من المرجح أن يفيد أفرقاء سياسيون من مشاركة وزير الخارجية جبران باسيل جنبا الى جنب مع رئيس الحكومة تمام سلام في غالبية لقاءاته مع مسؤولين كبار على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، من بينها اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومشاركة وزير التربية الياس بو صعب في اجتماعات دولية في نيويورك من أجل دحض المنطق الذي تم بناء الاعتراض العوني على أساسه أخيرا، أي المظلومية المسيحية وغياب الشراكة مع الآخرين. والواقع أن هذه الصورة، بغض النظر عما اذا كانت شكلية في مجملها أو أنها تعبر عن وجود حكومة يشارك فيها الجميع ويعبرون عن هذه الشراكة في الخارج أمام أعين المجتمع الدولي، فهي تناقض الاحتقان الذي يتم تعبئة الشارع المسيحي على أساسه، استنادا الى الموقف الذي يعتمده التيار العوني من رفض التمديد للعماد جان قهوجي نهاية الشهر الجاري، تحت عنوان ان الشراكة غير موجودة وهي تنتقص من حقوق المسيحيين. إذ كيف لا تكون ترجمة للشراكة السياسية والطائفية، فيما وزير الخارجية رئيس "التيار الوطني الحر" يشارك رئيس الحكومة في كل لقاءاته الخارجية ويحضر بقوة على كل المستويات الديبلوماسية والسياسية؟ هذه الصورة للشراكة اللبنانية تتناقض ايضا مع تعطيل الحكومة على خلفية انه اذا كان ثمة مصالح للبنان عموما يراعيها التيار العوني ازاء الخارج، فإن ذلك لا يحصل ازاء متطلبات الداخل ولا يتم التعاطي سواسية ازاء هذا المصالح ما لم تكن هناك مصالح مباشرة له لا ينوي التضحية بها مع بعض الدول، خصوصا اذا كان الهدف استمرار محاولة تسويق العماد ميشال عون للرئاسة. ولا تختلف هذه المشهدية عن تلك التي تفيد بلقاءات تفرد بها وزير الخارجية معبرا مبدئيا عن سياسة لبنان الخارجية وموقفه من جملة مسائل تخص لبنان عموما. فهذه المشهدية في نيويورك لا تستوي مع الشكوى من مظلومية تلحق بـ"التيار" ويتم تكبيرها لتلحق بالمسيحيين عموما وفق المنطق المستخدم، والذي أدى الى تعطيل جلسات طاولة الحوار وتعطيل الحكومة. فلا يمكن ان يجلس باسيل الى جانب سلام في الاجتماعات مع مسؤولين في الخارج ويعود ليهاجم رئيس الحكومة مجددا تحت شعار الانتقاص من حقوق فريقه، وبسبب التمديد لقائد الجيش الذي يعود للطائفة المارونية وليس لأي سبب آخر. فهذه عوامل ستستخدمها اطراف سياسية عدة استفزها على نحو سلبي الخطاب التعبوي، والبعض يقول الطائفي، الذي استخدمه رئيس "التيار" على طاولة الحوار، ولاحقا في خطاباته الشعبوية.
يروج البعض القريب من "التيار" أن مشهد نيويورك قد يساهم في إيجاد مخرج بناء على التواصل المحتمل بين رئيس الحكومة والفريق العوني، مما قد يسهل على هذا الفريق النزول جزئيا عن شجرة الميثاقية والشراكة التي رفع سقفها أخيرا وبدأ الحشد على أساسها، بحيث يساهم هذا التواصل في تنفيس مضمون حملة التعبئة التي بدأها "التيار الوطني الحر" استعدادا للاحتفال بذكرى 13 تشرين الأول، لتنحصر بالذكرى فقط من دون سائر العناوين التي تم التصعيد على أساسها أخيرا، وساهمت في توتير الاجواء السياسية في البلد. وهذا الإخراج يمكن أن يوفر لـ"التيار" فرصة العودة عن تعطيل الحكومة، بالاستناد الى أن وجود الفريق العوني الى جانب رئيس الحكومة يعني أن هذا التعطيل لم يعد قائما، ويفترض ان يسري على الداخل وشؤون الناس وليس امام الخارج واعينه فقط. وخلاصة المواقف والاتصالات التي أجريت، أظهرت لـ"التيار" أن حركته التصعيدية ستكون من دون أفق في جلسة 28 أيلول وكذلك في تظاهرات يقول إنه سيدعو اليها في ذكرى 13 تشرين، انسجاما او استمكالا لخلق قوة دفع تؤدي الى انتخاب العماد ميشال عون. وتفيد مصادر ديبلوماسية غربية ان "التيار" تبلغ منها ومن سواها ايضا عدم رؤية أي تغيير محتمل في المشهد السياسي في لبنان في المدى المنظور، بما يتيح وصول انتخاب عون، بمعنى ان عليه ان يحسب حساب تصعيد في الشارع لن يؤدي الى اي نتيجة، بل يساهم على العكس في تكبير حجم الخسارة الشخصية متى استخدمت الاسلحة السياسية المتوافرة في يده في غير الوقت او غير الظرف المناسب الذي يوصل الى النتيجة المتوخاة. في حين تتفهم هذه المصادر ان يعبر "التيار" عن مطالبه من خلال احياء ذكرى 13 تشرين، لكن من دون تبني لغة تصعيدية، ويبدو ان زعيم "التيار" حاول ان يخفف الطابع التصعيدي للحشد لذكرى 13 تشرين أمام المتصلين به من البعثات الديبلوماسية.
هل تذهب طاولة الحوار ضحية عدم التضحية بعمل الحكومة واستمراريتها، ولو بالحد الادنى الذي تقيم عليه في المرحلة الراهنة؟
يخشى البعض بقوة هذا المنحى. لكن على رغم اهمية الحوار، فإنه يبدو أقل تأثيرا من تعطيل الحكومة التي يمكنها في اسوأ الاحوال الاستمرار في اتخاذ قرارات يحتاج اليها البلد بشدة عند الضرورة، خصوصا ان طاولة الحوار ليست منتجة الى حد ملموس بإقرار الجالسين اليها من الافرقاء. فالحكومة تبدو الخط الاحمر الذي لا يجوز تعطيله او تجاوزه، في حين ان العمل سيتم من اجل تأمين انعقاد المجلس النيابي في دورته العادية لاقرار بعض المشاريع الملحة في انتظار ايجاد صيغة تعيد الحياة الى طاولة الحوار.