ماذا يجري في «ايران العميقة»، حتى يقال إن الرئيس حسن روحاني، سيكون رئيساً للجمهورية لولاية واحدة يتيمة؟ وما هي ترددات هذا الحدث متى وقع في ايار من العام القادم؟ والأبرز ماذا سيحدث خلال هذه الأشهر الطويلة داخل ايران وخارجها للوصول الى هذه الحالة؟
أُعلنت «الحرب» على حسن روحاني من جبهة «الأصوليين المتشددين«، فور انتخابه رئيساً للجمهورية. لم يتحمل هؤلاء وصول معتدل ووسطي الى الرئاسة خصوصاً بعد التأكد ان تحت «عباءته الوسطية» يقف ويسانده تحالف واسع يضم الرئيس هاشمي رفسنجاني والاصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي. ما عمّق وشدّد من عزيمة «الاصوليين المتشددين« دعم المرشد آية الله علي خامنئي لهم في اطار امساكه بلعبة موازين القوى بمهارة لمصلحته. حتى اذا جاءت نتائج الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء، «انكسرت الجرة»، وانحاز خامنئي بقوة الى الأصوليين ومعه «الحرس الثوري» الذي شعر أنه سيخسر نفوذه تدريجًا، كلما تقدم مشروع الدولة وأولوية مصالحها على الثورة ومتطلباتها في الداخل والخارج معاً التي تمتد وتتمدّد من السلاح الى الحديد والاسمنت! ومن حماية الداخل والنظام الى الإمساك عبر سياسة «التدخل السلبي» بالعواصم التي تقع على حدود إيران وعلى طول ما أُطلق عليه «الهلال الشيعي» وصولاً الى عدن!
«الحرب» على روحاني تُشن على عدة جبهات وبعدة طرق ووسائل. البداية في اضعافه «قطبة بعد قطبة»، وتقديمه على اساس انه رئيس للجمهورية عاجز عن الايفاء بوعوده في انهاض البلاد من ازمتها الاقتصادية رغم توقيعها الاتفاقية النووية. ولا شك في ان واشنطن تتحمل جزءاً من المسؤولية، عندما عقّدت رفع العقوبات نهائياً، فاستثمرها المعادون لروحاني وبطبيعة الحال المرشد الذي يرفض مبدأ «الحوار مع العدو الاميركي».
مسألة العلاقات بواشنطن تحتل موقعاً ثابتاً ومتمدداً في رفع سقف «الحرب» ضد روحاني وكامل «الجبهة» المساندة له. ويشكل خطاب المرشد امام «الحرس» الذين استقبل قادتهم تمهيداً للعرض العسكري الاستثنائي والاول من نوعه الذي سينفذه هؤلاء في منطقة «بندر عباس«، «البنيان المرصوص» لهذه الحملة. فهو اعتبر ان «مطلب الاميركيين الحوار خصوصاً بكل ما يتعلق بسوريا والعراق ولبنان واليمن هو الحؤول دون وجود الجمهورية الاسلامية في المنطقة». لذلك طالب خامنئي وكأنه يقدم «وصيته» السياسية لمن سيخلفه بـ«ضرورة تكريس عدم الثقة بأميركا» وفي نهجه هذا اطلق المرشد «سهماً ساماً« ضد المعتدلين خصوصاً روحاني من دون ان يسميه بالقول «ان البعض لا يبدي استعداده لعدم الثقة اطلاقاً بأميركا». واستكمالاً لهذا النهج، فان المرشد اعتبر «الحرس حصن الثورة الحصين.. ويجب تعزيز الامكانات الدفاعية الردعية».
تصعيد المرشد خامنئي ومعه الاصوليون المتشددون «الحرب» ضد روحاني، ليس فقط لإعادة تسلم الرئاسة سواء عبر احمدي نجاد او سعيد جليلي المرشح الاول في الانتخابات السابقة للمرشد، وانما ابعد من ذلك. فالهدف هو كيفية المحافظة على موقع «ولاية الفقيه» بكل ما يعني ذلك من «الولاية المطلقة» لمرشح يرضى عنه خامنئي ويحافظ على إرثه ويدعمه بقوة مع الاصوليين المتشددين. وبعيداً من لائحة الاسماء المعروفة للمرشحين للخلافة، فان العمل جار بقوة لشطب هاشمي رفسنجاني من اللائحة بحجة انه ليس «سيد» اذ إن عمامته بيضاء وليست سوداء، علماً ان آية الله العظمى حسين منتظري «قائم مقام» الذي كان قائم مقام الامام الخميني كانت عمامته بيضاء. بهذا فان معركة رئاسة الجمهورية ليست سوى «الشجرة» التي تخفي غابة «الحرب» على خلافة المرشد آية الله خامنئي، التي تلوح في افق التطورات السياسية التي تعصف بإيران.
الرئيس حسن روحاني، اختار كما يبدو ان يحني رأسه حتى تمر «العاصفة« حتى لا تؤذيه كثيراً، فاختار افضل توقيت لمغادرة طهران للمشاركة في قمة عدم الانحياز ومن ثم في اعمال الامم المتحدة في نيويورك ولم يعرف حتى الآن ما اذا كان سيعود ليحضر العرض العسكري في 22 من هذا الشهر والسؤال هو حتى لو عاد فأي عرض سيشارك به: عرض الجيش في طهران او «الحرس» في «بندر عباس»؟
ما رفع منسوب الخطر على مستقبل روحاني وإمكان تحوله الى خاتمي-2، ان نهج «الاصوليين المتشددين« في اضعافه حتى يهبط رصيده الشعبي ويفقد امله في التجديد، ان الاصلاحيين بزعامة محمد خاتمي ومعه النائب محمد عارف، رفعوا صوتهم احتجاجاً وتنبيهاً على «ضعف» روحاني، وعدم التزامه تنفيذ وعوده وأبرزها اطلاق السجناء السياسيين والخاضعين للإقامة الجبرية: مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وأبرز الانتقادات لروحاني التي قالها له خاتمي (مستفيداً من تجربته الكبيرة) انه لم يغير من تركيبة «الادارة التجارية» وانه ما زال اكثر من نصف المديرين السابقين عاملين وناشطين ضد روحاني ونهجه السياسي، وان عدداً من الوزراء يعمل ضد توجيهاته. وقد وافق روحاني على هذه الانتقادات لكن يبدو انه تدريجاً اصبحت «عينه بصيرة ويده قصيرة«.
حتى الآن، تتقدم جبهة «الاصوليين المتشددين» وبدعم من المرشد خامنئي على جبهة المعتدلين والاصلاحيين. رغم ذلك فان النتيجة لم تبلور حدثاً سياسياً يحسم «حرب الخلافة». خصوصاً أن هاشمي رفسنجاني «ثعلب» السياسة الايرانية ما زال موجوداً وهو يملك العديد من الاوراق خصوصاً داخل مجلس الخبراء. أيضاً ما زال روحاني الرئيس قادراً على النهوض قبل ان يتحول الى خاتمي-2.