حَلَّ 20 أيلول، والذاكرة لا يغيب عنها أيلول نداء المطارنة الموارنة عام 2000 بقيادة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الذي وَضَعَ فيه الحجر الأساس لثورة الأرز مُعلناً بداية الثورة ضد الوصاية السورية للبنان. لكنّ المشهد السياسي اليوم يبدو بعيداً شكلاً ومضموناً عن ذاك «الأيلول الثوروي التحريري» بعد تفجّر أزمات المنطقة، وتصدّره أمس ثلاثة عناوين رئيسية: الأول برز في إلقاء الرئيس الأميركي باراك اوباما آخر كلمة له كرئيس أمام الأمم المتحدة قبل انتهاء ولايته، العنوان الثاني إقليمي تمثّل باستئناف العمليات العسكرية في سوريا واستهداف شاحنات محمّلة بالمساعدات في ريف حلب الغربي، والعنوان الثالث محلي عبر استمرار التشنجات السياسية والمواقف العالية النَّبرة والتي ظهرت في بيان كتلة «المستقبل»، محمّلاً «حزب الله» مسؤولية تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية ومؤكداً استمراره في ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
فيما تستمر أجواء المراوحة السلبية التي تتحكم بالمشهد السياسي العام في البلاد، تشخص الانظار الى ما تبقّى من مواعيد في روزنامة شهر ايلول الجاري وأبرزها محطّتان اثنتان ستحددان اتجاه الرياح الرئاسية والحكومية، الأولى تتمثّل بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 28 الجاري وسط استمرار غياب المؤشرات التي توحي بإمكان انتخاب الرئيس العتيد، والثانية تتمثّل بجلسة مجلس الوزراء المرتقبة، والتي تنتظر عودة رئيس الحكومة تمام سلام من نيويورك للدعوة اليها. وبين هاتين المحطتين تبدو روزنامة النصف الثاني من شهر ايلول الجاري حافلة بمواعيد التظاهرات والاعتصامات، حيث سيكون الشارع على موعد مع طرفي الانتاج: العمّال، وأرباب العمل.

وفيما ينتظر الجميع عودة الرئيس سعد الحريري لإعادة تحريك الاتصالات الرئاسية مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط والمعنيين، لوحظ انّ الرابية حافظت على منسوب تفاؤلها بإمكان إخراج التسوية الرئاسية، القاضية بانتخاب رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون رئيساً، والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، على رغم الانتكاسات التي تتعرّض لها بين الفينة والفينة. وقد وصفت أمس التسريبات والنفي في ما يتعلق بجلسة الانتخاب المرتقبة بأنها «تقنيات لإحباط جمهور «التيار الوطني الحر» وتصوير واقع غير موجود»، وأكدت انّ موقفها من انتخابات الرئاسة وسائر القضايا الوطنية غير مرتبط بأيّ موقف سياسي من أيّ طرف كان، وشددت على ان لا رجعة عن تحّركها ولا عودة الى الوراء.

عدوان

«القوات اللبنانية» ليست بعيدة عن هذه الأجواء إذ تعتبر انّ تجنّب التصعيد يكون عبر مدخلين: إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً أو قانون جديد للانتخابات النيابية، وهي تعمل وفق خطة مرسومة لتحقيق هذين الأمرين من خلال علاقاتها مع حلفائها والمكوّنات السياسية الأخرى.

وقال نائب رئيس حزب «القوات» جورج عدوان لـ»الجمهورية»: «نحن نتواصل مع «تيار المستقبل» وننتظر مجيء الرئيس سعد الحريري ليحسم قراره في ما يتعلق بانتخاب ميشال عون رئيساً. أمّا في حال استمرّ بترشيحه لفرنجية، فسنسعى إلى ولوج المدخل الثاني وهو قانون جديد للانتخابات النيابية».

أضاف عدوان: «على هذا الصعيد، نحاول إقناع «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» على القانون المختلط، وبالتالي نسعى إلى تقريبه من خيارات «التيار الوطني الحر»، لكن إن فشلنا في إقرار قانون جديد في 13 تشرين الأول المقبل موعد الدورة العادية لانعقاد مجلس النواب، فلن يكون أمامنا سوى التصعيد، ونحن لا نتمنّى ذلك».

