتل 13 شخصاً على الاقل بينهم ثلاثة اطفال وأصيب 35 آخرون بجروح جراء صواريخ اطلقتها طائرات حربية على مدينة شيخون في محافظة ادلب.
وأفاد وزير الدفاع التركي فكري ايشك أن الفصائل المقاتلة السورية التي تدعمها انقرة ستقود هجوماً محتملاً لطرد الجهاديين من مدينة الباب شمال سوريا وليس الجيش التركي، نافياً بذلك تقارير صحافية. وقال: "اننا ندعم وسندعم بكل ما يلزم (الفصائل المعارضة التي تدعمها انقرة) لكننا لا نخطط لتدخل قوات المشاة... لا نرى سببا في الوقت الراهن للاستعانة بسلاح المشاة".
وتناقض تصريحات الوزير تقارير نشرتها صحيفة "حريت" نقلاً عن مسؤول لم تكشف اسمه عن بحث انقرة في ارسال قوات اضافية الى شمال سوريا لهذا الغرض.