مع عجز واشنطن وموسكو ومن خلفهما «المجموعة الدولية لدعم سوريا» عن اتخاذ إجراء عملي لاستئناف «الهدنة» التي انتهت مدة سريانها مساء أول من أمس، وعودة جبهات الميدان إلى الاشتعال تباعاً، يقترب اتفاق وقف إطلاق النار من الدخول في مرحلة «الموت السريري»، من دون إعلان أي طرف فشل الاتفاق بشكل كامل
لا تبدو حال اتفاق «الهدنة» اليوم مختلفة عن حال سابقه الذي أُقرّ في شباط الماضي. حينها تسبّبت الخروقات المتكررة والفشل في إحراز تقدم سياسي في مباحثات «جنيف» في عودة المعارك العنيفة، من دون أي إقرار من رعاة «الهدنة» بانهيارها.
ورغم الإجماع الدولي على أن وقف إطلاق النار الحالي «لم يمت بعد»، فإن المؤشرات جميعها تدلل على أنه أصبح خارج نطاق الفاعلية. وفيما حملت الأيام الأولى للاتفاق تقدّماً حذراً على مستوى تنفيذ جدوله الزمني تمثّلت في التمديد المؤقت لإتمام مهلة الأيام السبعة، بدت آمال نجاح الاتفاق شبه معدومة عقب التوتر الأميركي ــ الروسي في مجلس الأمن الدولي.
ويعكس الإصرار على عدم «نعي» الاتفاق ما كان قد أشار إليه قبل أيام وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن «انعدام الخيارات» لدى بلاده في حال فشل الاتفاق.
وفي ظل إخفاق اجتماع مجموعة دعم سوريا في التوصل إلى توافق أمس، وتحديد الجمعة المقبل كموعد جديد لاجتماع إضافي، خرج المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ليعلن أن «الاتفاق لم يمت بعد»، موضحاً أن «الطرفين الروسي والأميركي هما المعنيان بإعلان الفشل... ولكنهما قررا إعطاءه فرصة أخرى». كذلك، أعاد وزير الخارجية الأميركي، ومندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، حرفياً ما قاله دي ميستورا، غير أن تشوركين أشار في تصريحات نقلتها وكالة «تاس» الروسية إلى أن الاتفاق «غير قابل للتطبيق»، في ظل رفض واشنطن «نشر تفاصيله»، موضحاً أنه «لا يمكن إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالموافقة على الاتفاق، من دون إطلاعهم على بنوده».
الحرص الأميركي على استمرار «الهدنة» من دون إحراز تقدم حقيقي في مقتضيات الاتفاق، عكسه تأكيد الرئيس باراك أوباما، في آخر كلمة يلقيها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، أن «السبل الديبلوماسية» هي الطريق الوحيد لإنهاء الحرب المستمرة في سوريا، مؤكداً أنه «لا يمكن تحقيق نصر عسكري حاسم».
ومع الإصرار الروسي على التزام واشنطن بفصل «المعتدلين عن الإرهابيين» كشرط لإنجاح التعاون المستقبلي، تحاول الأخيرة تقديم محفّزات إضافية لموسكو. ففي وقت لمّحت فيه إلى أنها في صدد إعادة النظر في مستقبل التعاون مع موسكو حول الأزمة السورية على خلفية «خرق إطلاق النار غير المسبوق»، أعلنت إدراجها لتنظيم «جند الأقصى» الذي ينشط بشكل رئيسي حالياً على جبهة ريف حماة الشمالي، على لائحتها للمنظمات الإرهابية. ووصف بيان الخارجية التنظيم بأنه كان على «علاقة جيدة بجبهة النصرة والقاعدة».
وتتجه واشنطن بشكل واضح إلى التنصّل من التزامها بفصل «المعتدلين» عن «النصرة»، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي، عقب اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا أمس، إذ أكد أن المجتمعين «بحثوا أهمية مواصلة الضغط على جماعتي داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين، مع الإقرار بصعوبة فصل النصرة عن المعارضة المعتدلة في بعض مناطق البلاد».
من جهتها، كانت موسكو قد أعلنت على لسان المتحدث باسم الرئاسة ديميتري بيسكوف أن أمل «استئناف» وقف إطلاق النار أصبح «ضعيفاً جداً»، وهو لفت إلى أن «شرط استئناف الهدنة بسيط جداً... وهو أن يوقف الإرهابيون إطلاق النار على القوات المسلحة السورية». وأشار إلى أن «جبهة النصرة» بدأت (أول من أمس) هجوماً في عدد من المناطق، وهو «ما اضطر القوات الحكومية إلى الرد»، مشيراً إلى أن التنظيم استغلّ فترة الهدنة «للتزود بالسلاح وإعاد تنظيم صفوفه». وبينما قال إن على الجانب الأميركي تجنّب «قصف السوريين بالصدفة»، لفت إلى أنّ واشنطن فشلت في «الفصل بين ما يسمى المعارضة المعتدلة والإرهابيين».
وفي سياق آخر، حمّل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، خلال كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الحكومة السورية مسؤولية انهيار وقف إطلاق النار، مطالباً «داعمي» الرئيس السوري بشار الأسد بالمساعدة في «فرض السلام»، أو «تحمّل مسؤولية تفكّك البلاد والفوضى». وبالتوازي، ندّد منسّق «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، رياض حجاب، بـ«الضعف التام» للمجتمع الدولي و«انعدام المصداقية» في الجهود الدبلوماسية لإعادة «الهدنة».
وعلى صعيد آخر، هاجمت وزارة الخارجية السورية مضمون خطاب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول الرئيس السوري بشار الأسد، موضحة في بيان أن «ما جاء في خطاب بان كي مون يبتعد كل البعد عن أحكام ميثاق الأمم المتحدة الذي كان على من يشغل منصب الأمين العام أن يحترمه». وكان بان قد أشار إلى أن مستقبل سوريا لا ينبغي أن يعتمد على مصير شخص واحد، بعد العنف والاضطراب اللذين تشهدهما البلاد.