لكن إذا اختارت «القوات» التصعيد فإنها ستدرس خطواتها على نحو دقيق بحسب عدوان، «لأنه بقدر ما نعاني أزمة في الشراكة في ما يتعلق بقانون الانتخابات، نحن نعتبر أنفسنا حاملين لواء الطرح الوطني والعيش المشترك ونتحالف مع «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، لذلك لن يكون موضوع تصعيدنا طائفياً خصوصاً انّ قانون الانتخابات بات مطلباً وطنياً لدى كل الناس. صحيح انّ مطلبنا في الأساس هو تصحيح التمثيل المسيحي إلّا أننا سنضعه في إطار وطني انطلاقاً من حرصنا الوطني».

«المستقبل»

في موازاة ذلك، لوحظ حرص تيار «المستقبل» على تأكيد عدم حصول أي تغيير في موقفه لجهة دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

واعتبرت كتلة «المستقبل»، بعد اجتماعها أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، «انّ البثّ المتكرر لأكاذيب وأضاليل متعلقة بوعود مزعومة ولقاءات غير حقيقيّة لن تغيّر شيئاً في الحقائق والوقائع»، وشددت على أنّ مبادرة الرئيس سعد الحريري المتمثلة بدعم ترشيح فرنجية «مستمرة وقائمة، والآخرون هم المطالبون بتقديم ما لديهم من اقتراحات ومبادرات».

ولفتت الى انّ «الرئيس الذي يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الحساسة والخطرة، هو الرئيس الذي يستطيع أن يجمع الشعب اللبناني ولا يفرّق صفوفه، ويخدم انتخابه تدعيم الفكرة النبيلة للعيش المشترك في لبنان».

الحريري عائد؟!

وقالت مصادر قريبة من الحريري لـ»الجمهورية» انه عائد الى بيروت «قبَيل جلسة الانتخاب أو بعدها، فليس هذا المهم، فالجلسة مجرّد رقم في مسلسل الجلسات التي ستحمل الرقم 45 ولن تكون أفضل من سابقاتها، وسيّان إذا شارك الرئيس الحريري فيها أم لا فلن يوفّر النصاب الذي يصرّ «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» على تعطيله منذ 44 جلسة.

وأضافت: «انّ موقف كتلة «المستقبل» واضح وصريح وما بُني على أساس انّ المواقف قد تبدّلت فقد اصطدم بالحقيقة التي عبّر عنها موقف الكتلة أمس على أمل ان يَتّعِظ البعض من البناء على سيناريوهات وهمية لا اساس لها من الصحة».

فتفت

إلى ذلك، اكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت أنّ الرواية التي تحدثت عن تجميد عضويته في الكتلة لا أساس لها من الصحة، ووصَفها بأنها «من نَسج خيال البعض الذين يتوهمون أموراً غير طبيعية».

وقال فتفت لـ»الجمهورية» على هامش مشاركته في الندوة التي عقدت في بيت الكتائب المركزي في الصيفي في الذكرى السادسة عشرة لانطلاقة لقاء «قرنة شهوان»: «شاركتُ في اجتماع الكتلة اليوم قبل أن احضر إلى بيت الكتائب»، وأضاف ممازحاً: «إستثنائياً اصطحبتُ معي الى اجتماع الكتلة النائب الصديق قاسم عبد العزيز الذي كان يغيب كثيراً عن اجتماعاتها».

الحوار الثنائي

وعلى رغم انّ بيان تكتل «المستقبل» اعتبر «مواقف «حزب الله» منتهكة للدستور، وتفضح مجدداً مواقفه التي يتقصّد من خلالها تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية»، إنعقدت مساء امس جلسة الحوار الـ 34 بين حزب الله» و»تيار المستقبل» في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل.

وبعد الجلسة، صدر البيان التالي: «ناقش المجتمعون الازمة العميقة التي تعانيها المؤسسات الدستورية الثلاث وأثرها على الاستقرار في البلاد، خصوصاً بعد توقّف الحوار الوطني وسبل الخروج منها. وأكدوا على ضرورة التواصل بين الافرقاء لتأمين المخارج».

