أن العام الدراسي تعثّر قبل بدايته. وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب في ضيافة "المجتمع الدولي" في نيويورك، فيما يحل المدير العام للوزارة فادي يرق ضيفا على الهند. غياب طار معه العام الدراسي الرسمي إلى 26 الشهر الحالي، بعد حالة من الهرج والمرج في الوزارة "وبلبلة" عاشها القطاع التربوي على خلفية قرارات وتعميمات، سيكون هناك دومًا من ينفيها.


لم يعد مبلغ الـ140 مليون دولار الذي تحدّث عنه بوصعب أخيرًا سوى رقم يمكن الاستخفاف به إذا ما قيس بحجم التحديات التي تواجه القطاع التربوي، خصوصًا أن هناك آلاف الأطفال النازحين الذين يرغبون في الانتقال من الشوارع إلى مدارس حتى وإن كانت عبارة عن خيام. أما الأحلام الوزارية فهي في إدخال 650 ألف طالب وطالبة إلى التعليم الرسمي. رقم إذا ما قيس بالحسابات قد يصبح تحقيقه كـ"حلم إبليس في الجنة".

لم يبدأ العام الدراسي، ولم تنته مشكلات الأساتذة. هؤلاء يرزحون تحت نير "التعاقد" الذي خلّف مذ وجد تعقيدات متراكمة ومزمنة. أمر دفع بالأساتذة إلى اعتباره "بدعة" لأنه خلط الأمور بعضها ببعض، ولأن الهدف الأساسي من ورائه هو حرمان الأستاذ من حقه في وظيفة تؤمّن له العيش الكريم.

يتردد اليوم أن الناجحين في امتحان مجلس الخدمة المدنية قد لا يجدون لهم مكانا، في ضوء قرار لم يكتب على ورق ولم يوثق في تعميم. بل قام أحد مستشاري وزير التربية بإبلاغه شفهيا إلى مديري الثانويات برفض استقبال أي أستاذ من الناجحين الجدد لعدم وجود اعتمادات مالية للتعاقد. وإذا كانت هناك حاجات للتعاقد فعندها يتحمل الأستاذ مسؤولية التوقيع على دفتر منفرد أي لا (ملاك) ولا (تعاقد)، وفي هذه الحالة قد لا يتقاضى أي بدل لقاء أتعابه.

وقد كان هذا القرار كفيلًا بإثارة غضب المتعاقدين، الناجحين منهم وغير الناجحين، فكان أن دعوا رابطة التعليم الثانوي إلى الإضراب، وتأجيل العام الدراسي. سرعان ما لبى بوصعب دعوة التأجيل من نيويورك بحجة "الانطلاقة السليمة للعام الدراسي ولتوزيع الأساتذة المتعاقدين الجدد وفق معايير موضوعية".

"الناجحون في مأزق"، يقول مصدر تربوي متابع. "هؤلاء أنهوا تعاقدهم مع المدارس الخاصة ويتحملون بنودا جزائية لأن الأستاذ المتعاون مع الخاص يمكنه أن يستقيل في الفترة التي تمتد حتى 5 تموز فقط". يضيف: "المسألة فيها خراب بيوت".

ويبدو أن "رابطة التعليم الثانوي" قد تموضعت على مسافة واحدة من الوزارة (السلطة) والمتعاقدين، إذ يبرر رئيسها عبدو خاطر "البلبلة" الحاصلة بسبب وجود بوصعب في نيويورك والمدير العام للوزارة فادي يرق في الهند. غير أنه في المقابل يشدد على أن "الرابطة لن تقبل بوقف التعاقد مع الناجحين، لذلك هي التي طلبت تأجيل العام الدراسي". ويشير إلى "أن التعاقد لا بد أن يحصل مع الناجحين، الذين يجب إلحاقهم بكلية التربية، أما إذا لم تصدر مراسيم إلحاقهم بالكلية فلن نسكت وسنتحرك".

ويلتقي جورج شحادة من "التيار النقابي المستقل" مع خاطر على "وجوب التعاقد مع الناجحين وإلحاقهم بكلية التربية، وإعطائهم 10 ساعات، لأن هؤلاء أصحاب حق". وعن دور رابطة التعليم الثانوي، يلفت شحادة الانتباه إلى أن الرابطة "صوت أحزاب السلطة، وعلى مدى سنتين لم يفعلوا شيئا ولا ننتظر منهم شيئا". ويتابع: "نحن كتيار نقابي مستقل سندعو إلى التحرك قريبا لإنصاف الناجحين، أما الرابطة فتكتفي بإصدار بيانات رفع العتب الشكلية".

تربويون: "التخفيف" عشوائي وغير مفهوم

إضافة إلى ما تقدم، هناك قضية أخرى تعيق انطلاقة العام الدراسي انطلاقةً عاديةً. هي قضية "التخفيف" في المناهج، التي أحدثت ضجة منذ اللحظات الأولى للإعلان عنها. ويرى تربويون أن هذه العملية حدثت "على عجل" وكان بالإمكان الاستغناء عنها ما دامت هناك عملية تحضير لمناهج جديدة متسائلين: "ألم يكن بالإمكان أن نصبر سنة إضافية لصياغة المناهج، وقد صبرنا منذ العام 2001؟".

ويؤكد مصدر تربوي مطلع أن "الاستعجال واضح من خلال قيام وزارة التربية بالطلب إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء بإحضار اللجان للعمل على توضيح عملية تخفيف المناهج، (حذف محاور منها)، لأن الأساتذة لم يفهموا ماذا حصل. وقد بدا ذلك من خلال رفض بعض المدارس الخاصة الالتزام بالتخفيف كما حدث مع تجمع المدارس الكاثوليكية".

يضيف: "صحيح أن بعض المواد التي تم حذفها كانت مكررة فانتزعت من بعض السنوات وبقيت في أخرى، لكن ما لم يتم ملاحظته في عملية الحذف هو أن التكرار كان مصنفا بحسب قدرة الطالب على الاستيعاب، وبالتالي فإن هذه العملية لم تتم بطرق مدروسة. ويضاف إلى ذلك أن بعض المحاور كانت، على سبيل المثال، مكررة في مادتين، فتم حذفها من الثانية وهي في الأصل كانت محذوفة من الأولى. وهكذا تمت إزالة محاور من المناهج عشوائيا من دون تنسيق أفقي بين المواد". يتابع المصدر: "إذا كان من ضمن إيجابيات التخفيف التسهيل على الطالب، وقد يعتبر هذا جيدا على مستوى لبنان. إلا أنه لا يساعد الطالب في الامتحانات الدولية".

ضرب العام الدراسي قبل بدايته. ربما لم يعد هناك جدوى من الحديث عن طلاب وأعداد، ومدارس مخصصة لاستقبالهم، مجهزة أو غير مجهزة. فقطاع من دون كادره البشري، هو أشبه ما يكون بالوعاء الفارغ!

شطب "المقاومة"

تم تمويل عملية "التخفيف" في مادة التربية إلى إحدى المؤسسات، وقد حاولت هذه المؤسسة فرض توجهاتها على لجنة "التخفيف" ووضع المنهج الذي تريده ومنها شطب محور "المقاومة" وقد تم الشطب. وقد أدى ذلك إلى انسحاب بعض أعضاء اللجنة اعتراضا. وبحسب مصدر تربوي رفيع، فإنه "عندما أثير هذا الأمر في الإعلام جرى مراجعة الأمر، وبالتالي فإنه يجري الآن إعادة النظر في مادة التربية".

(السفير)