قياساً على المواقف الأخيرة، فقد أُفرغ موعد 28 أيلول من أيّ نكهة رئاسية أو سياسية. وسيتحوّل موعداً لجلسة تحمل الرقم 45 من مسلسل الدعوات التي حدّدها رئيس المجلس لإنتخاب رئيس الجمهورية والتي قضى على 44 منها تحالف امتهَن تطيير النصاب. وهو أمر يُبقي الـ23 من كلّ أيلول موعداً ارتبط أكثر من غيره بالإستحقاق. فما الذي يعنيه ذلك؟

لعهود رئاسية خلت، شكّل 23 أيلول محطة رئاسية مهمة تؤرّخ نهاية عهد رئاسي وبداية عهد جديد تسلّم خلالها عددٌ كبير من رؤساء الجمهورية مقاليد الحكم في البلاد قبل أن تسود ظاهرة «التمديد» و»التجديد» وقبل أن يُغيّر الشغور الرئاسي في مواعيدها بتسجيل أخرى متفرّقة على لائحتها ومعها العهود الرئاسية.

منذ الاستقلال بقيَ 23 أيلول صاحب الرقم القياسي في تسجيل بدايات ونهايات عهود. فالرئيس بشارة الخوري الذي انتُخب عام 1943 أمضى تسع سنوات في القصر الجمهوري قبل أن يتقدّم باستقالته في 19 أيلول 1952 فلم يسمح مجلس النواب بشغور امتدّ أكثر من خمسة أيام وإنتخب الرئيس كميل شمعون في 23 منه وتسلّم مهامه الرئاسية في اليوم عينه.

وفي نهاية عهد شمعون، تسلّم قائد الجيش فؤاد شهاب يومها مقاليد الرئاسة في 23 أيلول 1958 منهياً ما سمي بثورة العام نفسه، وسلم مقاليد الحكم في 23 أيلول 1964 الى الرئيس شارل حلو ومنه في التاريخ عينه انتقلت الأمانة الى الرئيس سليمان فرنجية، فالرئيس الياس سركيس من دون أيّ تعديل في موعد التسليم والتسلّم.

وفي نهاية ولاية سركيس، انتخب الرئيس الشهيد بشير الجميّل رئيساً في 23 آب 1982 ولم تسمح المؤامرة في حينه بأن يتسلّم مقاليد الرئاسة في 23 أيلول رغم إصرار سركيس على تقليص الولاية ولو لأيام قليلة، لكنّ اغتياله لم يحل دون احترام المهل الدستورية، فإنتخب الرئيس أمين الجميّل وتسلّم مهامه في 23 أيلول 1982، فكان هذا الموعد أي 23 أيلول من ذلك العام موعداً نهائياً يؤرّخ لتاريخ الإستحقاق الرئاسي ويفتح سجلاً لمواعيد جديدة على روزنامة الإستحقاق.

كان ذلك بسبب شغور الموقع الى حين انتخاب الرئيس الشهيد رينه معوض في 5 تشرين الثاني 1989 ولم يتسلّم مهامه من سلفه الى حين اغتياله، فانتخب الرئيس الياس الهراوي وتسلّم مهامه في ظل شغور مماثل امتد أياماً قليلة وصولاً الى 24 تشرين الثاني من العام نفسه، فكان الرئيس الثاني الذي لم يتسلّم من أحد وشاح الرئاسة.

وفي نهاية تلك الولاية، دخلت «ظاهرة» التمديد على الخط الرئاسي، لثلاث سنوات، وتكرّرت العملية مرة أخرى في نهاية ولاية العماد إميل لحود الذي تسلّم مهامه خلفاً للهراوي في 24 تشرين الثاني 1998، وانتهت ولايته في 24 تشرين الثاني 2007، فسادَ شغور جديد امتد الى 25 أيار 2008 تاريخ انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فاستعادت الولاية الرئاسية سنواتها الست لكنّ سليمان لم يسلّم مهامه لأحد بعدما انتهت ولايته بشغور ما زال متمادياً من دون أن يتمكن أحد من تحديد أيّ موعد محتمل لإنتخاب خلفه.

وعليه، لم يكن هذا الإستعراض لولايات الرؤساء وتأريخ بدايات عهود ونهايات أخرى لغرض تأريخي بقدر ما شكل مؤشراً لإفتقاد اللبنانيين قدرتهم على إدارة شؤونهم الداخلية على كلّ المستويات. فقد ظنّ كثر في الداخل والخارج أنّ اللبنانيين وبعدما تخلّصوا في 25 أيار 2000 من عبء الإحتلال الإسرائيلي وفي 26 نيسان 2005 من مظاهر الوجود السوري، قادرون على إدارة الإستحقاقات الدستورية بنجاح، فظهر العكس وتشعّبت الأزمات وتناسلت حتى طاوَلت النفايات والصحة والبيئة والتربية والبطالة وقضايا أخرى يبدو معيباً الإشارة اليها في عالم تجاوز 16 عاماً من القرن الواحد والعشرين.

وفي مثل الظروف التي يعيشها لبنان، يمكن القول إنه سينال رقماً جديداً في سجلّات كتاب «غينيس»، في أيّ إشارة الى وجود بلد ما زال قائماً ومعترَفاً به على لائحة الدول المنتمية الى الأمم المتحدة بلا رئيس للجمهورية منذ 29 شهراً من دون أن يرفّ جفن لأيّ مسؤول ممَّن فشلوا في إجراء الإنتخابات الرئاسية، أو «رجال الدولة» الذين يتباهون بقدرتهم على تمديد الشغور الى أجلٍ غير مسمى رغم كلّ ما يشهده محيطنا من بحور للدم، وفي ظلّ المخاطر التي تُهدّد البلد في حدوده وأمن أبنائه وكيانه ومؤسساته، ويمكن أن تطاول المصير.

وبناءً على ما تقدم، ألا تكفي هذه الإشارات الكاملة بوجوهها الأمنية والدستورية والسياسية الى التاكيد أنّ موعد 28 أيلول الذي بتنا على مسافة أيام منه، لن تكون له أيّ قيمة دستورية أو رئاسية. ولذلك كله لن يدخل لائحة تؤرّخ الإستحقاقات الرئاسية منذ استقلال لبنان والى اليوم، ومَن بنى عليه أيّ احتمال من هذه الإحتمالات فليتحمّل مسؤولية ما راهن عليه وانتظره، وأقلّ ما يُقال فيه وله إنّ «ذنبه على جنبه» والى يوم الدين والحساب.

 جورج شاهين