وقد علمت «الجمهورية» أنّ الجلسة استمرت ثلاث ساعات تخللها عشاء تطرّق فيه المجتمعون الى مجمل الوضع العام بدءاً من الحكومة مروراً بمصير العماد عون ووصولاً إلى قضية النازحين والوضع المأزوم.

وفي سياق دردشة من خارج جدول الأعمال والبيان، قالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية»: «انّ الأهم هو اللقاء الذي يحصل بين «المستقبل» و»حزب الله» على رغم التوتر والجو التصعيدي القائم».

واضافت انه «لم يظهر لدى احد من المجتمعين أنّ هناك جلسة انتخاب رئيس في 28 او انّ خرقاً ما سيحصل في وقت قريب من هذا التاريخ، وكل ما ورد في الإعلام في الايام السابقة كان خارج سياق الحل. ولو تمّ التوصّل إلى اتفاق لحصل اللقاء بين جبران باسيل والرئيس سعد الحريري في باريس». وأكدت المصادر «انّ الاجواء لا تزال ضبابية في كل اتجاه، والجميع يعلم هذا الأمر ويعمل تحت سقف الانتظار».

امّا في الموضوع الحكومي، فأجمع الطرفان انّ عليهما انتظار عودة الرئيس سلام لمعرفة ماذا سيفعل او كيف سيتصرّف.

«الكتائب»
وفي موازاة ذكرى إطلاق نداء المطارنة الموارنة في 20 أيلول، أراد حزب «الكتائب» تنظيم ندوة استذكارية لقوى 14 آذار، ولعلّ العنوان جاء معبّراً «16 عاماً بعد انطلاقة لقاء قرنة شهوان... خلاصات وعبَر»، تناوَبت فيها الشخصيات السياسية والممثلة لـ14 آذار على إلقاء كلمات استنهاضية، مشددة على ضرورة إعادة توحيد القوى السيادية، وإنقاذ الشراكة المتكافئة في الوطن، واستمرار مفعول «لبنان اولاً» كشعار جامع للقوى السيادية، وطالبت بإنتاج قانون للانتخاب، وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية.

لبنان في نيويورك

الى ذلك، حضر الشغور الرئاسي في نيويورك خلال لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة تمام سلام، إضافة الى ملف النازحين السوريين. واكد هولاند انه سيطرح أزمة الفراغ وسائر الازمات اللبنانية في كل لقاءاته، خصوصاً مع ولي العهد السعودي ووزير الخارجية الايراني. واعلن انّ بلاده في طور الاعداد لاجتماع لمجموعة الدعم للبنان في تشرين الثاني في باريس لاتخاذ ما يلزم من تدابير لمساعدة لبنان على كل الصعد، واكّد متابعته باهتمام تطورات الوضع في لبنان.

«زحمة» واعتصامات وتظاهرات

مطلبياً، تنفّذ اتحادات ونقابات قطاع النقل البري الإضراب والتظاهر ابتداء من الساعة السادسة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة على أن تبدأ التجمّعات في كل المناطق. وسيتم تنظيم تظاهرات تنطلق من ساحة الكولا ومن ساحة الدورة وصولاً إلى ساحة رياض الصلح.

وفي الشمال، سيتمّ التجمّع والانطلاق من ساحة التل وصولاً إلى السراي.

وفي النبطية، تُنظّم تظاهرة من أمام المدرسة المهنيّة في النبطية وصولاً إلى السراي.

في سياق متصل، قررت اتحادات ونقابات عمّالية مختلفة، جمعت هيئة التنسيق النقابية الى روابط الاساتذة، ومجموعة من التجمعات العمالية، «الاعتصام في ساحة رياض الصلح يوم الثلثاء 27 أيلول الساعة الخامسة تحت عنوان واحد: «عودة الحياة الدستورية ومعالجة الوضع المعيشي المتردّي».

كما أُعلن عن «التحضير لتحرّك ديموقراطي كبير في النصف الثاني من تشرين الأول عند بداية العقد التشريعي لمجلس النواب، وسيشمل التحرّك جميع المناطق اللبنانية.

جدير بالذكر انّ الهيئات الاقتصادية على موعد مع تحرّك في الشارع في 29 ايلول الجاري، يتضمن الاعتصام ووَقف الاعمال لفترة زمنية محدودة، بالإضافة الى اعتصام أرباب العمل أمام غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت.