فيما تغرق سوريا مجدداً في سفك الدماء، وبعدما أوقفت الامم المتحدة قوافل مساعداتها الانسانية في البلد المضطرب أمس، تسعى الدول الكبرى جاهدة لاقناع نفسها بأن وقف النار يمكن انقاذه. واستأثرت سوريا بحيز واسع من انطلاق الإجتماعات الرفيعة المستوى للدورة السنوية الحادية والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة العشرات من زعماء الدول الـ193 الأعضاء. واغتنم الرئيس الأميركي باراك أوباما فرصته الأخيرة أمام هذا المحفل قبل أشهر قليلة من مغادرته البيت الأبيض ليحض على "تصحيح المسار" في اتجاه عالم متكامل، قائلاً إن المكاسب التي أحرزت في العقود الأخيرة تتعرض للتهديد بسبب "الغموض والقلق والصراع".

 

مجموعة الدعم الدولية
واكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان المساعي الاميركية الروسية للتوصل الى وقف النار في الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات "لم تنته"، ووعد بمعاودة المحادثات الدولية هذا الاسبوع.
الا ان تصريح كيري الحاسم بعد اجتماع مقتضب في نيويورك للمجموعة الدولية لدعم سوريا، لم تخف جو التشاؤم بين وزراء الخارجية لدول المجموعة.
ووصل كيري الى الاجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ليرأس المجموعة التي تضم 23 دولة.
والعلاقات بين اعضاء المجموعة متوترة بعد الغارة الجوية التي شنها الائتلاف خطأ مما أدى الى مقتل أكثر من 60 جندياً سوريا السبت.
والاثنين بدا ان المحادثات محكوم عليها بالفشل بعدما اعلن الجيش السوري انتهاء وقف النار الذي تم التوصل اليه بوساطة اميركية - روسية، واصابة قافلة مساعدات تابعة للامم المتحدة في غارة جوية.
الا ان كيري اغتنم فرصة اجتماع أعضاء مجموعة الدعم في نيويورك على هامش الجمعية العمومية للامم المتحدة ليجري محادثات ازمة.
وعلى رغم ان جو المحادثات كان قاتما ولم تثمر نتائج، الا انها شكلت فرصة لكيري ومبعوث السلام الدولي الى سوريا ستافان دو ميستورا للتأكيد ان العملية لم تنهر.
ولم تستمر المحادثات سوى ساعة، وقال المشاركون فيها ان الجو كان متوتراً وجدياً.
وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية جون كيربي بان الوزراء "اتفقوا على انه على رغم استمرار العنف، لا يزال من الضروري السعي للتوصل الى وقف للعداوات في انحاء سوريا يستند الى الترتيب الذي تم التوصل اليه الاسبوع الماضي في جنيف بين الامم المتحدة وروسيا.
وصرح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ان "الجو السائد كان ان أحداً لا يريد التخلي عن وقف النار". وأضاف: "بصراحة إن عملية كيري ولافروف هي المساعي الوحيدة الان وعلينا ان نعيدها الى مسارها".
ورأى وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرلوت أن الاجتماع كان متوتراً، الا ان على الدول الاخرى ان تساعد موسكو وواشنطن في التغلب على الخلافات. وقال: "لقد كان اجتماعاً دراماتيكياً، والجو العام كئيب. هل ثمة أمل؟ لا استطيع الاجابة عن ذلك بعد، ولكن علينا ان نبذل كل ما في وسعنا". وشدد على أن "المفاوضات الاميركية - الروسية وصلت الى حدها. والكثير لم يقل بعد. الروس والاميركيون لا يمكنهم ان يقوموا بذلك وحدهم".

 

من أغار على القافلة
وطالب مسؤولون أميركيون روسيا بتحمل مسؤولية ما قالوا إنه غارة جوية شنتها الطائرات الروسية أو السورية على قافلة المساعدات الدولية قرب مدينة حلب.
لكن وزارة الدفاع الروسية نفت أي دور لها في الغارة وحاولت توجيه الاتهام الى الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد. كما نفى الجيش السوري علاقته بالغارة.
ونقلت وكالات روسية للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية أن قافلة مساعدات تعرضت لهجوم في سوريا كانت ترافقها شاحنة مكشوفة لمتشددين مسلحة بمدفع هاون. وأوردت عن ناطق باسم الوزارة أن لقطات من طائرات من دون طيار أظهرت "تفاصيل جديدة" للحادث. واشارت الى ان حريقاً شب في القافلة.
وأعلنت الأمم المتحدة أن قافلة المساعدات تعرضت "لهجمات" الاثنين لا "غارات جوية" كما قالت من قبل.
وصرح الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ينس لايركه: "لا نستطيع تحديد ما إذا كانت هناك غارات جوية في واقع الأمر. وما يمكننا قوله هو أن القافلة هوجمت".
ووصف بيان صادر عن كبار مسؤولي المعونات الإنسانية في الأمم المتحدة في سوريا والمنطقة ما حصل بأنه "غارات جوية" ولكن سرعان ما عدل ذلك ليصير "هجمات" بعد ما قال لايركه إنه خطأ في الصياغة على ما يبدو.
إلا ان الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية الكولونيل جون توماس أفاد أن الهجوم الدامي على القافلة نفذ في ما يبدو بواسطة غارة جوية ولكن لم تشنها مقاتلات الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وعلقت الأمم المتحدة كل شحنات المساعدات إلى سوريا بعد الهجوم. كما علقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الاحمر العربي السوري مساعداتهما.
وقال الهلال الأحمر العربي السوري إن رئيس مكتبه المحلي ونحو 20 مدنياً قتلوا في الهجوم الذي حصل الاثنين وألقى "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تبعته على طائرات روسية أو سورية.
وندد الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون بـ"الهجوم المشين والوحشي الذي يبدو انه متعمد" والذي أدى الى مقتل نحو 20 شخصاً.

أوباما
وخصص أوباما حيزاً مهماً من خطابه في الامم المتحدة للترويج للقيم الأميركية. وقال إنه "في عالم تخطى زمن الإمبراطوريات، نرى روسيا تحاول استعادة المجد الضائع بالقوة".
ودعا الى ان "نكون متحدين وصارمين في تدمير شبكات مثل تنظيم داعش الذي لا يبدي أي احترام لحياة الإنسان. لكن ذلك يعني أيضا أنه في مكان مثل سوريا حيث لن يتحقق أي نصر عسكري في نهاية المطاف، علينا متابعة العمل الديبلوماسي الشاق الذي يهدف الى وقف العنف وإيصال المساعدات الى المحتاجين ودعم أولئك الذين يسعون إلى حل سياسي والذين يعتقدون أن الذين لا يشبهونهم يستحقون الكرامة والاحترام".
وقال أيضاً: "الإسرائيليون والفلسطينيون سيكونون أفضل حالاً إذا نبذ الفلسطينيون التحريض واعترفوا بشرعية الدولة اليهودية، وإذا أدركت إسرائيل أنها لا يمكن أن تحتل الأراضي الفلسطينية وتستوطنها بشكل دائم".